|
بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي في الله ..
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد /
فكل عام وأنتم بخير ، وكل عام وأنتم إلى الله أقرب ..
أخط لكم هذه الكلمات ، وأملي في الله أن ينفعني وإياكم بها ..
فأقول وبالله التوفيق ..
ها قد عشنا هذا العام وعشنا اللحظات بكل مافيها من أفراح وأحزان ، وصحة ،
وأسقام ولكن هل نتذكر اليوم ما قد فعلناه في بداية العام ؟ هل نذكر زلاتنا
الصغيرة ، وذنوبنا الكبيرة ؟ هل نذكر في أي يوم قد أخرنا صلاة مكتوبة أو حتى
ضيعناها ؟ هل نذكر أي شيء قد عملناه قبل ( ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما ) ؟ طبعا
: لا ، فكل ما نتذكره هو أياما معدودة ، لنا فيها ذكريات إما حسنة ، أو سيئة ،
ولكن لا نتذكر شيئا قد عملناه أو حتى تركناه من واجباتنا وسننا ..
هنا تكمن المشكلة أننا ننسى ، وننسى أن الله لا ينسى ..
عجبا لنا أحبتي في الله ، كيف نحيا هذه الحياة الطويلة في لهو وغفلة ، ولا نجد
من يردعنا .. أهذا ضعف في إيماننا ، أم أننا نحسب أننا مخلدين في هذه الدنيا ..
كل يوم نرى ونسمع بأن فلانا قد فارق الحياة ، نبكي عليه برهة ، ويصحبنا الحزن
عليه ساعة ثم نترحم عليه بضعة أيام ، وننظر له وقد فارق الحياة ، وكأنه هو فقط
قد كتب الله له الموت أما نحن الذين نبكي عليه فمخلدون !
لماذا نحن في غفلة ، أهذا ضعف في الإيمان ؟ أم لأننا لا نرى رقيبا وعتيدا ؟
مع أننا نتلو القرآن ليلا ونهارا ، ونقرأ آيات الله في كل مكتوبة ..
دائما نقرأ قول الله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ
الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعيد * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ( ق / 16- 18 )
أحبتي في الله ..
فلنجدد النية مع بداية هذا العام الجديد ، ولنقف مع أنفسنا هذه الليالي الأخيرة
من هذا العام وقفة محاسبة ومعاتبة ، ولنبك على ما ضيعناه من الخير في ليالينا ،
ولنفرح بما قدمناه من الخير وندعو الله أن يتقبل منا صالح أعمالنا ، ويغفر
زلاتنا ، ، ولنضع حدا للهو واللعب ..
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ
أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا ، فَإِنَّهُ
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ
{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ ، لا تَخْفَى مِنْكُمْ
خَافِيَةٌ } ( الحاقة / 18 ) .
أحبتي في الله ..
هذه بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأقوال السلف ، التي أحببت أن أذكركم
ونفسي بها في هذه الرسالة
قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ
حَقٌّ فَلا تَغُرنَكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرنّكُم باللَّهِ
الْغَرُورُ } ( فاطر / 5 ) .
قال صلى الله عليه وسلم " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا
لِامْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ،
فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى
دُنْيَا يُصِيبُهَا ، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا
هَاجَرَ إِلَيْهِ " ( صحيح البخاري )
يؤيد هذا الحديث قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ، ثم تاب الله عليه ، فعَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً
وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ
عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ
نَفْسًا ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ ، فَقَالَ : لَا ، فَقَتَلَهُ ،
فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ،
فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ ،
فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنَّ بِهَا
أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ
إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ
الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ
وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ
تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ
الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي
صُورَةِ آدَمِيٍّ ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ
الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ
فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ
مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ " ( صحيح مسلم )
فهذه القصة تدل على أن من اتقى الله وأحسن النية قَبِل الله منه ، فالتقوى
وإخلاص النية من شروط التوبة وقبول العمل الصالح لقوله تعالى
{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }
( المائدة / 27 ) .
وقال تعالى { فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن
الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي
المأوى } ( النازعات / 37-41 ) .
ويقول الحسن رحمه الله تعالى عند قوله تعالى { لا أقسم
بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة } ( القيامة / 1-2 ) ( إن
المؤمن والله لا نراه إلا وهو يلوم نفسه ما أردتُ بكلمتي ما أردتُ بأكلتي ما
أردتُ بحديث نفسي ، أما الفاجر فيمضي قُدُمًا قُدُمًا لا يعاتب نفسه )
فمحاسبة النفس ، والخلوة الإيمانية بين العبد ونفسه ، تجعل المؤمن يزداد إيمانا
، ويلين قلبه ،
خاصة وإن اختلط بذلك ندم وبكاء ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ ، عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ،
وَعَيْنٌ نَامَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " ( حسنه الترمذي ) .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا
ظل إلا ظله... وذكر منهم " ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " .
وعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : وهل نؤاخذ بما تكلمت به
ألسنتنا ؟ فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذ معاذ ، ثم قال : " يا
معاذ ، ثكلتك أمك - أو : ما شاء الله أن يقول له من ذلك - ، وهل يكب الناس على
مناخرهم في جهنم ، إلا ما نطقت به ألسنتهم ؟ فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليقل خيرا ، أو ليسكت عن شر ، قولوا خيرا تغنموا ، واسكتوا عن شر تسلموا " (
حديث صحيح على شرط الشيخين كما في المستدرك )
وكان الصحابة يحاسبون أنفسهم ، دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر
الصديق رضي الله عنه وهو يزجر لسانه فقال له عمر : مه ما هذا الذي تفعله يا أبا
بكر ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن هذا أوردني المهالك .
وكتب عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ
، فَكَانَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ " أَنْ حَاسِبْ نَفْسَكَ فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ
حِسَابِ الشِّدَّةِ ، فَإِنَّهُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ
حِسَابٍ فِي الشِّدَّةِ ، عَادَ مَرْجِعُهُ إِلَى الرِّضَا وَالْغِبْطَةِ ،
وَمَنْ أَلْهَتْهُ حَيَاتُهُ ، وَشَغَلَتْهُ أَهْوَاؤُهُ ، عَادَ أَمْرُهُ
إِلَى النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ ، فَتَذَكَّرْ مَا تُوعَظُ بِهِ ، لِكَيْمَا
تُنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ ، وَتَكُونَ عِنْدَ التَّذْكِرَةِ وَالْعِظَةِ
مِنْ أُولِي النُّهَى " .
فلنجعل عامنا المقبل هذا عاما محمودا بأعمالنا ، ولنجعل لأنفسنا كل ليلة ساعة
قبل النوم نراجع فيها حساباتنا ، حتى نجعل يومنا التالي أفضل ..
وهذا أحد الشعراء يقف محاسبا نفسه قائلا ..
فَقُلْتُ لِنَفْسِـيْ وَالدُّمُـوعُ غَزِيْـرَةٌ ** أَنَفْسِيْ مَتَـى عَنْكِ
الْغِـوَايَـةُ تَنْجَـلِيْ
فَحَتَـامَ لَمْ تَسْمَـعْ لِقَـوْلَةِ نَاصِـحٍ ** وَلَـمْ تَلْتَـزِمْ فِـي
حَيِّهَـا بِالتَّحَـوُّلِ
أمَـا آنَ أَنْ تَبْـدُوْ بِعِفَّـةِ صَالِـحٍ ** وَعِيْـشَـةِ زُهَّـادٍ
وَقَلْـبٍ مُـغَسَّـلِ
أمـا آنَ أَنْ تُنْهِي الْقَصَائِدَ فِي اللُّهَى ** أَيَفْـخَـرُ إِنْـسَـانٌ
بِـبِئْـرٍ مُعَطَّـلِ
أَيَـا نَفْسُ تُوبِي مِنْ مِكَرٍّ إِلَى هَـوَىً ** وَفِرِّيْ إِلَــى
الْمَوْلَـى بِتَوْبَـةِ مُقْبِـلِ
فِإِنِّ حَيَـاةَ الْمَـرْءِ كَالظِّـلِ زَائِـلٌ ** فَطُوبَى لِـذِي عَقْـلٍ
وَبِالْخَيْـرِ مُبْتَلِـي
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم
الحساب
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
والحمد لله رب العالمين