|
تجاوباً مع المشروع المتميز والفريد ، مشروع تعظيم البلد الحرام ، ينبغي على كل
معني بهذا الأمر وكل ساكن لهذه الأرض المباركة ، أن يساهم في تعظيم هذا البلد
بالقول والفعل ، ويسعى في نشر هذا الوعي الديني في نفوس أبناء هذا البلد ،
ويذكّر به تارة بعد تارة ، لأن كثرة المساس تقل الإحساس ، ولا يعرف قدر النعمة
إلا من يفقدها أو يبتعد عنها .
وإن من المؤسف حقاً ، أننا ننظر حولنا في أرجاء مكة المكرمة ، فنجد خللاً
كبيراً، وقصوراً واضحاً في تعظيم هذا البلد الحرام من أهله الساكنين على أرضه ،
والمتنعمين بنعمه ، وإننا لنرى صوراً من هذا الخلل أفقدت البيت مهابته ، وقللت
من تعظيمه وتقديره .. من أبناءه الذين رضعوا الإسلام منذ نعومة أظفارهم ...
ولو نظرنا إلى تاريخ هذا البلد لوجدناه معظم منذ الجاهلية ، مهاب على مر
الأزمان ، حيث كانت قريش تعظمه وترعى حقه ومكانته .. ثم جاء الإسلام ليؤكد
للبيت حرمته، ويشرّع تعظيمه ، ويحفظ مكانته .
فضرب لنا الصحابة والتابعون ومن بعدهم أروع الأمثلة في تعظيم البيت وحفظ حرمته
.
وفيما يلي سأعرض صوراً من هذا التعظيم في الجاهلية والإسلام ، ويقابلها حال
ساكني مكة في العصر الحاضر ، ليتعظ الجاهل ، وينتبه الغافل ، وليعاد للبيت
حرمته ومكانته .
صورة الماضي (خل ثياب الحل ) :
كان من تعظيم قريش للبيت أنهم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا
دخلوا الحرم ، وأن يخلوا ثياب الحل ، ويستبدلوا بها ثياب الحرم ، إما شرىً وإما
عارية وإما هبة ، فإن وجدوا ذلك وإلا طافوا بالبيت عرايا . ( الفتح 5/214 )
صورة الحاضر ( البس ما شئت ) :
بنظرة سريعة في واقع من يقصد الحرم اليوم ، نرى عجباً ، فالنساء متبرجات ،
يلبسن العباءات الفاتنة ، حاسرات عن وجهوهن ، مبديات زينتهن ، والرجال مسبلي
ثيابهم ، إلا من رحم الله ، لم يراعوا حرمة البيت ، بل ولا حرمة الزمان ، سواء
كانوا في رمضان أو في الأشهر الحرم .
في الجاهلية خلوا ثياب الحل ، لأنها ليست من كسب طيب ، أو ثياب عصوا الله فيها
. وأبناء وبنات الإسلام اليوم لا يتحرجن من ثياب المعصية ، ولا من المعصية في
بيت الله .
خطوة للعلاج :
وعلاجاً لهذه الظاهرة لابد من الاحتساب من النساء والرجال ، وذلك بإعداد مراكز
توعية حول الحرم ،توفر فيها العباءات البديلة ، وتنصح الأخت المعتمرة أو
الزائرة ، بأن أهل الجاهلية كانوا يستبدلوا ثياب الحل بثياب الحرم ، وأنت أولى
منهم ، ويعطى لها الحجاب البديل مع الكتاب والشريط.
صورة الماضي { لا للثأر في مكة ):
من تعظيم أهل الجاهلية للبيت أن الرجل يرى فيه قاتل أبيه فلا يثأر منه ولا
يزعجه .
قال القرطبي :" فكانوا في الجاهلية من دخله ولجأ إليه أمن من الغارة والقتل "
الجامع 4/91 .
صورة الحاضر ( لا أرضى أن ينال مني أحد ):
من العجيب أن يجهل كثير من المسلمين اليوم حقوق البلد الحرام ، ويخف تعظيمه في
قلوبهم ، ويرتكب فيه ما لا يمكن أن يصدر من معظّم ومجلّ لأعظم بقعة على الأرض .
فكثيراً ما نرى الخصام والتنازع والمشاجرات على أمور تافهة ربما لأجل كلمة
بسيطة خرجت من شخص ، أو فعل غير مقصود ، أو سلوك غير مرضي ، فتثور الثائرة
وتمتد الأيدي ، بل ربما تسقط الأعناق ، والجاهلي يرى قاتل أبيه فلا يثأر منه
ولا يزعجه .
خطوة للعلاج :
أن تكتب إرشادات جميلة على الشاشات الإعلانية في الشوارع حول الحرم وفي أنحاء
مكة ، تذّكر وترشد وتعظ . مثال : انتبه أنت في مكة ... لا للشجار ولا للنزاع في
مكة ... فالجاهلي يرى قاتل أبيه فلا يزعجه ... وهذا أخوك المسلم فأعفوا واصفح
وتجاوز .
صورة الماضي ( لا لسكنى مكة ) :
كان السلف الصالح يقدرون حرمة البيت ويعظمونه في نفوسهم تعظيماً عجيباً ، حتى
إن منهم من تحرج من سكنى مكة خشية الوقوع في المعاصي .
قال ابن رجب :" وكان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم خشية ارتكاب الذنوب "
وقال :
" روي عن عمر بن الخطاب قال : لأن أخطئ سبعين خطيئة يعني بغير مكة أحب إليّ من
أن أخطئ واحدة بمكة ." جامع العلوم والحكم 2/318
صورة الحاضر ( اسكن لا حرج ولا بأس ):
اليوم يتهافت المسلمون على مكة تعبداً وتقرباً ، ويبذلون الغالي والنفيس من أجل
أن يجاور بمكة أياماً أو ساعات . وللأسف أن بعض من يسكن حول الحرم ، ويدفع
أموالاً طائلة لذلك ، يعصي الله ولا يبالي إن كان في مكة أو في الصين ، فلباسه
لباس الإحرام وبيده الدخان ، وهناك من يسكن حول الحرم ومعه أشرطة الغناء
والمعازف ، والنساء حول الحرم يتسوقن في الأسواق متبرجات متعطرات ، ناهيك عما
يحصل بين الفتيات والشباب من غزل وإعجاب ، فوا لله إنها لمصيبة أن ندفع أموالاً
لنعصى الله عند الحرم !!
خطوة للعلاج :
الاحتساب في الأسواق والطرقات من الرجال والنساء ، ووضع الملصقات على السيارات
والمحلات والجدر ، فيها ذكر مختصر لتعظيم السلف للبيت ، ووضع عبارات أفعل كذا
ولا تفعل كذا فأنت في مكة ..
صورة الماضي ( لا عتاب ولا عقاب في مكة ) :
عن مجاهد – رحمه الله تعالى – قال : كان لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاطان
أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل ،
وإذا أراد أن يصلي صلى في الحرم ، فقيل له في ذلك فقال : كنا نتحدث أن من
الإلحاد أن يقول : كلا والله ، وبلى والله . أخبار مكة للأزر قي 2/131-132
صورة الحاضر ( العقاب لابد منه والضرب لا حد له ) :
نحن في زمن قلّ فيه أن تجد من لديه ورع كورع عبد الله بن عمرو بن العاص ، وخوف
وخشية كخشية ابن عباس ، من حق الرجل أن يعاتب وأن يؤدب أهله بما يراه مناسباً ،
ولكن ليس من حقه أن يظلم ويتجاوز الحد في البلد الحرام ، فهناك من يعاقب بلا
ذنب ، ومن يضرب بلا حساب ، زوجات مظلومات مضروبات ، وأبناء مضطهدين معذبين ،
عنف أسري ، وشتات عائلي .. لم يراعوا للزوجة حقاً ... ولا للبيت حرمة .
خطوة للعلاج :
نشر الوعي الديني من خلال جميع وسائل الإعلام .. وإقامة الدورات والندوات
والمحاضرات في الأماكن العامة وفي مقر الأعمال ، للحث على نبذ العنف والوصية
بالأهل خيراً ... فأهل مكة ليس كغيرهم ... والذنب في مكة ليس كذنب في غيرها ...
والظلم في مكة عظيم ، عرفه أهل الجاهلية قبل أهل الإسلام ... فهذه امرأة في
الجاهلية توصي ابنها قائلة :
أبُني لا تظلم بمكة *** لا الصغير ولا الكبير
أبُني من يظلم بمكة *** يلق آفات الشــــرور
أبُني قد جربتها **** فوجدت ظالمها يبور
رسائل قلبية إلى الأخت المكية
خطوات عملية للتعظيم
صور من الواقع تنافي تعظيم البلد الحرام
هنيئا لكم يا أهل مكة الجوار فأين حقه ؟!