|
غياب عنصر التخطيط عن حياتنا في جميع اتجاهاتها هو من أبرز عناصر الفشل فيها ،
والبراءة من هذه العلة ليست عسيرة ، ولا تحتاج إلى طبيب ولا مهندس ، كل ما
تحتاجه التفاتة إلى ما يجب أن نفعله ، أو حتى ما نود أن نفعله ، فنجلس له ،
ونحدد الهدف منه بدقة ، ثم نخضع له كل قوانا من أجل التخطيط الذي قد يستغرق منا
زمنا .. هو به جدير ولا شك .
الإجازة بالنسبة للطلاب تحرر من قيود لا حدود لها ، وهي بالنسبة لكثير من
الآباء ( ورطة ) لا يعرفون التخلص منها .. !!
كانت الأنشطة اليومية مضبوطة بالأوقات ؛ النوم والأكل والصلاة واللعب والزيارات
.. كل له موعده الدقيق .. بينما في الإجازة .. تتحطم جميع الجدران بين هذه
الأنشطة ، وتنشأ عند كثير من الناس أنشطة جديدة ، كثير منها في إطار اللهو
واللعب والمرح والترفيه ، بحجة أن الإجازة لم تخصص إلا لذلك !!
وهنا يفترق الناس في كيفية قضاء الإجازة ، بافتراقهم في وضع الأهداف منها ، فمن
ارتضى الهدف المذكور آنفا ، فقد مفاتيح الزمن ، ولم يعد يعنيه ماذا يحرق فيه ،
أو ماذا يزرع ويستثمر ، ومن وضع للإجازة أهدافا عليا ، استطاع أن يديرها بإحكام
، وينجز ما ظن أنه غير قادر على إنجازه منها. فلنفترض أننا جميعا من القسم
الآخر ، فما أهداف الإجازة في نظرنا ؟
أقترح أن تكون ثلاثية الأهداف : الأول : الارتقاء بالنفس في معارج التهذيب ،
والثاني : اكتساب مهارات لها أهميتها في حياتنا العملية ، والثالث : الراحة
والاستجمام .
ولكل هدف يجب أن نضع برامج خاصة بنا ، وبرامج خاصة بأولادنا.
على أن تكون هذه البرامج ذات طبيعة مرنة ، تتمتع بالقدرة على الوصول إلى أكثر
من هدف ، أعني أنني يمكن أن أرسل ولدي إلى ناد صيفي تابع لوزارة التربية
والتعليم ؛ وأهدف من خلاله إلى تهذيب نفسه وأخلاقه ، وتعليمه عددا من المهارات
، والترفيه حاصل من خلال تواجده في بيئة مفتوحة نشطة ، غير مملة ، يجتمع فيها
مع أقرانه ، ويمارس بعض رغباته.
وحينما أقصد إلى شراء لعبة ما لابنتي .. لا بد أن أهدف من خلالها إلى هدفين :
الأول : تعليمها مهارة الدقة والذكاء ، والتنفيس عنها بجودة اللعبة وحسن مظهرها
، وقدرتها على الخروج بها عن إطار النمطية والجدية الدائمة ... وهكذا!
وإذا كان لا بد من السفر ، فليكن بعيدا عن البلدان التي يتخلع فيها الحياء ،
ويبتذل فيها الإنسان ، وتنتحر في لياليها الفضيلة ، وأتوجه إلى بلدان أجد فيها
متنفس روحي لأهذبها ، وميدان فكري وعقلي بالاطلاع على حضارتها ومعطياتها
المدنية والعلمية ، وأحس فيها بطعم الراحة التي أحرقتها شمس بلدي الحبيب ..
ولماذا البعد والجفاء .. ومكة والمدينة وأبها والطائف والباحة على مقربة منا ،
في منتجعاتها أجد كل أهدافي النبيلة من إجازة تمتد ثلاثة أشهر متطاولة !!
وأما آفات الإجازات فهي كثيرة جدا .. ولا يجوز للآباء والأمهات أن يهربوا من
مسؤولياتهم تجاهها!!
أولها :
قعود الأولاد .. أيا كان الداعي للقعود ، فإن الطفل خاصة ، والإنسان بعامة في
حاجة ماسة للحركة ، وإذا كان علماء النفس يرون أن الطفل في حاجة إلى الحركة
بنسبة 75% من وقته ، فما الحال بالنسبة لأطفال سبيس تون ونتورك وبلاي ستيشن
وغيرها؟ وهذا يجعلنا نبحث عن الألعاب الأكثر قدرة على الحركة ؛ كالكرة
والدراجات وركوب الخيل ، والسباحة ، وسباق الجري ، وغير ذلك .
ثانيها :
التلوث الفكري .. وهو ما نجده الآن في عدد كبير من الفضائيات المفتوحة ،
والمواقع الإباحية ، التي هدمت بيوتا كانت آمنة مطمئنة ، وقذرت أعراضا كانت
مصانة محفوظة ، وغيرت نفوسا كانت عزيزة منيعة ، ولا حل سوى تغييبها عن المنزل؛
لأن الفتنة لا تؤمن على أحد ، ولا سيما في سن التشكل .
ثالثها :
الصداقات الرديئة ، والتي تتكاثر كالجراثيم في الجرح المفتوح ، فمن عرض نفسه
لذلك فقد وقع أو أوقع من تحت ولايته في أتون الدمار ، ولا يقولن أحد إنه قادر
على حماية نفسه ، والأمر لا يعدو مجرد صداقة بريئة ، نهايتها الضحك والمزاح ،
بل إن النهايات التي شاهدناها لمثل ذلك: الفتنة ، وضياع المروءة ، وقلة الصلاة
، وتعاطي التدخين أو المخدرات والخمرة ، وسفر المعصية ، وضياع الهدف حتى من
الحياة .. وفي النهاية عدم النجاح في أي شأن من شؤون الدنيا والآخرة .
يقول أحد المفكرين : ( الثقة أن تستمر في البحث عن الحلول للمشكلات الصعبة ،
وأن تبقى ثابتا مركزا خلال فترات الشدة أو الضغط ) .
المصدر : موقع المستشار