|
أم الكرام " كريمة المروزية " امرأة غرقت بطلب العلم والأخلاق العالية ، كنت
أقرا اسمها مرتبطا بصحيح البخاري " نسخة كريمة " حيث ينقل منها أحيانا ابن
حجر ـ رحمه الله تعالى ـ كنت لا أتصور أن تكون كريمة هذه أمرأة ! حتى شاء
الله أن أبحث عنها في نسخ البخاري وتراجم رواتها فوافيت في ترجمتها ما
أعجبني .
جاورت أم الكرام " كريمة بنت احمد المرزوية " المسجد الحرام ، ورحلت في طلب
العلم مع والدها ، وعاشت تحفظ ويروي وتعلم ، وتتلمذ على يدها كبر الفقهاء في
عصرها ، وصفت بأنها كانت محدثة فاضلة ذات فهم ونباهة ، بل إليها انتهى علو
الإسناد لصحيح البخاري ، ولم تفرط في منهجها ، لذا لم تقبل أن ينتسب إليها
الخطيب في روايته للصحيح دون أن يقابل معها نسختها نسخته ، وذلك بأن تقرا
عليه ، ثم يقرأ عليها ، وهي في خدرها من وراء حجاب ، ولك أن تتصوري الجهد
الذي بذلته في سماعها للخطيب فقد قرأ عليها في خمسة أيام !
هل تعجبيبن من أمرها ؟! كيف استطاعت أن توف هذا الوقت للعلم ؟.. ينتهي عجبك
ربما حين تعلمين انها عاشت مئة سنة وماتت عام 63 هـ ولم تتزوج .
ذلك النموذج يتكرر في زماننا لنساء لم يكتب لهن الزواج لسبب ما ، ربما لعدم
توفر الرجل ذي الدين والخلق ، أو لا تجد رغبة في الزواج ! وتستيقن انها لو
تزوجت لم بالحق المطلوب منها أو لوقوعها ضحية ولي لا يخاف الله عزوجل فيمنعها
ولا تملك وسائل الخلاص بالرغم من محاولاتها أحيانا ! لكنها لم تقف على أعتاب
الحسرة ولا تنطوي بدثار الندامة لعدم تيسر الزواج لها .
وصلتني رسالة مؤثرة من نساء تأخرن في الزواج كثيرا يشتكين من وصف بعض الخطباء
والكتاب ـ وحتى قريباتهن من النساء ـ لهن بالعنوسة ، ويشرحن في صفحات كثيرة
كيف يؤثر هذا على نفسياتهن ويجعلهن محاصرات بالهم والقلق ، ليس لعدم الزواج ،
ولكن من نظرة المجتمع وقسوته عليهن ، وكتبن انهن يشعرن بسعادة غامرة لأنهن
يقمن بواجب عظيم في نفع المجتمع من خلال الدعوة والتربية والتعليم بالرغم من
أنهن لسن متزوجات ، لقد شمرن عن ساعد الجد وأخذن أنفسهن بالعزيمة ، فتجدهن
مواظبات على الحفظ والدروس والدعوة ، ولهن مواقف مشرفة ، ويتتلمذ على أيديهن
المئات من الفتيات 0
يطلبن أن أسهم في تصحيح نظرة المجتمع لغير المتزوجة ، وأن يعتبر أن مكانة
المرأة ليست مقيدة بزواجها ، فكم من امرأة غير متزوجة نفع الله بها خلقا
كثيرا كما هو معروف للخاصة والعامة ، فمنهن طبيبات وإداريات ومعلمات وعاملات
في مجالات مختلفة على أعلى قدر من الأخلاق والعطاء والإبداع ، ومنهن في
بيوتهن طالبات للعلم ومربيات لغيرهن ، لهن في كل ميدان خير صولة وجولة ،
آثارهن على الناس حسنة وآثار بعض الناس عليهن غير ذلك !
وأنا هنا لست اقلل من شان الزواج ولا أشجع على رفض الرجل الصالح ولا أدعو إلى
تأخيره بحجة العلم والدعوة ، بل هو سنن المرسلين وليس هذا محل اختلاف بحمد
الله ، لكنني أشد على أيدي النساء واهمس في آذانهن ، لا يدفعنك حديث الناس
ونظرتهم لتقبلي بزوج لا تحمدين مغبة اقترانك به .. أو ترضين بحياة هامشية
لتصبحي فقط أمام المجتمع من فئة المتزوجات ! ولكن عليك أن تراقبي الله في
نفسك وفيمن تختارين ، وليكن طلبك حياة زوجية مستقرة ممتلئة بمقومات الحياة
الأسرية الهانئة ، ومهما تكن التنازلات فإنها مالم تكن عن طيب نفس وقناعة
فإنها تنقلب إلى نكد وشقاء .
اهمس في آذان اخواتنا الفاضلات اللآتي لم يكتب لهن الزواج ، أحرصن على الزواج
ولو من معدد إذا علمتن حسن خلقه وطيب معدنه وسمعتن عنه كل خير ولا يؤثر فيكن
كلام الناس وعباراتهم فتقبلن بإي زوج فكاكا من الضغط الإجتماعي ، فإن مآلات
هذا غير حميدة .
وأقول لكم ـ يا خطباء المساجد وحملة الأقلام : اتقوا الله في كل كلمة
تقولونها ، وليكن خطابكم الموجة للمرأة غير المتزوجة خطاب تصحيح وتوجية
لمجالات الخير وليكن في كلامكم تقدير لجهودهن ووقوف إلى جانبهن باختيار
الصالحين ودلالاتهم ، وإرشاد الشباب من أجل التخفيف من شروطهم ، والا
يستكثروا أن يتزوجوا امراة في سنهم أو تكبرهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم
تزوج خديجة رضي الله عنها وهي تكبره بخمسة عشر عاما .
كم أثرت كلمة " عانس " في قلوب الكثيرات وحرمتهن النوم ، في الوقت الذي يضحك
قائلها وينام ملء عينيه ، ولم يدر انه أدمى قلوبا أذايتها أهوال مايجري
للمسلمين في العالم ، وأبكى عيونا بكت من خشية الله طويلا .
كتبته الداعية الفاضلة / د . رقية المحارب
مجلة الدعوة العدد 1875 في 6/11/1423هـ
بعنوان ( هوني عليك ) .
نقله المشمر .. شبكة أنا المسلم