|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، أما بعد:
يوم عرفة من أعظم أيام الدنيا،
وهو يوم من أيام الله العظيمة، وله الكثير من الفضائل، وإليك بعضها.
من فضائل يوم عرفة ما يلي:
(1) ــ أنه أفضل الأيام:
عن جابر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول
الله ﷺ قال:((...مَا
مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ
اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ
أَهْلَ السَّمَاءِ...))
([1]).
(2) ــ أنه يوم إكمال الدِّين، وإتمام النِّعمة:
ففي الصحيحين عَنْ طَارِقِ بْنِ
شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ:
يَا أَمِيرَ الـمُـؤْمِنِينَ،
لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ
الآيَةُ:﴿اليَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِينًا﴾{المائدة:3}
لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ
اليَوْمَ عِيدًا، فَقَالَ عُمَرُ:((
إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ
عَرَفَةَ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ))
([2]).
وفي رواية:
فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-:(( إِنِّي
لَأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ، وَأَيَّ يَوْمٍ أُنْزِلَتْ،وَأَيْنَ رَسُولُ
اللهِ ﷺ حَيْثُ أُنْزِلَتْ،أُنْزِلَتْ بِعَرَفَةَ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ
وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ )) ([3]).
(3) ــ أنه يوم
عيد لأهل الموقف:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:((
إنَّ يومَ عرفةَ ويومَ النَّحرِ وأيَّامَ التَّشريقِ عيدُنا
أَهْلَ
الإسلامِ، وَهيَ أيَّامُ أَكْلٍ وشربٍ ))
([4]).
(4) ــ أنه يوم أقسم الله -تعالى- به في أكثر من موضع:
والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، وإليك بيان المواضع التي أقسم الله فيها به:
الموضع الأول:
قال الله -تعالى-:﴿وَٱلسَّمَاۤءِ
ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ وَشَاهِدࣲ وَمَشۡهُودࣲ﴾{البروج:3}.
على وجه من وجوه التفسير
([5]):
(المشهود) هو يوم عرفة.
برهان ذلك:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال
رسول الله ﷺ:((
اليَوْمُ المَوْعُودُ: يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ المَشْهُودُ: يَوْمُ
عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الجُمُعَةِ ))
([6]).
وقد ثبت هذا التأويل عن: على بن أبي
طالب، وعن أبي هريرة -رضي الله عنهما-
([7]).
وهو قول أكثر أهل التفسير
([8]).
الموضع الثاني:
أقسم الله به في مطلع سورة الفجر.
قال الله -تبارك وتعالى-:﴿وَٱلۡفَجۡرِ
وَلَیَالٍ عَشۡرࣲ وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ﴾{الفجر:3}.
على وجه من وجوه التفسير
([9])،
الشفع: يوم النحر،
والوتر: يوم عرفة.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-:
((
الشَّفْع: يَوْم النَّحْر، وَالوَتْر: يَوْم عَرَفَة ))
([10]).
وهو مرويٌّ عن عكرمة
([11])،
والضحاك
([12]).
(5) ــ أن صيامه يُكفِّر سنتين:
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ
عَرَفَةَ، فَقَالَ:
(( يُكَفِّرُ
السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ ))
([13]).
وهذا إنما يُستحب
لغير الحاج، أما الحاج: فلا يُسن له صيام يوم عرفة -وهذا قول الجمهور- لأن
النبي ﷺ ترك صومه؛ ولأنه يُضْعِف الحاج عن الدعاء بعرفة والاجتهاد في
الدعاء.
(6) ــ أنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:((
أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ،
فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ
يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا ))
قَالَ:﴿أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ
آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ
أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾
{الأعراف: 173} ))
([14]).
فما أعظمه من يوم!
وما أعظمه من ميثاق!
(7) ــ أنه يوم مغفرة الذنوب، والعتق من النار، والمباهاة
بأهل الموقف:
عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
(( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ
النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي
بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ))
([15]).
وزاد رزين في جامعه:
(( اشهَدُوا يَا
مَلائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرتُ لَهُم ))
([16]).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ:((
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ
بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا
غُبْرًا )) ([17]).
عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:((
إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ
لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا ))
([18]).
(8) ــ فيه ركن الحج العظيم:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ
-رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَهُوَ وَاقِفٌ
بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ:((
الْحَجُّ عَرَفَةُ )) ([19]).
وفي رواية:((
الْحَجُّ عَرَفَاتٌ، الْحَجُّ عَرَفَاتٌ، الْحَجُّ عَرَفَاتٌ.....))
([20]).
(9) ــ وهو يوم استجابة دعاء:
يُسنُّ في يوم عرفة الإكثار من
الدُّعاء، وإظهار الحاجة لله -تعالى-؛ فمن آداب الدُّعاء التي يُرجى
بالتزامِها استجابتُه: أن يدعو المسلم في الأزمنة الشَّريفة كيوم عرفة،
وممَّا جاء في فضل دُعاء يوم عرفة:
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:((
خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا
وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي:لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ )) ([21]).
وفي رواية:((
أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا
وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ
شَرِيكَ لَهُ.....)) ([22]).
وهو عامٌّ لجميع النَّاس؛ سواءً أكان
حاجًّا أو غير حاجٍّ.
- فضلًا عن كونه من
الأيام العشر، بل هو من أفضلها -على قول-، حتى اختلفوا في تفضيله على يوم
النحر
([23]).
سؤال: ولماذا سمي عرفة بهذا الاسم؟
الجواب:
قيل:
أن يوم عرفة سمى بهذا الاسم؛ لأن الناس يتعارفون فيه.
وقيل:
لوقوف الناس بعرفة.
وقيل:
لأن الخلق يعترفون فيه بذنوبهم.
وقيل:
لأنَّ آدم وحواء عندما هبطا من الجنة التقيا فيه فعرفها وعرفته.
وقيل:
لأن
جبريل
-عليه السلام- طاف بالنبي إبراهيم ﷺ فكان يريه مشاهد ومناسك الحج فيقول له:
«أعرفت أعرفت؟» فيقول إبراهيم: «عرفت عرفت» ولهذا سميت عرفة.
وقيل:
بأن الكلمة مأخوذة من العَرْف وهو الطيب؛ كونها مُقدَّسة.
وقيل:
وذلك أنّ إبراهيم (عليه السلام) رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له: إنّ
الله يأمرك بذبح ابنك هذا. فلما أصبح روّى في نفسه- أي فكّر- من الصباح إلى
الرواح أمن الله هذا الحكم أو من الشيطان؟ فمن ثم سمّي يوم التروية. فلما
أمسى رأى في المنام ثانيا ما رآه من ذبح الولد، فلما أصبح عرف أنّ ذلك
الحكم من الله، فمن ثم سمّي يوم عرفة
([24]).