|
معالم في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
أولاً :
إطلاق اسم المعلم على نبينا صلى الله عليه وسلم .
الأنبياء والمرسلون يمثلون الكمال البشري في أرقى صوره ، فهم أطهر البشر قلوبا
، وأزكاهم أخلاقا ، اختارهم الله تعالى واصطفاهم لنفسه " والله يصطفي من رسله
ما يشاء " " والله أعلم حيث يجعل رسالته " فلم يكن بِدعا من الأنبياء أن يكون
كلُ ما عليه نبينا صلى الله عليه وسلم من الخَلْقِ والخلُق مسْترعيا للأنظار ،
في قمة الجمال والكمال صلى الله عليه وسلم ، وقد كان في هذا الأثر الكبير في
استجابة الناس له ، فكم من رجل دخل الإسلام بمجرد النظرات الأولى التي يراها
فيها صلى الله عليه وسلم .
لا ريب أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي تعليم أمته ودلالتهم إلى
الخير قال تعالى " هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم ءاياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " وخرج يوماً
على أصحابه فوجدهم يقرؤون القرآن ويتعلمون فكان مما قال لهم " وإنما بعثت معلما
" [ رواه ابن ماجة برقم 229 في حديث عبد الله بن عمرو ، وفي سنده ضعف ] وقال
صلى الله عليه وسلم " إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً
وميسراً " [ رواه مسلم برقم 1478 من حديث جابر] يقول معاوية بن الحكم " ما رأيت
معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه " [ رواه برقم 537 ] وفي رواية أبي داود
" فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ رواه أبو داود
برقم 931]
ثانياً :
النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معلم .
ترى الدراسات التربوية أن أفضل طرق قياس مستوى المعلم تقييم طلابه ، ولو
اعتمدنا هذه الدراسات لتوصلنا إلى أنه صلى الله عليه وسلم أعظم مربٍ ومعلم ،
فعن طلابه وتلاميذه يقول الله " كنتم خير أمة أخرجت للناس "
ثالثاً :
شمائل النبي التي يحتاجها كل معلم .
لا ريب أن شمائل النبي وأخلاقه العظيمة من الكثرة بمكان ، وسأعرض هنا الشمائل
التي يحتاجها كل معلم يود أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مهمته
التعليمية والتربوية.
أولا : الحرص .
" لقد جاءكم رسول أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم "
وهاهو يوصي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه فقال : يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً ،
وإني أحب لك ما أحب لنفسي " [ رواه مسلم برقم 1826 من حديث أبي ذر ] وقال عن
نفسه صلى الله عليه وسلم " إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت
الدواب والفراش يقعن فيه ، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون فيه " [ رواه مسلم
برقم 2284 من حديث أبي هريرة ، ومثله في البخاري برقم 3427]
ثانيا : الرفق واللطف في التوجيه .
يقول عليه الصلاة والسلام " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " [ رواه
البخاري برقم 6927 من حديث عائشة] وفي مسلم " إن الرفق لا يكون في شيء إلا شانه
ولا ينزع من شيء إلا شانه" [ رواه مسلم برقم 2594] ومن رفقه ما ذكره أنس بن
مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له " يا بنيّ "[ رواه أحمد في المسند
برقم 12648] ويقول أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم " كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم من أحسن خُلقاً فأرسلني يوماً لحاجة ، فقلت : لا والله لا أذهب ، وفي
نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمرّ على
صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله قد قبض بقفاي من ورائي ، قال :
فنظرت إليه وهو يضحك ، فقال : يا أُنيس أذهبت حيث أمرتك ؟ قال قلت : نعم ، أنا
أذهب يا رسول الله " ومن رفقه صلى الله عليه وسلم ما ذكره عبد الله بن جعفر بن
أبي طالب حيث قال " ثم مسح على رأسي ثلاثاً " [ رواه أحمد في المسند برقم 1763]
ومن رفقه أيضا تحببه إلى أصحابه حتى يظن كل منهم أنه الأثير عنده ، يقول عمرو
بن العاص " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم
يتألفهم
بذلك ، فكان يقبل بوجهه وحديثه عليّ حتى ظننت أني خير القوم ، فقلت : يا رسول
الله : أنا خير أو أبو بكر ؟ قال : أبو بكر ، فقلت : يا رسول الله : أنا خير أو
عمر... " [ رواه الترمذي في الشمائل برقم 295] ويقول جرير بن عبد الله البجلي "
ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي " [
رواه البخاري برقم 5739] ويقول جابر بن عبد الله " ما سئل رسول الله شيئاً قط
فقال: لا " [ رواه الترمذي في الشمائل برقم 302] وقال أنس رضي الله عنه " والله
لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا ، أو لشيء تركته
: هلا فعلت كذا وكذا " [ رواه مسلم برقم 2310 من حديث أنس ] وفي رواية لأحمد "
ما قال لي فيها أف " [ برقم 1609 ] وفي رواية أيضاً له " والله ما سبني سبة قط
، ولا قال لي أف " [ برقم 12622] وفي قصة معاوية بن الحكم وقد عطس أمامه رجل في
صلاته فشمته معاوية وهو يصلي يقول : فحدقني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل
أمياه ، مالكم تنظرون إليّ .؟ قال : فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم ، فلما
رأيتهم يسكتونني لكني سكت فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني ،
بأبي هووأمي ، فوالله ما ضربني ولا كهرني ولا سبني ، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده
أحسن تعليماً منه [ رواه النسائي برقم 1218 من حديث معاوية ، وأبو داود برقم
930ذ] وقام أعرابي فبال في المسجد " فتناوله الناس ، فقال لهم النبي صلى الله
عليه وسلم : دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم
ميسرين ولم تبعثوا معسرين " [ رواه البخاري برقم 220 ونحوه في مسلم برقم 284 في
رواية أبي هريرة ] .
إلى أرباب الفكر وحملة المنهج (2)