|
**نتابع
أخواتي الكريمات ما مرّ بي من بعض التأملات عسى
الله
أن ينفع بها.
أبدأ
مستعينة بالله سائلته التوفيق والسداد
:-
من
منّا
لم
يمنِّ النفس بحفظ كتاب الله الكريم ؟ بل ويحدو كل منا الرجاء مشفوعًا بكثير من
الدعاء أن يحفظ أولاده كتاب الله من الصغر ، وكلنا يبادر إلى الأخذ بالأسباب
والعمل
؛
لتحقيق هذا الأمل ، واضعا نصب عينيه مقولة الأسلاف
: ((التعليم
في الصغر كالنقش على الحجر
)) .
ولأني
كالجميع ،
بادرت
الولد فور تمكنه من الكلام ، فأرسلته إلى دار ليحفظ القرآن ؛ شافعةً رجائي
بالعمل
وكانت
الدار عن الجوار بعيدة ، والشقة في الذهاب والإياب إليها ومنها
شديدة
، فاستعنت بالله ، وسألته التيسير
فتقبل
الدعاء ، وسَهُلتْ لنا
الصعاب.
وانتظم الولد في تلكم الدار ، وبدأ يحفظ من الكتاب الكريم ، وزاد حفظه
من
صحيح السنة المطهرة ، وكذا القليل من الشعر ، و الأذكار- ما شاء الله لا قوة
إلا
بالله
– ....
**وذات
يوم ألفت الولد يردد الحديث التالي
:-
عن أبي
هريرة -رضى الله عنه - قال : قال رسول الله
–صلى الله
عليه وسلم –
:-
(( من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ ِ جاره
)) متفق
عليه./
صحيح
البخاري - رقم : 5185.
وكان
يقرن الترديد بالقفز الشديد
من
الفراش على أرض الحجرة ، وفعل ذلك ليس مرة ، يردد ويقفز ...وهـــكذا ،
فعَجِلْتُ
إليه
؛ أنهره وأزجره على شنيع فعله ، فقال : وماذا فعلتُ ؟!
أجبته
ألا تفهم ما
تقول
؟! إنك بفعلك تؤذي الجيران ؛ وهذا ينقص من حسناتك في الميزان
.
قال
متعجبا
حيران
: أي ميزان ؟!
فصمتُّ أتفكَّر، وهو إليّ ينظر ،فأخذت نفسا عميقا، وشرعت
أبين
له ما جنت يديه
:
- يا
بني : ألم تقل في الحديث أبي هريرة - وكان يحفظ
الراوي -
: (
من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر
)
وهذا
يعني
: أن تصدق أن الله موجود ، وهو إلهك الذي خلقك وكل ما حولك ، و لأنه خلق ويرزق
جميع
الخلق فهو الذي له الحق أن يأمرنا فنطيعه،
أليس كذلك
حبيبي ؟! أومأ برأسه أن بلى
.
- (واليوم
الآخر)
أي :
يوم القيامة نصدق أننا بعد أن نموت جميعا يحينا الله ؛ ليحاسبنا على ما
عملناه : فمن أطاع أوامرالله ، وفعل الخير ؛ أعطاه من الحسنات الكثير وأدخله
الجنة
في
الأخير.
ومن
لم يطع أوامر الله ، وفعل الشر ، وجد الكثير من السيئات ، وأدخله
الله
النار بعد الممات.
فمن
كان مصدقا قلبه بالله و اليوم الآخر : لن يفعل
السوء
والشر ؛ لأنه يخاف أن يدخل النار-نعوذ بالله-
أليس
كذلك يا بني ؟! أومأ برأسه أن بلى
.
- إذن
من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر
فـــلا ...... مـــــــاذا يا بني ؟
قال
: (فلا
يؤذِّ جاره
)
قلت :
وأنت عندما أخذت تقفز
بشدة
آذيت الجيران ، لأن صوت القفز مزعج
فهل
هذا ما جاء في
الحديث
الذي تقول وما أمر به الرسول ؟! أومأ أن لا
.فختمت
معه الحديث
بالدعاء ، وعلى فهمه الذي أبدا بالثناء.
**
ومر يوم ويوم و أيام ، وعاد
ليردد
حديثا جديدا
:-
عن
عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله
عنهما-
قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – :- (( المسلم من سلم المسلمون من
لسانه
ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه
))
صحيح
البخاري / رقم
: 6484
واصطحبته مساء ذلك اليوم إلى بيت الأقارب ، وهناك وجد أطفال
يلعبون
فانطلق يخوض فيما فيه يخوضون ، وما هي إلا برهة يسيرة ، وإذا بالصراخ يعلو ،
والجميع من ولدي يشكو
:
فمِن قائلا : ضربني ، ومِن قائلا
:
ظلمني ، ومن قائلة : نهرني ..جذبني...،فنظرت
إليه عاتبة ، تخرج من عينين
سهام
له مؤنبة ، و أجلسته بجواري حتى انقلبنا إلى الدار ، وحال ولوجنا ، اتخذ ركنا
بالجدار ،
فأخذت
نفسا عميقا وكان هذا الحوار
:
- شرع
يدافع عن نفسه ، ويقول
: إن
السبب فيما حدث أقرانه
....
فأقبلت بكليتي إليه وأنا ناظرة إلى عميق عينيه
،
فسكت في الحال ، وترك لي المقال فسألته
:
- ألا
تعقل ما تقول ؟! ألم تردد قبل
خروجنا من الدار قول الرسول
: ((
المسلم من سلم
المسلمون من لسانه
ويده
))
المسلم الذي يرضى الله عنه المسلم الذي سيدخل الجنة الذي يسلم
المسلمون من(
لسانه
):
فلا يسبهم ولا يغيظهم بقوله ،(و
يده )
:
فلا يعتدي
عليهم بالضرب أو الدفع أو الجذب
....
هل
هذا
الذي فعلت فعل مسلم يرضى الله عنه ؟!
.
فغض الطرف
وقال :
أن لا
.
فجتزأت بذلك ، ومر هذا كالسابق
.
**
ومرت أيام....
وأيام... وجاءت لزيارتنا خالته ومعها بنت في سن الفطام ، فأخذها ؛ ليريها ما
عنده
من
لعب ولم يمر من الزمن غير اليسير ، وإذا بمعركة بينهما تصير ، وبكؤهما كأنه
النفير ؟ ! فهرعنا إليهما فأمرته : أن يكف في الحال ، فرفض وأكمل كأنه محال :
لن
تأخذ
لعبتي ، فأمسكته وقد دميت يداه ، وفاضت بالدمع عيناه
!
وأمسكت أختي
الصغيرة وقد تركت أصابعه آثارا وحدّا ، قد أشتد منها إحمرار الخدّ
!
وعندما
نامت
الصغيرة ، وهدأ ابني قليلا شرعت أحاوره : أتضرب ضيفة ؟! ألم يقل رسول الله
- –صلى
الله عليه وسلم – :- (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ،
ومن كان
يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه
، ومن
كان يؤمن
بالله
واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت .)) صحيح البخاري / رقم : 6136
فإذا
به
يكمل
لي الحديث : عن أبي هريرة -رضى الله عنه -قال
.......
قلت :
اللهم لا حول
ولا
قوة إلا بالله ، إذن تحفظ الحديث ! قال : نعم ، فتنفست بعمق وقلت له : فلماذا
لم
تعطها اللعبة وهي ضيفتنا ؟ أليس هذا من إكرام الضيف؟! فسكت هنيهة ثم برقت عينيه
وقال
: لا هي صغيرة !!! فقلت له الضيف يطلق على الكبير والصغير.
-ألم
تأخذ في
الدار
حديث أنس بن مالك -رضى الله عنه - قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم
– :-
((
ليس منا من لم
يرحم صغيرنا
، و
يوقر كبيرنا
))
صححه الألباني بمجموع طرقه في : السلسلة الصحيحة / رقم: 2196؟ أومأ أن بلى
.
فسألته ما معنى يرحم صغيرنا ؟ هي صغيرة ، وأنت كبير يجب أن ترحمها وتعطي لها
ما
تريد ولا تضربها ..ففتح فاه ليقول عضتني ... فأسكته وقلت : وإن عضتك هي صغيرة ،
قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم
– :-
(ليس
منا من ..)
أي :
ليس مثله ولا مثل أصحابه لأنهم يرحمون الصغير ، ويوقرون الكبير وأنا
كبيرة
قلت لك :
كفّ
عنها فلم توقرني ولم تستجب لأمري ،
ألا
تخشى ألا تكون مثل الرسول وأصحابه وأن تحرم
صحبتهم
في الجنة؟!
فنكس
رأسه وبكى ولم يحر جوابا
.
فختمت
الكلام
بالدعاء : (( هداك الله ، هداك الله ، هداك الله)).
**
ومرت الأيام وجاءني
بمحفوظات مادة السلوك والآداب ، وكان عليه حفظ ا لآيات من سورة لقمان
:-
{
يَا بُنَيَّ
أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ *وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ
مَرَحا *
إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال ٍ فَخُور *واقصد في مشيك
واغضض من
صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}آية
: 17-19.
فكان
يرددها صارخا ؛ معللا ذلك أنه يقلد طريقة قراءتها في الدار ، الله المستعان
الله
المستعان الله المستعان
لن
أعلق على ذلك الموقف وسأترك لخيالكنَّ العنان
.
***
الحق أنني لم أقصص كل المواقف ، ولكني ضربت بعض الأمثال ، لتكون شاهدا
لكنَّ
عن الحال.
والحق
أن الأطفال ليس بها العيب ، فقد ألفت الكبار يفصلون بين
ما
يفعلون وما يقولون بله يحفظون
وبدأت
ألحظ ما كنت عنه غافلة ، من أفعالي
وأفعال كل غريب ، بله من العاقلة ،
وأصبحت من تلك المواقف أتحسس ، ووالله ما
على
خلق الله أتجسس ،فهي لكل ذي مسكة من عقل ظاهرة ؛ شاهدة على غفلتنا السافرة
.
وما
-والله- أفتري فهاكم مثلا واحدا على ما أدعي:
صلى
إمام المسجد-
حافظ
القرآن ذ و الصوت الفتّان في مسجد من أشهر مساجد
العاصمة في رمضان - صلاة القيام فأطالها حتى أذان الفجر ،ولم يعطِ لأحد من
المأمومين
خلفه
من وقت للسحور ، راغبا بفعله عن سنة الرسول ؛ راغبا في إطالة القيام ، مضيعا
لحق
كثير من الأنام ، ولعل قرأ حال قيامه
:
((وما
آتاكم
الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) الحشر : آية : 7
لله
الأمر من
قبل
ومن بعدُ ، إلى الله المشتكى
.
{
يا أيها الذين
آمنوا لم
تقولون ما
لا تفعلون *كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون
}
سورة الصف
/
الآية : 2-3
-
سؤلت عائشة -رضي الله عنها - عن أخلاق الرسول -عليه الصلاة
والسلام - فقالت
:
((
كان خلقه القرآن
))
صححه
الألباني في : صحيح الجامع / رقم:
4811
**
وفي الأخير عدَّلت من رجائي وألححت بدعائي
:
((اللهم
اجمع
القرآن في صدر أولادي ، وارزقهم العمل به آمين
))
وأولادكن وأولاد المسلمــين
أجمعــــــين
.