بسم الله الرحمن الرحيم
في خضم هذه الأحداث في العالم أجمع المؤمن بحاجة للفأل الحسن ، بحاجة ليحسن
الظن بربه - جل وعلا -
هناك عدة تعريفات جاءت لتعريف التفاؤل منها :
*الفأل* : ضد الطيرة والجمع فؤول ، وتفاءلت به .
أن يكون الرجل مريضا " فيسمع آخر يقول : ياسالم .
أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول : يا واجد .
فيقول : تفاءلت بكذا ، ويتوجه له في ظنه كما سمع أنه يبرأ من مرضه أو يجد
ضالته .
وفي الحديث كما جاء عند البخاري : ( لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح
) - والفأل الصالح : الكلمة الحسنة .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - : ( والكلمة الطيبة صدقة ) -متفق عليه .
من أعظم الأوقاف التي يوقفها العبد في حياته ، ويجري له أجرها بعد مماته ،
هذه الكلمة الطيبة التي تؤثر في النفوس ، وتزرع الفأل عندالمسلم ، وقيل من
تعريف الفأل كما قال الماوردي :
فأما – الفأل - ففيه تقوية للعزم ، وباعث على الجد ، ومعونة على الظفر ،
فقد تفاءل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزواته وحروبه .
وروى أبو هريرة-رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع
كلمة فأعجبته ، فقال : ( أخذنا فألك من فيك ) - ورد في المعجمالصغير .
وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - كل حياته هي عبارة عن فأل حسن ، كان إذا
رأى من أصابته أم ملدم .
أم ملدم : كنية الحمى ، قال الليث : والعرب تقول : قالت الحمى أنا أم ملدم
آكل اللحم وأمص الدم .
قيل : اللدم واللطم واحد - والالتدام الاضطراب .
ويقال لها : أم الهبرزي - تعريف اللغة الجزء الثاني لأبي منصور محمد الهروى
.
عن ابن عباس - رضي الله عنه – قال : وكان إذا دخل على من يعوده قال : ( لا
بأس ، طهور إن شاء الله ) - رواه البخاري .
فأل مبارك – أي : هذا الذي أصابك طهور لك إن شاء الله من الذنوب .
وورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل
على أعرابي يعوده فقال له : ( لا بأس طهور إن شاء الله تعالى.
قال : قلت : طهور كلا بل هي حمى تفور - أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور
.
فقال النبي : فنعم إذا " ) - وقيل في شرح المشكاة : يعني أرشدتك بقولي : لا
بأس عليك - أي إن الحمى تطهرك وتنقي ذنوبك فاصبر واشكرالله عليها ، فأبيت
إلا اليأس والكفران فكان كما زعمت ، وما اكتفيت بذلك بل رددت نعمة الله
عليه قاله غضبا " عليه .
وقال غيره : يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - علم أنه سيموت من ذلك
المرض ، فدعا له بأن تكون الحمى طهرة لذنوبه فأصبح ميتا " –
صحيح البخاري - كتاب المرضى - باب عيادة الاعراب ج 3.
المواقف العظيمة التي ينتفع بها المؤمن عندما يستمع إليها ، فتكون لها الاثر
الايجابي في نفسه .
¤ { فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي
سيهدين } ¤ .
عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس - رضي الله عنه – قال : لما انتهى موسى إلى
البحر، وهاجت الريح العاصف ، فنظر أصحاب موسىخلفهم إلى الريح ، وإلى البحر
أمامهم - قال اصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين - قال موسى
لقومه : ليس الامر كماذكرتم ، كلا لن تدركوا إن معي ربي سيهدين قال :
سيهديني لطريق أنجو فيه من فرعون وقومه - تفسير الطبري ج19 / ص 356.
كأني بموسى لم يلتفت ، وهكذا عندما يمتلئ القلب يقينا " - بالله جل وعلا -
لا يبالي ، لذلك من أعظم الدلائل بأن قلب المؤمن إمتلئ تفاؤلا " هو أن يلجئ
دائما " إلى الله ، أن يسأل الله - جل وعلا - وأن ينكسر ويتذلل بين
يديه،يفتقر فيدعو الله أن يرفع عنه الفاقة ، يمرض فيسأله أنيشفيه .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
: ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب ، فليكثرالدعاء في الرخاء
) - رواه الترمذي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة .
قال المناوي - رحمه الله - في فيض القدير : فتعين على من يريد النجاة من
ورطات الشدائد والغموم ، أن لا يغفل بقلبه ولسانه عن التوجه إلىحضرة الحق -
تقدس بالحمد - والابتهال إليه ، والثناء عليه .
إذ المراد بالدعاء في الرخاء كما قاله لامام الحليمي : دعاء الثناء والشكر
، والاعتراف بالمنن ، وسؤال التوفيق والمعونة والتأييد ، ولاستغفارلعوارض
التقصير .
العافية رخاء ، الأمن رخاء ، فليكثر العبد من الدعاء .
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – قال : دخل رسول الله -صلى الله عليه
وسلم - ذات يوم المسجد ، فإذا هو برجل من اﻷنصار ، يقالله أبو أمامة ،
جالسا " فيه ، فقال : ( يا أبا أمامة ، مالي أراك جالسا " في المسجد في غير
وقت صلاة ؟ ! قال : هموم لزمتني وديونيارسول الله ، قال : ألا أعلمك كلاما
" إذا قلته أذهب الله - عز وجل – همك ، وقضى عنك دينك ؟
فقال : بلى يارسول الله .
قال : قل -إ ذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ،
وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من البخل والجبن ، وأعوذبك من غلبة
الدين وقهر الرجال ) - فقلت ذلك ، فأذهب الله همي ، وقضى عني ديني -أ خرجه
أبو داود بإسناد حسن.
أعظم أهداف الشيطان التي يحققها في المؤمن أن يجعله حزينا " ، يجعله
متشائما " ينظر إلى الأمور بسوداوية ، وأن النهاية مظلمة .
قال الله تعالى : ¤ { إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس
بضارهم شيئا " إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ¤ .
يريد الشيطان أن يعيش لانسان حياة حزينة مؤلمة ، أن يعيش في الحياة مسجون
حزنه وفي الأخرة عياذ بالله أشد وأنكى .
فالمؤمن يتفاءل ويحسن الظن بالله - سبحانه وتعالى - لأن الفأل الحسن يجلب
السعادة ، كم توقع لانسان وتشائم بأنه سوف يحصل له كذا ؟! ولم يحدث .
المؤمن بالتفاؤل يروح عن نفسه يقول إن كان مريضا " : سوف أشفى وما هي إلا
أيام ويعافى .
لذلك إذا مررت بأزمة وجاءك الشيطان فقال : هذه الأزمة لن تغادرك ، فتذكر كم
أزمة مرت بك وأذهبها الله عنك ، كما أذهب الأولى سوف يذهبالثانية بفضله ومنه
- سبحانه وتعالى -
التفاؤل تقوية للعزائم ومعونة على الظفر وباعث على الجد ولاجتهاد ، لأن
لانسان المتشائم لا يجتهد ، لأن التشائم باعث للفشل ، فالعبدعندما يتوقع
الأحسن ويتفائل بأنه سينجح وبأنه سيكون مضرب للمثل ، فإن ذلك سيحثه على
لاجتهاد وكما قيل :
قال الخليفة أبي جعفر المنصور :
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ** فإن فساد الرأي أن تترددا .
في التفاؤل إقتداء بالسنة المطهرة ، وأخذ بالأسوة الحسنة لنبينا -صلى الله
عليه وسلم - فكان يتفائل في حروبه وغزواته وسائر حياته - عليهالصلاة
والسلام –
لو نظرنا في كتاب الله - جل وعلا - وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -
لوجدنا فيها المئات من هذه المبشرات .
يعقوب - عليه السلام - يأتيه أبناءه ويخبروه أن يوسف أكله الذئب ، وتمر
السنوات ويفقد ولده الثاني ، ومع ذلك الموقن بالله المتفائل يقول : ¤ { يا
بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من
روح الله إلا القوم الكافرون } ¤ .
ولا تيأسوا من روح الله : أي لا تقنطوا من فرج الله - قاله ابن زيد ، يريد
: أن المؤمن يرجو فرج الله ، والكافر يقنط في الشدة .
وقال قتادة والضحاك : من رحمة الله .
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون : دليل على أن القنوط من
الكبائر، وهو اليأس - تفسير لامام الطبري .
هذا الأمل ينبغي أن يمتلئ قلب المؤمن به ، المؤمن بحاجة لأن يكون متفائلا " .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يرى الصغير عبد الله بن عمر فيقول محفزا "
له مشجعا " له : ( نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل )- رواه
البخاري ومسلم .
قال سالم : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا " .
وأحسن القائل عندما قال :
ولقد بلغت من التفاؤل أوجه
وقلائل من يفعلون قلائل
حتى تفاعيل البحور قرأتها متفائل متفائل متفائل.
إعداد د. عبدالرحمن بن عبدالله الطريّف
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
|