● ● ●
ولا تعنى هذه النماذج، وغيرها كثير، أن المسئولين فى الكنيسة لا يعرفونها،
فهم الذين حرفوا وغيروا وبدلوا بلا حياء وبكل جبروت، فى حياة يسوع وأقواله
وأفعاله، منذ أولى لحظات مجيئهم أو تكوينهم وتأسيس الكيان الكنسى الذى لا
يعرف يسوع عنه شيئا، فلم تكن هناك كنائس فى أيامه. كانوا يعرفون الحقائق
يقينا ويخفونها عن الأتباع حتى لا ينفضح أمرهم ويظلوا ينعمون بكل ما حققوه
من مكاسب. ولا أدل على ذلك من قرارات تحريم قراءة الأناجيل بل والكتاب
المقدس بكله على الأتباع، وكلها وثائق باتت منشورة ويمكن الإطلاع عليها.
ومن أهم الوثائق الموجودة بهذا الصدد، وهى ضمن محتويات المكتبة القومية فى
باريس، الخطاب الذى كتبته لجنة الكرادلة للبابا يوليوس الثالث (1550ـ1555)
فى منتصف القرن السادس عشر، أيام إنتخابه لتولى كرسى البابوية. والرسالة
بعنوان كاشف يقول :
"عدم
قراءة الكتاب المقدس، فهو شئ بشع !"
"من بين كافة النصائح التى
يمكن أن نسديها لقداستك، فقد احتفظنا بأكثرها أهمية حتى آخر لحظة، وفيما
يتعلق بقراءة الكتاب المقدس، فيجب أن نفتح أعيننا جيدا ونتدخل بكل قوانا.
فلا بد من الإقلال بقدر الإمكان من إعطاء تصاريح بقراءة الأناجيل، خاصة فى
اللغات الحديثة وفى البلدان الخاضعة لسيطرتنا. فما هو مقروء عامة أثناء
القداس، يجب أن يكفى ولا يجب أن يُسمح لأى شخص بأن يقرأ أكثر من ذلك.
وهكذا ستزدهر مصالحك طالما استكفى الشعب بالقدر القليل الذى نمنحه له، لكن،
ما أن يطالب الجمهور بمعرفة المزيد فإن ذلك يعرّض مصالحك للخطر.
فهو الكتاب الذى يمكنه أكثر من أى شئ آخر أن يثير ضدنا الثورات والعواصف
التى تقضى علينا تقريبا. فبكل تأكيد، إذا ما قام أحد بدراسة الكتاب المقدس
دراسة جادة ويقارنها مع ما يدور فى كنائسنا، سيجد سريعا التناقضات وسيرى أن
عقائدنا تحيد تماما عن الحقيقة بل وكثيرا ما تتعارض معها.
وإذا ما عرف الشعب كل هذه المسائل سيضعنا فى موقف التحدى حتى يتم الكشف عن
كل شئ؛ وعندئذ سنصبح عرضة للسخرية والكراهية.
لذلك لا بد من إخفاء الكتاب المقدس عن أعين الشعوب، لكن بحرص شديد لكى
نتفادى الصخب" !!
● ● ●
ولا أعتقد أن النص بحاجة إلى تعليق، فالكلام شديد الوضوح، وتكفى الإشارة
هنا إلى معهد ويستار والجهد الجبار الذى قام به فى القرن الماضى ولا يزال
يواصل، إذ قام أكثر من مائتين عالم من علماء اللاهوت واللغات القديمة على
مدى أعوام تحت عنوان : "ندوة عيسى"، ليخرجوا
منها بأن 94 % من الأقوال المنسوبة ليسوع فى الأناجيل لم يقلها، وأن 96 %
من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها..
وما أكثر ما كُتب من أبحاث وتحليل وإنتقادات للكتاب المقدس وخاصة للأناجيل،
قبل وبعد ذلك القرن السادس عشر، الذى حذر فيه الكرادلة البابا يوليوث
الثالث بمنع قراءة الأتباع للأناجيل. إلى أن جاء عصر التنوير بموجته
العاتية التى كشفت علميا وبالتفصيل كل ما تم من تلاعب وتبديل وتحريف فى
النصوص. وهو ما تسبب فى موجة الإلحاد المتزايدة الإيقاع، موجة أطاحت
بالكيان الكنسى وعقائده إلى حد لن يستطيع معه أن يعيد الأتباع إلى حظيرته،
مهما تحايل ومهما قام بأفعال بهلونية لجذبهم من جديد.
27 إبريل 2014