|
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أظنّ
أن التاريخ البشري شهد قضية مثل قضية فلسطين ، وما تحمل من ظلم وعدوان كبير
، واستكبار في الأرض من المجرمين ، وفساد في الأرض واسع ، وما تحمل في
الوقت نفسه من هوان المسلمين وتخاذلهم وتفرّقهم :
أمـة الحقِّ ! ما دهاك فأصبحـتِ --- شظـايـا تنـاثـرت في
النجـادِ
كُلّما رُمْتِ مُلْتقىً كنـتِ في السـا --- حـةِ أَوهى من حفنـةٍ من رمـادِ
*** ***
يا ديـار الإسـلام ! مالك أَصْبحـ --- ـتِ شتـات الأهـواء
والأنجـادِ
كيف مُزِّقْتِ ؟! كنتِ عهداً مع اللـ --- ــه وجمع القلـوب والأعضـاء
كُنْتِ عزْمـاً لنُصْـرَة الله ساحـاً --- وربـى مـن مـلاحـمٍ وجهـادِ
كُنْـتِ ظـلاَّ مـن الهجيـر نديّـاً --- ومــلاذاً لـخـائـفٍ وشِـرادِ
كُنْـتِ أمـنـاً للخائفيـن وعونـاً --- لـضـعـافٍ وعـزَّةً لـجـوادِ
كُنْتِ نـوراً على البسيطـةِ مُمْتـ --- ـدّاً وهديـاً مع الليالـي
الشِّـدادِ
كيف ضاعت منكِ الأماني فأصبحـ --- ــتِ غُثـاءَ الهـوانِ والأحقـادِ
أطْبَـقَ المجرمـون فـوْقَ ربانـا --- واستباحـوا الحِمى وساحَ البـلادِ
ليست
القضيةُ كبرَ الأعداء وشديد عدوانهم وإجرامهم فحسب ، ولكنها في الدرجة
الأولى هواننا نحن المسلمين وتراجعنا عن رسالة الإسلام ، وعدم وفائنا
بعهدنا مع الله ، وهو عهد مفصّلٌ بيِّن في الكتاب والسنة ، مؤكَّد مع جميع
الأنبياء والمرسلين والمؤمنين المسلمين الذين اتَّبعوهم على دين واحد هو
دين الله ، دين الإسلام .
وأكثرنا في شعاراتنا لوم الأعداء ولومهم ومجابهتم حقٌ ، ولكننا لم ننظر في
أنفسنا ، كأننا نريد من أعداء الله أن يُشْفِقُوا علينا ونحن متفلّتون ،
غير مستمسكين بدين الله ! ولم نعد كالذين وصفهم الله فقال عنهم :
( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا
نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) [ الأعراف :170]
شغلنا أنفسنا باتهام الأعداء ومثالبهم ، ولم نلتفت لأنفسنا وأخطائنا
وانحرافاتنا ، ولم نبذل الجهد لإعداد القوّة التي تحمى الديار ، ولا الجهد
لبناء الأُمة المسلمة الواحدة صفاً كالبنيان المرصوص .
بعد هذا التاريخ الطويل نسبياً لقضية فلسطين لا يُعقل أن يكون الحديث
استعراض الأحداث ، فقد كُتِبَ عنها الكثير الكثير . ولكننا نريد أن نخرج
بالفهم السليم والوعي الصحيح للأحداث ، لنحدّد الصواب والخطأ على ميزان
حقٍّ ، ونرسم الدرب والأهداف على صراط مستقيم .
وأول ما نذكر به أنفسنا والدرس الذي يجب أن نتعلمه هو أن مع وجوب دراسة
الأعداء ومعرفة أساليبهم وجرائمهم والتنديد بها ، يجب في الوقت نفسه أن لا
ننزّه أنفسنا عن الخطأ ، ويجب أن ننصح أنفسنا بصدق وصراحة وأمانة :
مالـي ألـوم عدوّي كلما نزلـتْ *** بي المصائـب أو أرميـه
بالتُّهـمُ
وأدّعـي أبداً أني البـريء ومـا *** حملتُ في النفس إلا سقطة اللَّمَـمِ
أنـا الملـومُ فعهـدُ الله أحملُـهُ *** وليـس يحمله غيري من الأمـمِ
ويجب أن نتذكر بأن كل ما يجري في هذا الكون يمضي على قضاء من الله نافذ
وقدر غالب وحكمة بالغة وسنن لله ماضية ، وعدل قائم لا ظلم معه أبداً .
ولنستمع إلى قوله سبحانه وتعالى :
( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) [ الشورى :30]
فأعتقد أن الخلل فينا نحن المسلمين ، وأنه خلل ظاهر للعيان ، فهل نتوب ونؤوب
ونعود إلى الله صادقين !
في مسيرتنا خلال هذه السنوات برزت مظاهر واضحة
نوجزها بما يلي :
1. غلبة الضجيج والشعارات والمظاهرات
والارتجال ، وغياب الرَّوِيَّة والتفكير ، وغياب التناصح .
2. غياب الدراسات المنهجيّة العميقة التي
تحمل الأهداف وتحدّدها بصورة واضحة على أن تكون الأهداف ربانيّة ، وتكون
الدراسات إيمانيّة ملتزمة بالكتاب والسنة ، إلا القليل ! .
3. على أساس من الروية والتفكير ، وصدق
التناصح ، والدراسات المنهجية الإيمانية ، والأهداف الربانية ، كان يجبُ أن
توضع خُطّة العمل والمسيرة لتحقيق الأهداف الربانيّة ، والتي من أولها
وأهمها بناء الأمة المسلمة الواحدة صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص ، الأمة
التي تتابع المسيرة لتحقيق باقي الأهداف عبادة لله وطاعة له .
أعداؤنا لا يعملون ارتجالاً ، وإنما يضعون خطة تحدّد لهم الأهداف الإجرامية
والوسائل والأساليب والمراحل على ضوء الإِمكانات التي يطورونها والقوى التي
يزيدونها . ولنأخذ مثلاً عملياً : فقد كان عدد اليهود في فلسطين سنة 1944م
بحدود 528.702 ، وكان عدد المسلمين في الوقت نفسه في فلسطين 1.061.277 .
واليوم أقام اليهود لهم دولة أصبح عدد سكانها سبعة ملايين نسمة من اليهود
والعرب . والعرب يبلغ عددهم 1.13 مليون نسمة .
كيف استطاع اليهود بناء دولتهم بالمكر والخداع ، وبناء القوة ، وجمع
الأنصار على مستوى دولي خلال فترة ليست بالقصيرة . وكوّنوا لهم صفّاً من
القوى الدولية لا يتنازل عن دولتهم ، صفاً متراصّاً ! كيف أمكن لهم أن
يقيموا دولتهم وسط بحر محيط من المسلمين ؟ أين كان المسلمون ؟!
وفي المقابل تمزّق المسلمون شيعاً وأحزاباً ، وأصبحت قضية فلسطين تنتقل من
مرحلة إلى مرحلة : من قضية إِسلامية ، إِلى قضيّة عربيّة عُزِل عنها العالم
الإسلامي ، إلى قضية فلسطينية ، عُزِلَ عنها العرب والمسلمون . ونرى هنا
المفارقة الكبيرة : اليهود يجمعون حشودهم وصفوفهم وقواهم والقوى المؤيدة
لهم ، ونحن نعزل قوانا واحدة واحدة ، تحت شعارات مختلفة .
أُولئك لم يلجـؤوا إِلى الله ، ولم يضعوا نهجهم إلا على أسس شيطانيّة
ماديّة ، ولكنهم على هذا الأساس فكّروا ودرسوا وخططوا !
ونحن لم نلجأ إلى الله ، ولم نضع نهجاً ولا خُطّةً ، ولا جمعنا صفّاً ... !
فكيف يأتي النصر ، وكيف نسترجع الديار ونحررها ؟! والله قد فتح السموات
والأرض لكل من يريد أن يعمل !
ربما ظن بعضنا أنه لو لجأ إلى هذه الدولة أو تلك ، واستمدّ منها السلاح
والمال ، تحت نفس الأُسلوب : ضجيج الشعارات وغياب النهج والخطة ، والانتقال
من فتنة إلى فتنة ، وانقسام الصفوف ، وزيادة انقسامها ، معتمدين على هذه
الدولة أو تلك ، التي لم تمدّهم بصدق الإيمان وحسن اللجوء إلى الله ، ولم
تمدّهم بخطة أو نهج إلا لإثارة الفتنة هنا وهناك ، ربما ظنّوا أن هذا قد
يقودهم إلى النصر ! كـلا ! ربَّما يوفّر لهم ساحات إعلامية يظهرون بها ،
ومتعاً يستمتعون بها ، وإن كلّ ذلك إلا مرحلة عابرة إلى حسرة طويلة .
لا خلاف أن على المسلمين أن يستيقظوا ويفيقوا من غفوتهم وسباتهم ، وأن لا
يُخْدَعوا بالشعارات التي تُخدّر ! وأن يعرفوا مسؤولياتهم التي سيحاسَبون
عليها بين يـدي الله ، ومسؤولياتهم التي كلّفهم الله بها فتخلّوا عنها ،
وتفرَّقوا شيعاً وأحزاباً ، كل حزب بما لديه فرحون ، والله يقول :
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران
:105]
والقضية الأخرى التي يجب أن نعيها اليوم ، أن القضيّة لم تعد قضيّة فلسطين
، إنها أصبحت قضية العالم الإسلامي كله . إنها كانت كذلك منذ البداية . إن
المجرمين في الأرض أدركوا بعد تجربة طويلة لهم مع الإسلام ، أنه لا يمكن
التفاهم مع هذا الدين لتأمين أطماعهم وعدوانهم وظلمهم . أدركوا أنه دين حق
لا يقبل المساومة على الحق . فلم يعد أمامهم من مجال كي يُؤَمِّنُوا إِشباع
أطماعهم ونهب خيرات الشعوب ، بعد أن سدَّ الإسلام أمامهم كل سبل العدوان
والظلم والنهب ، إلا أن يُزيحوا الإسلام من طريقهم ليخلوَ لهم طريق الظلم
والنهب والعدوان والإفساد في الأرض . إنهم يعبدون أطماعهم الظالمة
الإجرامية ، ولا يؤمنون بدين إلا أن يستغلُّوه لتوفير أطماعهم التي
يعبدونها من دون الله .
فجمعوا كلّ تجاربهم مع الإسلام ابتداء من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى
معركة الأحزاب وسائر معـارك الإسلام في تاريخه الطويل ، والحروب الصليبية
وغيرها ، فوضعوا على أساس ذلك خطتهم المفصّلة ونهجهم الطويل ، لتدمير
العالم الإسلامي ، لِيَشُقُّوا طريقهم إلى كل الخيرات والثروات والكنوز .
وما تركوا وسيلة من وسائل الإفساد والفتنة والانحرافات الفكرية ، وتوهين
اللغة العربية ، وإبعاد المسلمين عن الكتاب والسنة ، وغرس الفرقة بينهم ،
ونشر الحزبية لتمزّق الأمة أو تزيد في تمزيقها ما تركوا من ذلك شيئاً إلا
فعلوه بتعاون تام بينهم وتنسيق كامل .
ففُتِح العالم الإسلامي أمامهم وفتحت القلوب ، فضربوا ضربتهم الكبيرة
بإنهاء الخلافة الإسلامية واحتلال معظم العالم الإسلامي من شمال أفريقيا
إلى بلاد الشام والعراق إلى الهند وباكستان والسودان وغيرها ، وتمزيقها
إرباً إرباً .
وكانت إقامة دولة لليهود في فلسطين جزءاً رئيساً في هذا المخطط الإجرامي
الكبير ، لتكون دولة اليهود قاعدة رئيسة في عدوانهم المستمر على العالم
الإسلامي . ولذلك نجد أن جميع الدول الغربية أمريكا وأوروبا وروسيا
واليابان والصين واستراليا وغيرها تدعم دولة اليهود دعماً مكشوفاً معلناً ،
دعماً غير عاديٍّ ، يُمثِّل دعم صفّ متماسك متساند في دعم دولة اليهود ،
صورة فريدة لا تجد لها مثيلاً في التاريخ أبدا .
هذه حقيقة رئيسة يجب أن ندركها بعد هذه السنين الطويلة . وهذه الدولة
اليهودية ، هي القاعدة الرئيسة للتخطيط والانطلاق للمضي في تدمير العالم
الإسلامي شيئاً فشيئاً . ونرى اليوم كيف أن قاعدة التدمير ماضية تتسع
وتمتدّ من بلد إلى بلد في نجاح متقطع النظير . ونرى كذلك أن بعض أبناء
الإسلام أنفسهم أصبحوا عنصراً رئيساً في تنفيذ هذه المخططات الإجرامية ،
ويتولّى قَتْلَ إخوانه وأبناء شعبه . ونرى كذلك كيف أن بعض الناس أصبحوا
يُشترون بثمن بخس ، وبعمالة قذرة مكشوفة دون حياء .
انظر ماذا يجري في السودان والصومال وتشاد وفلسطين ولبنان وسوريا واليمن
وأفغانستان وباكستان والعـراق وسائر أنحاء العالم الإسلامي : صراع ممتد ،
ومجازر فوارة ، وفواجع ونكبات ، آخذة بالاتساع .
والحقيقة الأخرى التي تنكشف لنا أن خيوط القضية ، قضية فلسطين ، كلها بيد
الدول الكبرى التي تحرّك القوى العاملة كما تشاء ، بالاستدراج أو الإرهاب
أو الإقناع ، أو أي وسيلة أخرى . وقد يبدو لنا موقف يضجُّ بالوطنية
والشعارات المدوّية ، وفي حقيقة الأمر يكون الموقف نتيجة توجيه قوى أخرى هي
التي تمدّ هذا الموقف بالمال والإعلام والدعم والتأييد ، مما يزيد الأمة
تمزيقاً ، كل فريق ينعق بما يُملى عليه ، متخفياً تحت شعار الوطنية أو
الديمقراطية أو العلمانية ، أو المصلحة العامة . أَّما الإسلام ، حتى من
حيث الشعار ، بدأ يختفي شيئاً فشيئاً ، حتى صدق فيهم قوله سبحانه وتعالى :
( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) [المؤمنون :53]
والحقيقة الأخرى أنه لم يعد بالإمكان عزل قضية فلسطين عن سائر قضايا
العالم الإسلامي في ذلّه وهوانه ، ومشكلاته وصراعه ، وتمزّقه وهوانه ،
فبالنسبة للمجرمين هي قضية واحدة ، أما بالنسبة للمسلمين ، فقد شغل كل
فريقٍ بمشكلته مما أوهن الجميع !
والحقيقة الأخرى كذلك أنه عمَّ في العالم الإسلامي النزعات
الإقليمية والعائلية والقومية والحزبية ، وجميع أشكال العصبيات الجاهلية
التي أصبحت هي التي توجّه الأدب والكلمة والسياسة والاقتصاد ، والتربية
والتعليم .
لقد مرّت قضية فلسطين خلال هذه السنوات الطويلة : الستين عاماً أو الأربعة
وتسعين عاماً ، بمراحل متعدّدة ، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن ، وَهنٌ عام
طاغ بين المسلمين ، وتفرّق جاهلي مسيطر أهْلَكَ العقول والنفوس ، والصراع
ممتدٌّ بين الفلسطينيين أنفسهم ، الصراع الذي لا يجد فرصة لقاء أو تفاهم ،
لأن كل فريق اتخذ أسساً وقواعد ثابتة لديه تختلف عما لدى الآخر ، وتبادل
الاتهامات والسباب أبعد كل فرصة للتّفاهم .
وإننا نلمس التناقض الشديد في التصريحات والمواقف . فحين يصدر في وسائل
الإعلام شدة الاتهامات بالخيانة ، نسمع في الوقت نفسه الدعوة إلى الوحدة
الوطنية والتلاقي . والأعجب من ذلك أن الجميع يتصلون بأمريكا وأوروبا
وغيرهما للتفاهم والتفاوض سرّاً ، وآخـرون يجرون ذلك علناً ونهجاً معلناً !
ولكن الضربة الشديدة إلى قضية فلسطين هو التنازل العمليُّ والحقيقيّ ، بغضّ
النظر عن الشعارات الإعلامية ، مثل تحرير فلسطين كلها ، ويتستَّر بعضهم في
عجزهم وفشلهم في تحقيق شعار التحرير الذي انطلقوا به جميعاً ، خلف ادعاء
الهدنة الطويلة المدى ، أسلوب لا يصلح في ميدان السياسة الدولية ، أُسلوب
مكشوف يعلن العجز والاستسلام ويخدم الأَعداء ! كأنما كان شعار تحرير فلسطين
كلها من الشمال إلى الجنوب ، ومن الشرق إلى الغرب شعاراً يهدف إلى جمع
الأنصار والمؤيّدين في سوق التنافس والمزايدات على ذلك . وكأن العمليات
الفدائية التي دوّى بها الإعلام كانت كذلك وسيلة لجمع الأنصار ، وإثبات
الوجود في الساحة ، فمعظم العمليات لم تكن قـادرة على تحرير فلسطين ولا على
القضاء على إسرائيل ، ولا على إلقائها في البحر ! لم تكن هذه كلها إلا
مزايداتٍ وتنافساً على الدنيا ، لا يصاحبها نهجٌ واضح عملي ، ولا خطّة
مدروسة .
ولا نعتب على هؤلاء وهؤلاء الذين مضوا دون نهج ولا خطة فحسب ، ولكننا نعتب
ونأسى على واقع الأمة كلها ، الأمة التي لم يظهر منها أحد يخاطب هـؤلاء
وهـؤلاء ويسألهـم : أين نهجكم وخطتكـم لتحقيق الأهداف التي تُعلنونها
؟؟؟!!!
فلننظر إلى نتائج فترة قصيرة ، فترة الانتفاضة الأولى بكل شعاراتها ، وفترة
الانتفاضة الثانية بكل دويّها ، فماذا كان الجنى ؟! انتقلت دولة اليهود
خلال هذه المرحلة من مساحة 56% من أرض فلسطين حسب مقررات هيئة الأمم
المتحدة إلى ما يقارب اليوم من 90% من أرض فلسطين اليوم ! لقد انتقلت هذه
النقلة الكبيرة بالتدبير والنهج والتخطيط ، ونحن مع دويّ شعاراتنا رجعنا
إِلى الوراء !
بعد ستين عاماً منذ سنة 1948م ، نرى أن جميع الشعارات التي أُعلنتْ لم
تتحقّقْ ، وأن اليهود حقّقوا الكثير الكثير من أهدافهم المعلنة والمخفيّة !
ومن الخطأ الكبير أن نقول بعد " ستين عاماً " ! فقضية فلسطين كانت بدايتها
قبل ذلك بكثير . قد لا نستطيع تحديد نقطة البداية بالدقة ، ولكنه من المؤكد
أنها بدأت على الأقلّ مع ظهور أربع حركات أو إشارات :
أولاً : اهتمام كثير من الدول الأوروبية
بالحركة الصهيونية وعودة اليهود إلى فلسطين ، مثل انكلترا وفرنسا وغيرهما .
فبريطانيا من أقدم الدول التي أبدت اهتماماً واضحاً ونشاطاً جاداً في هذا
الاتجاه . فنجد " بالمرستون " يبذل مساعيه لدى السلطان العثماني لإعـادة
اليهود إلى فلسطين ، وذلك سنة 1840م . ولما فشل أصدر تعليماته لقناصل
انكلترا في الدولة العثمانية لحماية اليهود . ثم توالت الدول الأخرى .
وكذلك وعد نابليون بونابرت اليهود بإعادتهم إلى القدس وبناء هيكلهم ([1]) .
ثانياً : قيام المؤسسات والشركات الصهيونية :
الاتحاد الإسرائيلي العالمي ، الاتحاد اليهودي الإنجليزي ، جمعية محبيّ
صهيون ، جمعية الاستعمار اليهودي ، وهذه كلها في القرن التاسع عشر ([2]) .
ثالثاً : بناء أول مستعمرة لليهود في فلسطين
في غفلة كاملة من المسلمين : مستعمرة " بتاح تكفا " سنة 1878م ([3]) .
رابعاً : مؤتمر بال 1897م ، وقيام الوكالة
اليهودية لتشرف على حركة الاستيطان في فلسطـين . ويدعـم ذلك كله أغنياء
العالم من اليهود وما أكثرهم ([4]) .
الذي يهمنا من هذا الموجز أن اليهود كانوا يعملون على نهج وخطة لا ارتجال
فيها ، ويخوضون في الوقت نفسه ميادين : الاقتصاد ، الإعلام ، السياسة
والعلاقات الدولية ، بناء القوة العسكرية الحقيقية .
إننا حين يعلن بعضنا اليوم في وسائل الإعلام : فلسطين بعد ستين عاماً ،
يغفلون فترة واسعة من تاريخ قضية فلسطين . ويصحب هذا الإعلان : " فلسطين
بعد ستين عاماً " و " المجازر مازالت ممتدة " ! والأولى أن يقول إِنه بعد
مضي أكثر من مائة وستين عاماً واليهود يعملون ويبذلون ، والمسلمون في غفوة
كبيرة ، أو في تنافس على الدنيـا وزخرفها ، أو في صراعات بينهم أفقدتهم
كثيراً من قواهم .
فعسى أن يعود المسلمون اليوم ، ليستفيدوا من مراجعة مسيرة طويلة فيفكروا
ويؤمنوا وينهضـوا وينطلقوا إلى العمل المنهجي والتخطيط الإيماني العملي ،
عسى أن يرزقنا الله النصر إن عَلِم أن في قلوبنا الصدق .
كان اليهود وأعوانهم هدفٌ محدّد اجتمعوا عليه صفّاً واحداً ، وكان لهم
خطتهم المدروسة ، ولم يلجؤوا إلى وعود الشعارات ، ونحن تفرّقنا أهدافاً
وشعارات وأهواء ، لم تجمعنا قضية فلسطين .
وما بقي المسلمون ممزّقين على غير صدق مع الله ، فلا أظنّ أن الله يهبهم
النصر . فلله سنن ثابتة في هذه الحياة .
إذا لـم تقم في الأرض أمة أحمـد *** فكل الذي يجري في الساح
ضائـع
وحسبنا في هذه اللحظات أن نثير هذه النقاط التي نراها رئيسة في قضية فلسطين !
مع أن هنالك قضايا كثيرة تستحق الوقوف عندها ، وتأخذ مجلدات ومجلدات لا
مجال لها في هذه العجالة .
الموقع : www.alnahwi.com
البريد الإلكتروني :info@alnahwi.com
------------------------------------
(1) تراجع الكتب التالية للمؤلف : ملحمة فلسطين ، على أبواب القدس ، ملحمة
الأقصى ، ملحمة الإسلام من فلسطين ، فلسطين بين المنهاج الرباني والواقع ،
ملحمة التاريخ .
(2) المرجع السابق .
(3) المرجع السابق .
(4) المرجع السابق .