من المجالات الوظيفية المستجدة في عالمنا المعاصر ما يتعلق بالعمل في وسائل
الإعلام ( مقروءةً ومسموعةً ومرئية ) ، وقد شهدت تلك المجالات حاجات مكثفة لطواقم
العاملين في مجالاتها ، حيث أن العمل فيها يستدعي وجود فِرَقٍ متنوعة في الإعداد
والتحرير والتنسيق والإخراج وغير ذلك .
وقد أُقْحِمَت المرأة المسكينة في أقطار الدنيا في هذا المجال الوظيفي الإعلامي
بشكل متسارع ، ولا أتحدث هنا عن العمل الإعلامي المرتكز على التمثيل والغناء فهذا
النوع لا ريب أن مشاركة المرأة فيه عبثٌ بأنوثتها وانتهاك لحيائها واغتيالٌ
لعفافها . فلدى دخول المرأة للإعلام المرئي على وجه الخصوص كان عليها أن تتنازل
عن أمور كثيرة ، متراوحة بين عظيم وبين ما هو أعظم منه ، بداية بغيابها عن بيتها
وأولادها إن كانت متزوجة ، ومروراً باختلاطها بالرجال وخلوتهم بها ، ثم استغلالهم
لها من خلال البرامج والمسلسلات والأفلام ، ثم تعاظم ذلك الاستغلال من خلال
قيامها بالأدوار المُسِفَّة والهابطة والتي تُهتك من خلالها حُلل الحياء ويشدخ
تاج العفاف .
ولو لم يكن من ذلك إلا عبث ( الماكيير) بوجهها وامتداد يده إلى ما به مذبحها ...
لكان كافياً في استغلالها وامتهانها ،كيف والأمر يتعدى ذلك بمراحل،حتى إنها لا
تنال حد ( النجومية ) عندهم إلا إذا تنازلت تنازلاً كاملاً عن إباء أنوثتها
وتضعضعت من علياء كرامتها إلى ( …… ) !!.
ولا يزال مسلسل الاستغلال لطُهر الأنوثة وفضيلتها يتوالى مع كل من تعاملت في
موابئه الفن وأُتونه ، حتى إذا بدأت ندوب الزمان تظهر على ملامح تلك الأنثى
واستنجدت بعمليات التجميل وترقيعات الجراحين ، إذا بها تستبدل بغيرها أشب منها،
وهكذا يأتي الدور على غيرها.
وقد كان من أبرز أسباب تسارع الزج بالمرأة في الإعلام تدني أجرتها من جهة ،
وبالنظر إلى أنها بصوتها وصورتها تُمثِّل ( طُعْماً ) يستجلب كثيراً من المستمعين
والمشاهدين ، وهذا جعلها محل استقطاب وترحاب في إدارات وسائل الإعلام .
وقد شهد مجال الإعلام عدداً من الفضائح التي تفوح روائحها في بعض الأحايين على
صفحات الصحف والمجلات ، ويبقى كثيرٌ منها مُنْزَوِياً عن الأنظار .
ولم تسلم بلاد الإسلام من دعوات متوالية لإشراك المرأة في وسائل الإعلام ، وقد
كانت تلك الدعوات متدرجة في جرَّ المرأة المسلمة وإقناعها وإقناع مجتمعات
المسلمين بعدم الحرج في إشراكها .
فجاءت مساهمات المرأة في وسائل الإعلام ( المسموعة والمرئية ) في بواكيرها داعية
إلى أن تتولَّى المرأة تحرير المواد في مكاتب مستقلة ، ثم تَمَّت دعوتها للاشتراك
بصوتها فقط ، واحتجوا لذلك بأن صوتها ليس بعورة ، وحاولوا التحجج لدعواتهم بأن
النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ يُحَدِّثْنَ النبيَّ عليه الصلاة
والسلام ويسألْنَهُ .
وبدأت الخطوات : فدخلت المرأة في استديوهات الإذاعات ، ولم يكن لها أن تشارك
الرجل في المحادثة من نفس الاستديو ، بل خصصت لها برامج محددة تتصل بالأسرة
والطفولة ، لتمضي السنين وتظهر المرأة ( المذيعة ) وهي تجالس الرجل ( المذيع )
وعلى طاولة واحدة في استديو واحد . تم تتابعت المراحل وتجددت الأدوار حتى صارت
المرأة في هذا المجال مع الرجل جنباً إلى جنب.
وفي السياق الآخر : ظهرت المرأة ( المسلمة ) مذيعة في التلفزيون لبرامج الأسرة
والطفولة ، وكان ذلك في بداية الأمر مع مراعاة لبسها لما يستر شعرها ، مع البعد
عن المبالغة في التجمل واستعمال المكياج .
وكان التدرج بعد ذلك بأن تنتقل المرأة للعمل في كل البرامج ، وباتت مقدمةً
للأخبار المتنوعة سياسيةً واقتصادية ورياضية ، بما يتضمنه ذلك من الإجراءات التي
تحوجها لتخرج على الناس متبرجةً سافرةً ، بعد أن عبث ( الماكيير) بوجهها كل العبث
، فغاض ماء الحياء وانقشع لباس التقوى والحشمة .
وكان التدرج بعد ذلك بأن تنتقل المرأة للعمل في كل البرامج ، وباتت مقدمةً
للأخبار المتنوعة سياسيةً واقتصادية ورياضية ، بما يتضمنه ذلك من الإجراءات التي
تحوجها لتخرج على الناس متبرجةً سافرةً ، بعد أن عبث ( الماكيير) بوجهها كل العبث
، فغاض ماء الحياء وانقشع لباس التقوى والحشمة .
ثم ما لبث الأمر أن اختلط الحابل بالنابل ، ففي مجال الإذاعة يوجد الاختلاط
الواضح ، حتى إن البرامج المباشرة تقوم المرأة بممازحة زميلها المذيع ، وتتولَّى
استقبال المكالمات من المتصلين الرجال ، وهكذا ما يكون من الاختلاط في المكاتب
وأماكن العمل. وعلى الشاشات صارت المرأة جسداً تُسْتَفَزُّ بواسطته مشاعر
المشاهدين وتُسْتَثَارُ غرائزهم . وحسبنا أن ندرك كم من المعاناة التي تكبدتها
الأنوثة في هذه ( الوظيفة ) المنحطة والمخزية في مختلف مجالات الإعلام ، وفي
أقسام الإذاعة والتلفزيون ، إلى آخر ما وصلت المرأة إليه من الخزي العظيم ( ممثلة
) أو ( راقصة ) وإن شئت فقل ـ أكرمك الله ـ ( دَاعِرَةً ) أو ( بغيَّاً ) .
ومن عجائب ومنكرات ما يحدث في بعض البلاد الإسلامية ما ساقته وسائل الإعلام عن
افتتاح ( مدرسة الرقص الحديث في مصر ) لتخريج ( راقصات ) والتي تبنها وزارة
الثقافة ( والقبول فيها مقصورٌ على الفتيات حيث لا يسمح بالاختلاط !! ) ، مدة
الدراسة ثلاث سنوات تسبقها اختبارات عملية لمعرفة الثقافة الفنية للمتقدمة ، ومدى
ملاءمة جسمها لمتطلبات الرقص الشرقي !! ( مجلة الأسرة العدد 120 ـ ربيع الأول
1424هـ ) .
إني ـ والله ـ لا أكاد أصدق أنه يوجد اليوم من بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا وجداتنا
المسلمات من يمتهنَّ هذا العمل الساقط الفاحش ( التمثيل ) !!!.
فالله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه .
كيف يوجد هذا ( السوء ) علانية ، ثم فوق ذلك تمجِّدُه وسائل الإعلام كل التمجيد ،
ولا تصف ( الممثلات الممتهنات ) إلا بـ ( النجمات ) وتعد المهن المنحطة من الرقص
والغناء والتمثيل من جملة المجالات التي يمكن للمرأة أن ( تقتات ) وتبرز من
خلالها !! مع ما فيها وأد العفاف وذبح الفضائل ونشر الرذيلة وإشاعة السُّعار
الجنسي في كل فئات المجتمع .
هل أولئك في رشدهم وعقولهم ؟!
لئن أصاب العِيُّ والسَّفَهُ بعضاً ، فلا يتصور أن يكون في الأكثرين ، إنه لأمر
عجيب ، أبرأ إلى الله منه ، وأسأله أن يعافيني وأهلي وذريتي وإياهم من الضلال ،
وأن يهدي ضال المسلمين ، وأن يعيذنا وذرياتنا من مضلات الفتن .
إننا لا ندعو إلى التحجر كما قد يخيل إلى البعض ، ولكنه أمرٌ بيِّنٌ لو كانوا
يعقلون.
نعم : يمكن للمرأة أن تساهم في الوظائف الإعلامية مع محافظتها على طهرها وحيائها
، وذلك من خلال التحرير والكتابة بعيداً عن أي مجال للاستغلال أو الابتزاز.
وفي هذا تقول الأستاذة الفاضلة سهيلة زين العابدين حمَّاد مخاطبةً المرأة :
" إنني أدعوها أن تساهم بفكرها ـ لا بصوتها ـ في إعداد برامج دينية وثقافية
واجتماعية وأدبية ، وأن تؤلف القصص والحكايات للكبار والصغار ، فيقرأ الرجل ما
تكتبه ، ويقدم ما تُعِدُّه " .
* وقد وجِّه في هذه المسألة استفتاءٌ إلى
سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبدالله بن باز ـ رحمه الله ـ هذا
نصُّه :
س / هل يجوز للمرأة المسلمة
الداعية استخدام وسائل الإعلام لنشر الدعوة إلى الله؟.
ج/ " لا ريب أن الدعوة إلى الله من أهم
المهمات ومن أفضل القربات ، ولكن قيام المرأة بذلك في ميدان الدعوة عن طريق
التلفاز أمرٌ يترتب عليه مشاكل كثيرةٌ وأخطار عظيمة : من الخلوة بالرجال والتبرج
والخضوع بالصوت ، إلى غير ذلك من المفاسد ، فالذي يظهر لي من قواعد الشرع المطهر
أنه لا يجوز لها ذلك ، لأن اشتراكها في التلفاز والإذاعة يفضي إلى مفاسد كثيرة ،
من عدم التحجب ومن الخضوع بالقول ومن التبرج ومن الخلوة بالرجال ، وهذا كله يضر
المجتمع ضرراً كبيراً ، ويفضي إلى فساد كبير .
فالخلاصة : أني أرى أنه لا يجوز لها أن تشارك في ميدان الإذاعة ، ولا في ميدان
التلفاز ، أما المشاركة في الصحافة : في الكتابة وإرسال المقالات النافعة ، فهذا
لا بأس به " .
( الفتوى محررة في كتاب د. أحمد البابطين : المرأة المسلمة المعاصرة ص 429 ) .
وبعد : فإني أؤكد في هذا المقام أن الفضلاء الذين يعملون في المجالات الإعلامية
ليدركون تمام الإدراك ماذا يعني أن تعمل المرأة معهم جنباً إلى جنب ، سواء في
المجال الصحفي أو الإذاعي أو التلفزيوني ، وأنها خطوة مشؤمة تخطوها المرأة نحو
حتفها حين تتوجه لتلك المواضع مختلطة بالرجال ، أو متعاطية للمحظورات الشرعية من
تبرج أو سفور أو نشوء علاقات محرمة أو غير ذلك ، على غرار ما بينه المعصوم صلى
الله عليه وسلم وأوضحه في شأن اختلاط المرأة بالرجال أو خلوتها بأحد منهم ، وحسبك
أن تعلم أن الجليس الثالث حينئذ هو الشيطان .
ولأجل هذا فإن الأغيار منهم يأبون أعظم الإباء أن تكون امرأة أحدٍ منهم أو إحدى
محارمه في ذلك المحيط المكهرب ، مهما بُذل لها من الأثمان والأجور ، ولا يتنازل
عن ذلك إلا من تساهل بدينه واستخف بعرضه فأذن بالاختلاط والخلوة ، ولم يمانع في
التبرج والسفور ، وانتعش بألأعمال السافلة والأفعال الآسنة . وإني لأرجو الله
تعالى أن يجعل فيما تقدم لكل من يطلع عليه من إخواننا وأخواتنا في عموم بلاد
الإسلام ممن ابتلوا بهذا العمل ، أن يكون لهم بذلك الخلاص من تلك الفتنة ، وأن
يسعوا لتقليل المفاسد والمآخذ الشرعية مهما استطاعوا ، وصولاً إلى إلغاء كل تلك
المفاسد بإذن الله ، فإنهم مهما أمضوا في تلك الأعمال من الأوقات ، ومهما حصلوا
من اللذات، فإن مقامهم يسير وتحولهم قريب ، فكم غيب الموت من الشخصيات الإعلامية
الشهيرة ممن كانوا ملء سمع الدنيا وبصرها في وسائل الإعلام ، فهم اليوم مرتهنون
بأعمال صالحها وسيئها ( كل نفس بما كسبت رهينة ) . ( كل امرئ بما كسب رهين ) .
والله المسئول أن يعيذنا جميعاً وإخواننا وأخواتنا وذرياتنا من مضلات الفتن .
المصدر : كتاب عمل المرأة لخالد بن عبدالرحمن الشايع ، ص
61