|
إلى أرباب الفكر وحملة المنهج (2)
ومن المعالم في تربية النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحابه
خامساً
: سبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوسائل التي يتنادى إليها
التربويون اليوم ومن ذلك.
ضرْبه صلى الله عليه وسلم الأمثال وهو كثير ، ومن ذلك : تشبيه المؤمن
بالنخلة [ في حديث البخاري برقم 61 من حديث ابن عمر ] والمجتمع بالسفينة [
في حديث البخاري برقم 2540 من حديث النعمان بن بشير ] الصاحب السيء بنافخ
الكير [ في حديث البخاري برقم 5214 من حديث أبي موسى] ومن الوسائل في
تعليمه : تحفيز الأذهان بالسؤال وهذا كثير فقد قال يوما لأصحابه " أتدرون
من المفلس..." [ رواه مسلم برقم 2581 من حديث أبي هريرة ] وقال " أتدرون ما
الغيبة..." [ رواه برقم 2589 من حديث أبي هريرة] وقال : أتدرون أي يوم
هذا.." [ رواه البخاري برقم 1654 من حديث أبي بكرة] ومن الوسائل أيضا :
تحفيز الأذهان بذكر معلومة أو خبر لم يذكر مقدمه أو أوله ، ومن ذلك أنه قال
: رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف ، قيل من يا رسول الله ؟ قال : من
أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ، فلم يدخل الجنة " [رواه مسلم في
صحيحه برقم 3551 من حديث أبي هريرة] ومرّ بجنازة فأُثنى عليها خيراً فقال
نبي الله " وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثنى عليها شراً فقال نبي الله : وجبت
وجبت، قال عمر : فدىً لك أبي وأمي ، مر بجنازة. .) [ رواه مسلم برقم 949 من
حديث أنس. ] وذات مرة قال صلى الله عليه وسلم " أُحضروا المنبر ، فحضرنا ،
فلما ارتقى درجة قال : آمين ، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين ، فلما
ارتقى الدرجة الثالثة قال : آمين ، فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا
منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه.. " [رواه الحاكم من حديث كعب بن عجرة ] ومن
الوسائل أيضا : قلة الكلام وإعادته ليتمكن في قلب السامع ، تقول عائشة رضي
الله عنه " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدث الحديث لو شاء العد
أن يحصيه أحصاه " [ رواه أبو داود برقم 3654 من حديث عائشة ] ويقول أنس رضي
الله عنه " كان إذا سلم سلم ثلاثاً ، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً " [
رواه البخاري برقم 94] وفي رواية أخرى للبخاري زاد " حتى تفهم منه " [ رواه
البخاري برقم 95 ] ولهذا فإني على المعلم المثالي أن يكون أقرب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليعرف نهجه وكيف ربى أصحابه .
سادسا : ومن المعالم أيضا في تعليمه صلى الله عليه وسلم : الصبر
وطول النفس .
يسهل على الإنسان أن يتعامل مع الآلة الصماء ، ويستطيع الباحث أن يصبر
ويكافح في دراسة هذه الظاهرة المادية أو تلك ، لكن التعامل مع الإنسان له
شأن آخر وبعد آخر ، ذلك أن الناس بشر لا يحكم تصرفاتهم ومواقفهم قانون مطرد
، فتراه تارة هنا وتارة هناك ، تارة يرضى وتارة يسخط ، ولهذا أجمع المختصون
بأن الظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة ، وأن البحث فيها تكتنفه صعوبات عدة
فكيف بالتعامل المباشر مع الإنسان والسعي لتقويمه وتوجيه سلوكه ، ومن يتأمل
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى كيف صبر وعانى حتى ربى هذا الجيل
المبارك ، كم فترة من الزمن قضاها صلى الله عليه وسلم ؟ وكم هي المواقف
التي واجهها صلى الله عليه وسلم ومع ذلك صبر واحتسب وكان طويل النفس بعيد
النظر إن البشر مهما علا شأنهم فلن يصلوا إلى درجة العصمة ، وهل أعلى شأناً
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهاهم يتنزل فيهم في بدر [ لولا كتاب
من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ] وفي أحد [ منكم من يريد الدنيا
ومنكم من يريد الآخرة ] وفي حنين [ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن
عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ] وحين قسم صلى!
الله عليه وسلم غنائم حنين وجد بعض أصحابه في نفوسهم ما وجدوا ، وكان صلى
الله عليه وسلم يخطب فجاءت عير فتبعها الناس فنزل فيهم قرآن يتلى ، ومع ذلك
يبقى هذا الجيل وهذا المجتمع هو القمة ، وهو المثل لأعلى للناس في هذه
الدنيا
فكيف بمن دونهم بل لا يسوغ أن يقارن بهم ، إن ذلك يفرض على المربي أن يكون
طويل النفس صابراً عالي الهمة متفاءلاً .
سابعا : الخطاب الخاص .
فكما كان صلى الله عليه وسلم يوجه الخطاب لعامة أصحابه ، فقد كان يعتني
بالخطاب الخاص لفئات خاصة من أصحابه ، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم
حين يصلي العيد أن يتجه إلى النساء ويخطب فيهن ، كما روى ذلك ابن عباس -رضي
الله عنهما- قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل
قبل ولا بعد ، ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن ،
فجعلت المرأة تلقي القلب والخرص [رواه البخاري (1431) ومسلم (884) ] بل
تجاوز الأمر مجرد استثمار اللقاءات العابرة ، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي
الله عنه- أن النساء قلن لرسول الله صلى الله عليه وسلم :غلبنا عليك الرجال
، فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فواعدهن يوماً فلقيهن فيه فوعظهن وأمرهن ،
فكان مما قال " ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً
من النار " فقالت امرأة : واثنين فقال " واثنين " [ رواه البخاري ( 101 )
ومسلم ( 2633 )] وقد يكون الخصوص لقوم أو فئة دون غيرهم ، كما فعل في غزوة
حنين حين دعا الأنصار وأكد ألا يأتي غيرهم ، وكما بايع بعض أصحابه على ألا
يسألوا الناس شيئاً .
إلى أرباب الفكر وحملة
المنهج (4)