كُنْ لِلْوُدِّ حَافِظا |
|
مقامة.. كتبها أ.د/ عبد الرحمن البر |
ما ودَّك مَنْ أهمل وُدَّك --- ولا أحبَّك مَنْ أبغضَ حبَّك وقد قيل: عِلَّةُ المعاداة، تكون في قِلَّة المبالاة. وكلُّ أخٍ عند الهُوَيْنَى مُلاطِفٌ --- ولكنَّما الإخوانُ عند الشدائد
قلت: هذا كلامٌ خطير، فما الذي أدَّى
لكل هذا التغيير؟
ما كِدْتُ أفحصُ عن أخي ثقةٍ --- حتى
ذَممْتُ عواقبَ الفحصِ
ولهذا فقد قررتُ تركَ مجالس الإخوان،
والانفرادَ بنفسي عن أبناء الزمان.
وكنتُ إذا الصديقُ أراد غيْظِي---
وأَشْرَقَنِي على حَنَقٍِ بريقي إن الأخ يا صديقي إنسانٌ هو أنت إلا أنه غيرُك، فلا تكن في شكًّ من الإخوان ولا يلتبسْ عليك أمرُك، ولعمري إن إخوانَ الصدق لمن أنفَس الذخائر، وأفضل العُدَد للزمان أيها الذكيُّ الماهر، وقد جاء في معنى الحديث الشريف، أيها الصديقُ النبيهُ اللطيف:
للهِ في الأرضِ أجنادٌ مُجَنَّدةٌ ---
أرواحُها بينها بالصدقِ تعترفُ وفي الحكمة قيل، أيها الصديقُ النبيل: مَنْ استصلح عدوَّه زاد في عُددَه، ومن استفسد صديقَه نقص من عُدَدِه،أوَ ما دَرَيْتَ أنَّ مَنْ قطع الإخوانَ دفعهم ليقطعوه، ومَنْ ضيَّعهم كان أحَرْى أن يُضَيِّعوه، وعزَّ عليه أن يُعوِّضَهم وسهُل عليهم أن يُعوِّضوه. يمضي أخوك فلا تلقَى له خلَفاً --- والمالُ بعد ذهابِ المالِ مُكْتَسَبُ
والأخ بين إخوانه يا زيْنَ الأصدقاء،
كالسمكِ السابحِ في لطيف الماء، فإن غادره ضاق به واسعُ الفضاء. صديقُك لا يُثْنِي عليك بطائلٍ --- فماذا ترى فيك العدوُّ يقول قلت: اسمع أيها الصديقُ الطيبُ الزَّيْن، لا تزهد في صديقِك لِخُلُقٍ تنكره أو خلُقيْن، طالما رضيتَ من أخلاقِه الكثير، فإن اليسيرَ من الأخطاء مغفور، والذنبَ في خِضَمَّ الحسنات مغمور.
لا يُؤْيِسَنَّك من صديقٍ نبوةٌ ---
يَنْبُو الفتى وهو الجَواد الخِضْرِمُ فلا يزهدنَّك في صديقٍ حمدتَ سيرتَه، وارتضيت وتيرته، وعرفت أدبَه وفضلَه، وخَبَرْتَ عقلَه ونُبْلَه، عيبٌ تحيط به كثرةُ فضائِلِه، أو ذنبٌ صغيرٌ تستغفر له قوةُ وسائله، فإنك لن تجد أبداً ما بقيتَ مُهَذَّباً لا يكون فيه عَيْب، أو معصوماً محفوظاً لا يقع منه ذنب. أتطلبُ صاحباً لا عيبَ فيه --- وأيُّ الناس مَنْ ليس له عُيوبُ إنَّ من حق الإخوان أن تغفرَ زَلَّتهم، وأن تسترَ يا صديقي هفوتَهم، لأنَّ مَنْ رام بريئاً من الزلات، وطلب سليماً من الهفوات، رام أمراً مُعْوِزاً، واقترح وصفاً معجزا، فلا صديقَ بلا هَفْوة، ولا جوادَ بلا كَبْوة، ولا صارمَ بلا نَبْوة.
ومَنْ ذا الذي تُرضِي سجاياه كلُّها
---- كفى المرءَ نُبْلاً أن تُعَدّ معايِبُه
قال صديقي أتَّم الله سعادتَه: فإني
أرى نفسي لا تنسى مساءَته، وإن كانت لا تضمر أبداً عداوتَه، فكيف أُرْضيها
وأصفِّيها، ومن الضيق أخلِّصُها و أنقِّيها؟
وكُنْ معدناً للخيرِ واصفَحْ عن الأذى
--- فإنك راءٍ ما علمتَ وسامعُ
وفى الحديث يابنَ الكرام، عن بدرِ
التمامِ ومِسْكِ الختامِ وزَيْنِ الأنام: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ
يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا
وَيَصُدُّ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ». لكلِّ شيءٍ فقدتَه عِوَضٌ --- وما لِفَقْدِ الصديق من عِوَض واسمع أيها الحبيبُ الألمعي، ما قاله إمامُنا الشافعي:
أحبُّ من الإخوانِ كلَّ مُوَاتي---
وكلَّ غضِيض الطرفِ عن عثراتي وفي ختام الكلام يا أصيلُ يا ابنَ الأصيل، اسمع إلى ما يقول المولى الجليل: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾. قال الإمام علي رضي الله عنه يا أولي الألباب: الصفحُ الجميلُ هو الرضا بغير عتاب.
هَبْني أسأتُ كما زعمتَ--- فأين عاطفةُ
الأخُوَّة
قال صديقي الطيبُ الأمين: شفيتَني شفاك
اللهُ ربُّ العالمين، وجزاك عني خيرا يا زينَ الناصحين، وأما أخي عدنان،
فقد عفوتُ عنه ما كان، وأنا عائدٌ بإذنِ ربي إلى مجالس الإخوان، وعائذٌ
بالله ربي من نَزْغِ الشيطان، وسائلٌ إلهي أن يجمعني مع إخواني في الدنيا
على الإيمان، وفي الآخرة إخواناً على سُرُر الجنان. |