|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ألهم عباده شكره وذكره ، وصلاة وسلاما على مصطفاه من خلقه ،
وصحابته من بعده ، وتابعيهم إلى يوم لقاءه ، وبعد :
أيام وساعات ، شهور وأوقات تتصرم وتنقضي وتنتهي ، لتحل لحظة إهلال شهر كريم
، تتلهف الأفئدة شوقا لبلوغه ، وتسيل الدموع فرحا بلقائه ، يا الله ! كم
لهذا الشهر من مكانة ومهابة في قلوب المسلمين .
تأمل يارعاك الله ، كيف تنسال ثياب الخشية على الأرواح ، وتتدفق معاني
التوبة والإنابة على القلب .
كلنا عبيد لله ، لا غاية ولا مقصد من خلقنا إلا لعبادته.
رمضان ، مضمار السباق إلى الله ، وميدان التحدي لمن يستحق أن يمدحه ربه
ويثني عليه بما أثنى على نبيه سليمان عليه السلام " نعم العبد " .
أيها العبد المؤمن ، جولة خاطفة على محطات العبادة في هذا الشهر الكريم .
ارمق ببصركِ وشاهد المساجد كيف تزدحم بالمصلين وتسعد باستقبالهم زرافات
ووحدانا ، ترى من بينهم من لم تطأ قدمه المسجد فرضا ولا نفلا ، ولسان حاله
"آيبون تائبون عابدون ولربنا حامدون " .
حدق ناظريك في كثافة الإقبال قراءة وتدبرا على كتاب ربهم ، بعد مسيرة أشهر
من هجره ، وأيام صرفت في غير قرائته ، وأوقات لم تتعطر بتلاوته .
لكنهم علموا أن القلوب لن تلين إلا بقراءته وأن نصرهم وعزهم وتوفيقهم
وشفائهم وهدايتهم فيما بين دفتيه وفِي سطوره وآياته .
ثم انتقل إلى مشهد العطاء والبذل ، فهذه يد الباذلين ، تفيض سخاء على كل
ملهوف ، كأنها المطر إذا انهمر لا تخشى عوزا ولا فقرا .
وكأنه يتمثل قول الشافعي رحمه الله :
وأفضل الناس بين الورى رجل // تقضى على يده للناس حاجات
الباذل في رمضان لا يبحث إلا عن محتاج ليعينه ، أو مكروب ليفرج عنه، أو
مدين ليقضي عنه دينه ، أو معسر لييسر عليه أمره ، إنها نفس المؤمن التواقة
لكل خير مشتاقة .
تلفت جانبك وانظر إلى تلك الأرواح التي ائتلفت وأبت على نفسها في شهر كريم
، قطيعة أو عداوة ، ولسان حالها :
الناس داء ودواء الناس قربهم // وفي اعتزالهم قطع المودات
أيها العبد الأواب ، إن رمت مشهدا لجمال شهرنا ،فول وجهك وأرع سمعكـ
لمزامير القرّاء في ليالي الشهر الكريم ، فبعد فرح الصائم بفطره ، يكون
للمتهجدين بالليل فرح بلقاء ربهم .
لقاء المصلين في التراويح لن تجد فيه إلا عبرات تنهمر من سماع كلام الرحمن
، وأجساد تقشعر من عظيم آيات المنان ،( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله
وجلت قلوبهم) حينها لامشاعر توصف إلا حسرة وندامة على ليالي ظلماء مظلمة
مرت بِنَا ، لم نصل فيها ركعة ، ولم نبك فيها على آية .
ثم تحين ساعة اللجوء والإقبال على الله ، تلك اليدين المرفوعة لا تريد سوى
الكريم ، الغني ، الرزاق ، الذي إن أعطى أجزل ، وإن أكرم أفاض ، وإن رزق
أتاك رزقه وخيره من حيث لا تحتسب .
هي غنيمة الصائم التي إن ضيعها فهو لما سواها أضيع ، لا مقابل ولا أجرة ولا
ثمن حتى تستأذن ربك لسؤاله ، فبابه مفتوح ، وعطاءه لا يحصيه أحد .
إنها ساعات شهر عظيم ، مهرها أن تطوع نفسك لما يرضيه ، فقد انقضت اختبارات
الدنيا وها نحن أمام اختبار إيماني للفوز بالسباق إليه فالجائزة مغفرة من
الله ورحمة ، وتكون في زمرة من مدحهم الله بقوله " نعم العبد إنه أواب "،
فأي كرامة بعد هذه الكرامة .
فاللهم تقبل من عبادك ، وأسعد قلوبهم برضاك ،،
والله الهادي إلى سواء السبيل ، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العاملين .
حرر ليلة الأول من الشهر الكريم لعام 1438هـ