|
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلام على النبي المصطفى ، وبعد ،،،
تمر الأمة الإسلامية هذه الأيام بحدث عظيم يرجع إلى الأمم الماضية، وهو يوم
عاشوراء ، فأحببت في هذه العجالة أن أذكر أهم الوقفات من وجهة نظري، والتي
استنبطتها من السنة النبوية تجاه هذا اليوم :
1 ـ يوم عاشوراء حدث تأريخي في حياة البشرية ،
ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، ولذلك كانت حتى الأمة الجاهلية تصومه،
كما قالت عائشة _رضي الله عنها_: " أن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في
الجاهلية " متفق عليه .
بل حتى الأمة الكتابية كانت تصوم هذا اليوم، وتتخذه عيداً كما ثبت في
الصحيحين .
2 ـ يوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان بعضهم
البعض ولو اختلفت الأنساب واللغات بل والأزمنة ، فأصله ارتبط بموسى ومن معه
من المؤمنين ، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان .
3 ـ يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة
الهم ، فبصيامه يتذكر الإنسان ذلك الحدث التأريخي الذي مر على إخوانه في
الدين مع موسى _عليه السلام_ من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر .
4 ـ يوم عاشوراء يدل على أن الأنبياء بعضهم
أولى ببعض كما في رواية " أنا أولى بموسى منكم " .
وهذه الولاية لاتحادهم في الدين والرسالة .
5 ـ صيام يوم عاشوراء يدل أن هذه الأمة أولى
بأنبياء الأمم السابقة من قومهم الذين كذبوهم ، ويدل لذلك رواية الصحيحين "
أنتم أحق بموسى منهم " .
وهذا من مميزات الأمة المحمدية عند الله، ولذلك يكونون شهداء على تبليغ
الأنبياء دينهم يوم القيامة .
6 ـ يوم عاشوراء يربي المسلم على أخوة الدين
فقط، ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_: " أنتم أحق بموسى منهم " وما ذلك إلا
لرابطة الدين التي بيننا، و إلا فإن أهل الكتاب أقرب لموسى _عليه السلام_ من
حيث النسب .
7 ـ يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بنصرة
الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس كل سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها .
8 ـ يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة
الله لأعدائه ، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل .
9 ـ يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة
للمسلمين ، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم ، بل
أحياناً يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى
_عليه السلام، وكما حدث مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الخندق .
10 ـ يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي
المشركين حتى في العبادة ، ويدل لهذه المخالفة ما يلي :
أ ـ لما قيل للنبي _صلى الله عليه وسلم_: " إن اليهود والنصارى أتخذوه عيداً،
قال : صوموه أنتم " .
ب ـ أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن يصام يوم قبله أو يوم بعده " رواه
أحمد في المسند وفيه مقال .
11 ـ من تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له
أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر متقرر عند الصحابة ، ويدل لذلك أنهم لما
علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله _صلى الله عليه
وسلم_، فقالوا " إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم " فكأنهم قالوا : أنت
يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى ، وهم الآن يصومون، فكيف
نخالفهم؟ .
12 ـ يوم عاشوراء دليل على أن اتخاذ المناسبات
أعياداً عادة لليهود خاصة منذ القديم ، ولذلك اتخذوا يوم عاشوراء عيداً كما
في حديث أبي موسى _رضي الله عنه_ قال : " كان أهل خيبر يصومون عاشوراء
ويتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم " رواه مسلم .
وأما هذه الأمة فجعل الله لها عيدين لا ثالث لهما .
13 ـ يوم عاشوراء دليل على التناقض في حياة
اليهود والنصارى، حيث كانوا يحرصون على صيام عاشوراء وهو ليس بواجب حتى في
ملتهم، وإنما إقتداء بموسى _عليه السلام_ وتركوا مع ذلك أهم المهمات فيما
يتعلق بأصل الدين وعبادة الله واتباع رسوله _صلى الله عليه وسلم_ .
14 ـ يوم عاشوراء دليل على أن الواجبات في
الشريعة لا يعدلها شيء من حيث الفضل والمنزلة ، ولذلك لما شرع الله لهذه
الأمة صيام رمضان جعل الأمر في يوم عاشوراء اختيارياً ، ولذلك قال _صلى الله
عليه وسلم_ في الحديث القدسي " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته
عليه " متفق عليه .
15 ـ يوم عاشوراء دليل على أن النوافل بعضها
فوق بعض ، وبيان ذلك :
أن من صام عرفة كفر عنه سنة قبله وسنة بعده .
ومن صام يوم عاشوراء كفر عنه سنة قبله .
فالمؤمن يسعى للأفضل والأكمل .
16 ـ صيام يوم عاشوراء دليل على يسر الشريعة،
ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_: " فمن شاء أن يصومه فليصمه ، ومن شاء أن
يترك فليتركه " متفق عليه .
17 ـ صيام يوم عاشوراء دليل على عظم كرم الله
_سبحانه_ ، وأنه يعطي الجزاء الأوفي على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام
يوم واحد .
18 ـ صيام يوم عاشوراء دليل على إثبات النسخ في
شريعة هذه الأمة المحمدية قبل وفاة النبي _صلى الله عليه وسلم_ ، وذلك لأنه
كان واجباً ثم نسخ إلى الاستحباب .
19 ـ إثبات النسخ في صيام يوم عاشوراء أو غيره
من الأحكام دليل على حكمة الله _سبحانه وتعالى_ ، وأنه _سبحانه_ يمحو ما يشاء
ويثبت ، ويخلق ما يشاء ويختار .
20 ـ صيام يوم عاشوراء دليل على أن الشكر يكون
بالفعل كما هو بالقول حتى عند الأمم السابقة ، فقد صامه موسى _عليه السلام_
شكراً لربه _سبحانه_ ، وهذا منهج الأنبياء كما فعل داود _عليه السلام_
وختاماً بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ في صلاته بالليل، فلما سئل عنها قال :
أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه .
21 ـ من تأمل الأحاديث تبين له أنه لا ينكر على
من تركه ، فقد كان ابن عمر _رضي الله عنهما_ يترك صيامه إلا إن وافق عادته في
الصيام " رواه البخاري .
ومع ذلك لم ينكر عليه بقية الصحابة _رضي الله عنهم_ .
22 ـ صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب
المسابقة والتنافس في الخيرات، فقد دل النبي _صلى الله عليه وسلم_ على فضل
عاشوراء ثم ترك الأمر راجع إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع
غيره .
23 ـ صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلاف
الأفعال مع عدم إنكارهم على بعضهم البعض ما دام أن الأمر فيه مندوحة في
الاختلاف ، ولذلك كان بعض الصحابة يصومه والبعض لا يصومه، ولم ينقل تخطئة
بعضهم البعض أو اتهام بنقص الإيمان أو غيره .
24 ـ صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الاستجابة لله
ولرسوله _صلى الله عليه وسلم_ في الأوامر، فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة
_رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ بعث رجلاً ينادي في الناس يوم
عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم ، ومن لم يأكل فلا يأكل " .
فاستجاب الناس لذلك ولم يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل ، وعلى هذا يجب أن
يكون سلوك المسلم في تطبيقه أوامر الله .
25 ـ كان الصحابة _رضي الله عنهم_ يربون
صبيانهم على صيامه كما في حديث الربيع بنت معوذ _رضي الله عنها_ قالت : "
فكنا نصومه ونصوم صبياننا " متفق عليه .
26 ـ في تعويد الصحابة _رضي الله عنهم_ صبيانهم
على صيام يوم عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع
حتى عند غير المكلفين حتى يتربى لديهم الانتماء لهذا الدين وأهله .
27 ـ التربية الجادة على التحمل والصبر ، ولذلك
كان الصحابة _رضي الله عنهم_ يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت
معوذ _رضي الله عنها_ : " فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن
" متفق عليه .
28 ـ يوم عاشوراء دليل علة قبول خبر أهل الكتاب
ما لم ينفه شرعنا ، ويدل لذلك أن يوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى من
الغرق إنما هو خبر أهل الكتاب ، ويحتمل أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أوحي
إليه يصدقهم ، وفي ذلك من العدل حتى مع الأعداء ما لا يخفى .
29 ـ نحن أحق بموسى _عليه السلام_ من أهل
الكتاب الذين كذبوه من عدة أوجه :
1 ـ أننا صدقنا به وآمنا به ولو لم نره ، بخلاف من كذبه من قومه .
2 ـ أنه دعا لتوحيد الله كما دعا إليه نبينا ، بل لا يختلف عنه شيئاً في هذه
الجهة .
3 ـ أننا نشهد أنه بلغ دين الله وأدى حق الرسالة .
4 ـ أننا لا نؤذيه _عليه السلام_ بسب أو قدح ، بخلاف من قال موسى آدر " يا
أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا " .
5 ـ أننا نشهد أنه لو كان حياً زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لما وسعه إلا
إتباع النبي_صلى الله عليه وسلم_ .
6 ـ أننا نؤمن بما جاء به _عليه السلام_ في باب العقيدة ولو لم نقرؤه أو نطلع
عليه .
7 ـ أن نشهد أن كل من كان من أمته ولم يتبع النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن
موسى _عليه السلام_ منه براء .
8 ـ أن الذي جاء به النبي _صلى الله عليه وسلم_، والذي جاء به موسى _عليه
السلام_ يخرج من مشكاة واحدة كما قال النجاشي " متفق عليه .
هذه بعض الفوائد والوقفات أسأل الله أن ينفعنا بها ، وأن يتولانا بحفظه ، وأن
ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه _صلى الله عليه وسلم_ .
المصدر : موقع المسلم