بسم الله الرحمن الرحيم
في
طرقات الحياة،و شوارعها، هنالك محاربون كثيرون، من بينهم صنفٌ يحارب لكن
ليس على أرض معركة، و لا في مواجهة أعداء من بني البشر،صنفٌ معركته
الحقيقية مع ذاته؛ صنفٌ يحارب، لكنه يحارب نفسه الأمارة بالسوء .
إن هذا الصنف من المحاربين في ميدان الحياة هم : الذين قَدّروا قيمة
الحياة، و نعمة العيْش،فصارت حياتهم صولات، وجولات، و صارت أيامهم، ميادين
حربٍ و قتال؛ كلما هُزِموا؛ قاموا بعزمٍ جديد،وكلما خسروا
معركةً؛حازوابعدها نصراً فريداً.
إنهم يرفضون الاستسلام،و إن تعددت هزائمهم ، و يأبون التخلي عن ساحة
القتال، و إن قُطعوا أشلاء
يؤمنون أن الحرب؛ ولو بعزيمةٍ فاترةٍ، خيرٌ من العيش بروح مستسلمة.
هم يعرفون أن السير بقدمٍ عرجاء، و ساق مكسورة، في ميدان حربهم مع أنفسهم
أو نحو تحقيق أهدافهم، و أحلامهم، خيرٌ لهم من أيام سلامٍ مزيفة؛ٍ تأخذهم
بالنهاية نحو الهلاك.
إن هؤلاء المحاربين؛حربهم ليست حرباً عاديةً، و معركتهم ليست كباقي
المعارك، التي سبق و عرفتها البشرية ؛ إنما حربهم ، صراع مع أنفسهم،
وشياطينهم؛ لأجل عقيدتهم ومبادئهم.
إن هذا الصنف من المحاربين؛ هم الذين هداهم الله بهداه سبحانه، الذين
امتثلوا لله، وجعلوا شعارهم " سمعنا وأطعنا فساروا إليه يلتسمون رضاه في
سكناتهم، و حركاتهم ،في سُكَاتِهم، و كلامهم.
هم يجاهدون جهاداًٍ ليس بهينٍ ، يجاهدون أهواءهم، و يحاربون شهواتهم، و
ضعفهم ، و يشنون حرباً ؛بل حروباً لهزيمة شياطينهم
و رغم هزيمتهم أمام أنفسهم ،و تفريطهم في حق الله، و تقصيرهم مرات و مرات ،
و رغم ضعفهم أمام الشهوات، و الفتن، يأبون أن يتركوا طريق الله .
كلما عصوا استغفروا، و أنابوا لربهم ،و تابوا ،و كلما زلت خطاهم ،أو تعثرت،
فروا إلى الله ،مستمسكين بأمره ،و نهيه من جديد وشعارهم ، بل وحالهم:" إنا
إلى الله سائرون، وما كنا يوماً مستسلمين، ولن نكون ،و لن نترك درب الهدى
أبدا،ً و لو سرنا إلى الله عُرجاً مكاسير، بين الضعف و التقصير".
إن هؤلاء آمنوا؛ أن الحياة بعيداً عن الله لا تعاش،
وأن كل إنسان_ ليست قضيته الأولى رضا الله _ ميتٌ و إن بدت عليه سمة
الأحياء ،و أن كل محارب ليست معركته الأهم مع نفسه ،و شيطانه ، خاسر مهما
جنى، و كثرت مكاسبه في الحياة .
إنهم ذاقوا لذة العيش في معيته سبحانه ، و على طريق طاعته، فما استطاعوا و
لن يستطيعوا أن يسيروا في درب غير درب هداه.
فمن ذا الذي يسير على طريق الله، و يهون عليه أن يفرط فيه بعدما عرفه؟
فإن كنت منهم فهنيئاً لك سيرك على دربهم و أثرهم_ ثبتك الله_، وإن لم تكن
منهم فقم و لا تؤجل .
فمالذي ينقصك كي ينتصروا هم، و يسيروا إلى الله بينما أنت منهزمٌ غافل ؟
ما الذي يشغلك عن الله؟
أيُ همٍ - بل إن شئت قل وَهْمٍ - أكبر بقلبك و أعز عليك من الله ؟
و لنا عظة،ٌ و تذكرة ،في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر على قبر
دُفِن حديثًا فقال:
((ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتَنَفَّلُون، يزيدهما هذا في عمله أحبُّ إليه
من بقية دنياكم)
فهذا حال من سبقونا إلى القبور !!
ركعتان نافلة أحب إليهم من دنيانا، التي ألهتنا و شغلتنا ،و صار سعينا فيها
سباق و ركاض.
هذا حال من ماتوا و يوماً سنصير إلى ما صاروا إليه
لكنَّا لازلنا بالدنيا مشغولين ،و عن طاعة الله غافلين، و قليلٌ منا من هم
بالموت معتبرين .
فانهض و استعن بالله ،و أعد ما استطعت من عدةٍ و انزل مع من سبقوك إلى
ميدان حربك و جهادك مع نفسك ، و تذكر أن معركتك مع ذاتك كي ترضي الله أعظم
معارك حياتك .
انهض و لا تجعلهم يسبقونك إلى الله، بل زاحم أقدامهم و شاركهم الخطى .
و كن محارباً في درب الحياة، سائراً إلى ربك و لو بقدمٍ مكسورةٍ و ساقٍ
عرجاء .
لكن إياك إياك و ترك طريق الله .
|