|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله
الطيبين الطاهرين وبعد :
فإن الله تعالى قد جعل هذه الدنيا محل اختبار ، والآخرة هي دار القرار ،
فيها يكون المصير إما الى جنة وإما إلى نار . ولما كانت الآخرة هي حصاد لما
يقدمه العبد في الدنيا فقد أوصى الله تعالى عباده بالمبادرة والمسارعة في
الأعمال الصالحة بقوله : ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
. وقد ادرك أقوام هذه الحقيقة فسارعوا إلى فعل الطاعات ، ولم يترددوا في
ترك المعاصي والمنكرات ، حالهم حال المتنافسين في ميدان السباق يبذلون كل
جهودهم ويغتنمون كل لحظاتهم ليدركوا الدرجات العلى عند ملكهم ومولاهم .
غدا توفى النفوس ما كسبت *** و يحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
وحين ينظر العبد إلى الدنيا بهذا المنظار فإنه لايُفتح له
باب من أبواب الخير إلا ولجه ، ولاحظٌ من عبادة أو طاعة إلا فعلها دون
تسويف أو تأخير لأن حاله حال الذي ينتظر نهاية الدنيا في أية لحظة .
هاهو نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة يعلمنا أن نكون مبادرين
الى مرضاة الله تبارك وتعالى ، كما في الحديث الذي يرويه عُقبةَ بن الحارث
رضي الله عنه يقول : صَلَّيتُ وَرَاءَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم
بالمَدِينَةِ العَصْرَ ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعاً ، فَتَخَطَّى
رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ
سُرْعَتِهِ ، فَخَرَجَ عَلَيهمْ ، فَرأى أنَّهمْ قَدْ عَجبُوا مِنْ
سُرعَتهِ ، قَالَ : « ذَكَرتُ شَيئاً مِنْ تِبرٍ عِندَنَا فَكَرِهتُ أنْ
يَحْبِسَنِي فَأمَرتُ بِقِسْمَتِهِ » . رواه البخاري . وفي رواية لَهُ : «
كُنتُ خَلَّفتُ في البَيْتِ تِبراً مِنَ الصَّدَقةِ فَكَرِهتُ أنْ
أُبَيِّتَهُ » . « التِّبْرُ »: قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ .
وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه : أن رَسُول الله صلى الله
عليه وسلم ، قَالَ : « بادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً ، هَلْ
تَنْتَظِرُونَ إلا فَقراً مُنسياً ، أَوْ غِنىً مُطغِياً ، أَوْ مَرَضاً
مُفسِداً ، أَوْ هَرَماً مُفْنداً ، أَوْ مَوتاً مُجْهزاً ، أَوْ
الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ فالسَّاعَةُ
أدهَى وَأَمَرُّ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن ) .
قدِّم لنفسك قبل موتك صالحاً **** واعمل فليس إلى الخلود
سبيل
إخواني وأخواتي الأعزاء :
هانحن نقف على أعتاب العشر الأوائل من ذي الحجة ، وهي ميدان يتنافس فيه
المتنافسون بالأعما ل الصالحة ، لأنها خير الأيام عند الله تبارك وتعالى ،
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أفضل أيام الدنيا أيام العشر ) [رواه البزار] . والعمل الصالح فيها أحب
إلى الله تعالى من غيرها فعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني
أيام العشر - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا
الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» [روأبوداود
] . فشمِّروا عن ساعد الجد وبادروا بالأعمال الصالحة فاننا لاندري متى تغلق
الأبواب .
سابق إلى الخير وبادر به **** فإنما خلفك ماتعلم
وقدم الخير فكل أمرىء **** على الذي قدَّمه يقدُم
أسأل الله تعالى أن يبلغنا هذه العشر وأن يوقفنا فيها للعمل الصالح ، وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
د.عبدالحكيم خريسات
abedkhrisat@yahoo.com