|
من الكتب المتميزة والنادرة كتاب : ( ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة
الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة )
لأبي عبدالله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي ( 721 – 1321 ه ) وهو كتاب
ماتع نافع رائع ، يرحل في طلبه لما حوى من نفائس ودرر ، بحثت عنه وبعد جهد جهيد
توفر لي مجلد واحد منه وهو الجزء الخامس الذي فيه زيارة الحرمين الشريفين ومصر
والإسكندرية عند الصدور .
طبعة دار الغرب الإسلامي ، تقديم وتحقيق الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة .
وجدت في الكتاب - من جملة ما وجدت من النفائس والدرر في شتى الفنون - قصائد
ماتعة تقطر أدبا وروعة وبلاغة .
منها هذه القصيدة التي أضعها لكم ، وهي قصيدة حماسية تحث المجاهدين أيام
الحروب الصليبية نظمها عند موافاته المجاهدين في المنصورة . وهذه هي كما في
الكتاب ، ويالروعتها وجمالها :
قال المصنف – رحمه الله - :
( ومن نظم شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه مما قاله عند موافاته المنصورة ،
تحريضا للمجاهدين ، وتحضيضا للمتثاقلين إلى الأرض ، أن ينفروا في سبيل الله ،
والقاعدين ، من قصيد في قضية دمياط عام 647 ، أفادها لنا صاحبنا الوزير أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم عنه :
جلل أصابك والخطوب جسام
** فالقلب دام والدموع
سجام
ومصيبة عظمت وخطب فادح
** ذهلت له الألباب
والأفهام
أضحى به الإسلام منفصم
العرى**
يجنى عليه برغمها ويضام
وشكت شريعة أحمد لمديلها
**
جور الألى إذلالها قد ساموا
كسفت له الشمس المنيرة
واغتدى**
وجه الصباح وقد علاه ظلام
لبست له الأيام ثوب كآبة**
فلحزنها حتى الممات دوام
ذهبت بشاشة كل عيش ناضر**
فعلى التهاني والسرور سل
فالروض لا نضر ولا خضل
الربى **
ما ماس فيه للغصون قوام
لم يسر فيه لنا النسيم
معطرا**
والدوح ما غنى عليه حمام
وتعطلت سبل اللسان فلا
هوى**
مستعذب فيه جوى وغرام
هجر الحبيب فلا وصال
يرتجى **
منه ونقض وداده إبرام
وتقطعت ذمم المودة وانقضى**
زمن السرور كأنه أحلام
وغدا الزمان كما تراه
وثغره**
لا ضاحك فرحا ولا بسام
يا ناصري الدين الحنيف
أهكذا **
عنكم يجازى ديننا الإسلام
أسلمتموه إلى الصغار
وأبتم **
والعار مقترن بكم والذام
خارت عزائمكم وشتت جمعكم**
وتقطعت ما بينكم أرحام
أين الحروب المتقى
سطواتها **
منكم ؟ وأين الكر والإقدام ؟
أين الصواهل ضمرا ؟ أين
البو **
اسل زؤرا والفارس المقدام ؟
أين الصوارم شرعا ؟ أين
الذوا **
بل رعفا ؟ أين الفتى الهمام ؟
أين الذي قد باع مهجة
نفسه **
لله ؟ فهو على الردى حوام ؟
أين الكريم الخيم؟أين أخو
الوغى **
أين الذين عن العدى ما حاموا ؟
لا تضعفوا جبنا ولا
تتهيبوا **
من شأنه الإذلال والإرغام
لكم الكرامة والمهابة
والحجا **
والأيد والآراء والأحلام
لكم المثوبة والجزاء
المرتضى**
وعليهم الآصار والآثام
أنتم برضوان الإله وقربه
**
منهم أحق وفيكم الأعلام
كم فيكم من باسل فتكاته
**
يحنو لديها الصارم الضمضام
ومدجج يوم الكريهه ما
اجتلى**
إلا وقد نثرت عليه الهام
خواض غمرة كل موت كافل**
دين الإله بنصره قوام
يردي الفوارس معلما لا
ناكصا**
يوم الهياج إذا الحروب تقام
ويشن في الأعداء غارة
بأسه**
فلنار عزمته يشب ضرام
ومدرعين إذا الردى يوم
الوغى**
شيمت بوارقه وحم حمام
لبسوا القلوب على الدروع
وجردوا **
العزمات فهي لهم لعمرك لام
بذلوا نفوسهم لنصرة دينهم
**
فلهم عليه حرمة وذمام
راموا النعيم السرمدي
فأبعدوا**
في نيله مرمى وعز مرام
جنحوا إلى العلياء
فاهتجروا المنى فعلى جفونهم المنام حرام
قد أعربوا لغة الردى في
لحنهم فلهم بألسنة الرماح كلام
أفعالهم تبنى على حركاتها
**
كسر العدى والحذف والإدغام
إخوان صدق منهم من قد قضى
**
نحبا ومنهم من له يستام
باعوا النفوس فحبذا من
مشتر**
رب لديه البر والإنعام
فعلى نفوسهم الزكية رحمة
**
من ربهم وتحية وسلام
وعلى وجوههم البهية نضرة
ال**
إجلال موصول بها الإكرام
جنات عدن فتحت أبوابها
**
لهم ومثوى حظوة ومقام
أرواحهم تحيا وتحبر
بالمنى**
وكأنما لم تألم الأجسام
وسقوا شرابا من رحيق سلسل
**
عذب له المسك السحيق ختام
يستبشرون بنعمة وكرامة
**
من ربهم هذا النعيم التام
حضروا حظيرة قدسه**
فتنعموا بجواره فهم لديه
كرام
هذي المعالي هل لها من
طالب ؟**
ها أنتم عنها الغداة نيام
هذي السعادة قد أضل
سحابها **
بدت الطلول ولاحت الأعلام
هذي جنان الخلد تحت
سيوفكم **
وبها إليكم لوعة وهيام
تجلى عليكم حورها وقصورها
**
ويشوقها شعث بكم وكلام
وتنفست أنفاسها مسكية الن**
فحات لا ضال الحمى وخزام
ربحت تجارتكم ألا
فاستبشروا**
هاتيك سوق المكرمات تقام
يا أخوة الإسلام كيف
قعدتم **
عن نصرة وأرى العدى قد قاموا
ورقدتم عنه ، وعين عدوه
**
بالبغي والظفران ليس تنام
عدمت نفوسكم الأبية نخوة
ال**
إيمان فهي لذاك ليس تلام
أم هل ترى رضيت بذلة
دينها **
فلها المذلة منه والإجرام
أمست مساجدكم كنائس لا
يرى**
فيها لكم عند الصلاة زحام
لا يسمع التأذين في
عرصاتها **
خوف العداة ، ولا الصلاة تقام
رفع الصليب على المنابر
وانبر ال **
ناقوس فيه بشركهم إعلام
وغدا منار الحق منهدم
البنا**
فالحرم حل والحلال حرام
درست رسوم العلم فهي
محيلة **
وتبدلت من بعده الأحكام
وتحكمت فرق الضلالة في
الهدى **
فتصيدت آساده الآرام
فالبيت والأركان يندب
ركنه ال **
واهي القوى والحج والإحرام
والحجر والمسعى ومروة
والصفا**
والأبطحان وزمزم ومقام
ما طل نعمان الأراك ولا
سقى**
من بعده وادي العقيق غمام
وتغيرت صفة الزمان لأجله**
وتنكرت من بعده الأيام
فالشمس تبدو اليوم غير
منيرة **
حزنا ، وما زان الهلال تمام
ونبيها الهادي بطيبة قد
شكا **
بث الجوى ، فجواه ليس يرام
نسخت شرائعه ، وبدل دينه**
وانحل من سلك الزمان نظام
يا عصبة التوحيد كيف تحكم
الثا **
لوث فيكم والعلى أقسام
وعلا على الحق اليقين
لديننا **
من دينه البهتان والإيهام
ميلوا عليه واستعينوا
واصبروا**
لا تدبروا ولتثبت الأقدام
وترقبوا النصر العزيز
وأوبة ال**
فرج القريب فربنا علام
لابد من يوم يشيب لهوله
**
فود الوليد ويفشل الضرغام
لا تمتروا في هلك قوم
كذبوا**
فلسوف يا قومي يكون لزام
يا مدعي دين المسيح وإنه
**
ليطول منه لما ادعوه خصام
غيرتم دين المسيح وما
انتحى **
موسى وما قد سن أبراهام
وحسدتم خير البرية أحمدا
**
فلنعته في كتبكم إبهام
هيهات نور الشمس ليس
بمختف**
والمسك كيف كتمته نمام
منا عليه صلاة صادٍ صادق
**
ولنا به برق السعود يشام
يا باعث المختار من خير
الورى**
فهو الذي للمتقين إمام
يا خير مسئول وأكرم منعم
**
ومريد ما تجرى به الأقلام
يا كاشف الغماء يظلم
خطبها**
فلها على سعة الفضاء ركام
انصر شريعتنا ، وسدد
أمرنا **
فلنا الحراسة منك والإعظام
عجل دمار الكافرين وأردهم
**
حتى يكون لهم بنا استعصام
وأتح لهم محنا تأجج نارها
**
يبدو عليها زفرة وقتام
واحلل عزائمهم ، وشتت
جمعهم**
حتى يرى لوجودهم إعدام
وأذل عزتهم ، وخيب سعيهم
**
ليكون منهم للردى استسلام
وارأب ثأى الإسلام واجبر
كسره **
حتى يعود وشمله ملتام
نجزت ومنه بالإسناد فيما أنا به أبو
اليمن قَالَ : إنه لما كان في وقيعه دمياط عام هياط ومياط ، واشتد الحال في
بعض الأيام ، وعاين الناس وقع الحمام ، تقدم رضي الله عنه للقتال مع رفيق
كان له ، وهبا أنفسهما له ، فاستشهد رفيقه وخلص هو جريحا ، بالعوم فقال :
شيء وهبته لله فلا أرجع فيه فغادر الأهل والوطن ، واقتعد غارب الغربة إلى
محل الأنس ، حرم الله الشريف ، فتبوأه دارا ووالي مدة عمره حجا واعتمارا ،
وزيارة إلى المصطفى ، إلى أن توفي
على ذلك ، وقد قضى من ذلك لبانات وأوطارا رَحِمَهُ اللَّهُ عليه
( انتهى
المصدر : كتاب : ( ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى
الحرمين مكة وطيبة ) لأبي عبدالله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي ( 721
– 1321 ه )
طبعة دار الغرب الإسلامي ، تقديم وتحقيق الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة .
الجزء الخامس ، الصفحات : 214-215-216-217