|
باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعـــــد :
**نتابع أخواتي الكريمات ما مرّ بي من بعض التأملات عسى الله أن ينفع بها.
أبدأ مستعينة بالله سائلته التوفيق والسداد :-
-أخطأ صغيري يومًا ، وكان لما يتقن جلّ الكلام بعدُ ، فضربته بشدة مغتاظة من
قبيح عمله ؛ لأني كنت نبهتُه ليس مرة على قبح هذا الفعل ، وكأن هذا العقاب لم
يشفِ غيظي ؛ فضممت إليه وعيدًا شديدًا ، وقرارًا أكيدًا بحرمانه مما يحب ،
وكأني لم أكتفِ بعدُ ، فزدته عقابًا بحرمانه من اللعب سائر يومه ،وكانت ثالثة
الأثافي بالنسبة إليه -هذا على ما أذكر بالتقريب وإلا فالأحداث بعيدة العهد -
ما يعنينا في هذا المقام تعليقه -حبيبي- وأنتن في غنىً عن ذكر أنهار الدموع
الجارية من مآقيه على خديه الصغيرين ، واحمرار أذنيه وأنفه وسيلان الأخير -حيث
هذا المشهد لا ينفك عن ذهن إحدانا لتكراره في كل البيوت ومع كل الأطفال -
* نعود لتعليقه -حبيبي- بكل كرب المظلوم يشكوني إلـيَّ -وهو يعدد على يديه
الصغيرتين و لـمَّا يتقن العدّ بعدُ - : (( أنا أخطأتُ واحدًا ، و أمي ضربتْ/
واحد ، حلوى لا/ اثنين ، و لعب لا / ثلاثة )) - هذه الصيغة أقرب لما قاله حينها
على ما أذكر-، رأيت في عينيه الشعور بالقهر والظلم ، كل ذلك مقترن بدموع الذل
والانكسار ، قال ما سبق منتحبًا يائسًا نائحًا، فلما أتمه وفتح فاه كأنه يريد
قول المزيد أطبقه ، واندفع اندفاعًا شديدًا إلى أحضاني كأنه يتوقى بي مني .
-لا تسألنَ عن حالي حيث تملكني العجب ، و واتسعت عيناي دَهِشة ، فكانت كلماته
المبعثرة -حبيبي - صدمات متعاقبة على عقلي ، فلم أستطع فهم - أو بمعنى أدق
استيعاب- ما قال ؛ حيث حالت الدهشة - التي أخذت بجماع نفسي -، و كذا نظراته
الشاكية دون ذلك ، فأرجأتُ ذلك ، وأخذته في أحضاني أهدهده وأبكِّته
في آنٍ : ((أنت سبب ذلك ، فلا تلومنَّ إلا نفسك ، لا تعد لمثلها إذن ....)) حتى
نام على ذراعيّ - فقد كان كثيرًا ما ينام إذا بكى ، وكانت مسحة الأسى على محياه
الصغير وآثر حمرة الجهد على وجهه ، وخطوط من الدموع الرطبة مرسومة على خديه
الصغيرين ، أما عن نفَسه وهو نائم فكان يشي ويفضح شديد بكائه قبل نومه لوقت ليس
بالقصير .
-بعد عدة أيام كنت في مجلس مع بعض أخواتنا الفضليات بحضور معلمتنا الفاضلة
-يرحمها الله- فإذا بي أحكي لهن
ما حدث مع ولدي فكان لمعلمتي التعليق الآتي :
((أولا :- الناس في مسائل العقاب بين غالي وجافي ، مفْرِط ، ومُفَرِّط
1- مُفَرِّط جافي : الذي لا يأبه بعقاب ولده بله أحد من رعيته إن أخطأ ، فهو
متساهل في القيام على الرعية
ولا شك أنه أضاع بذلك حقوقهم في التوجيه لما يحب الله ويرضاه ، وقصّر في أن
يدلهم على الصواب وهو يعلمه
فلا شك أنه غاش لرعيته ، موقوف بين يدي ربه مسئول على ما قدمت يديه ، ثم استدلت
-رحمها الله- بالحديث الآتي:- * عن معقل بن يسار المزني قال : قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - :-
{ ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله
عليه الجنة .}
صحيح مسلم / رقم: 142.
2- مفْرِط غالي : وهذا الذي يعاقب بشدة ، ويتعدى الحدّ في ذلك ، وهذا يجب أن
يسأل نفسه ما يلي :-
لِـمَ نُعاقِب ؟ أ لنشف غيظ صدورنا ؟ أم لنصلح ؟
-فإذا كان الجواب : لنذهب غيظ صدورنا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، لا تنتظرى
إصلاحًا فهذا سبيل الشيطان
ليبغِّضكِ إلى الرعية ، وتضربي لهم مثل السوء والتعدي والظلم ، ولا تنخدعي و
يقتصر نظرك على الإصلاح الفوري الظاهري في الصغر فهذا لعمري إصلاح وهمي مؤقت ،
فعند أشتداد العود -البنية- لن تفلحي في أطرهم على الحق بسبب خراب نفوسهم فمن
حيث لا تشعرين بنيتِ قصرًا -ظاهريًا فقط- وهدمت بفعلك هذا
مصرًا.
-اتقين الله في الرعية ؛ فقد تواترت النصوص في الشرع تحض على العقاب المنصف :
- (( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)) سورة النحل / الآية 126
-(( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون
الله وليا ولا نصيرا ))
سورة النساء / الآية 123
- (( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من
عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
))سورة يونس / الآية 27
- عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال :-
{كنت أضرب غلاما لي بالسوط . فسمعت صوتا من خلفي ( اعلم ، أبا مسعود ! ) فلم
أفهم الصوت من الغضب . قال : فلما دنا مني ، إذ هو رسول الله صلى الله عليه
وسلم . فإذا هو يقول ( اعلم ، أبا مسعود ! اعلم ، أبا مسعود ! ) قال : فألقيت
السوط من يدي . فقال ( اعلم ، أبا مسعود ! أن الله أقدر عليك منك على هذا
الغلام ) قال فقلت : لا أضرب مملوكا بعده أبدا . وفي رواية : غير أن في حديث
جرير : فسقط من يدي السوط ، من هيبته .}
صحيح مسلم / رقم: 1659
نصيحة غاليــة :-
اجعلن العقاب رحمة
قالت - رحمها الله تعالى - ناصحة لنا :[ لا تكسلن أن تعاقبن إذا وجب العقاب ،
احتسبن الأجر في ضرب أولادكن ، استحضرن نية : [* القيام على الرعية ، و* عدم غش
الرعية بترك تأديبهم ،تقربن إلى الله بذلك ]
-فوالله إنك إن استصحبت هذه النية حال عقابكِ لأيهم ، إلا ألهمكِ الله
رشدك ، وأصلح بعقابك ، وأثابك عليه خيرا.
- فلن تألفي نفسك ضاربة لوجه أو مقبحة بسوء تأثمين عليه .
تعبَّدنَ بتطبيق العقاب المنصف إلى الله فهذا من الفقه .
- وكرري لأولادك أنك تحبينهم فهم فلذة كبدك ، وأعلميهم : إ نكِ إنما تفعلين ذلك
شفقة عليهم من النار ورغبة في صلاحهم ، فليس أحد يحبهم من خلق الله مثلك ولا
يدانيك محبة لهم حتى .]
**واختتمت كلامها -رحمها الله - قائلة :
*العقاب رحمة ونعمة يجب علينا شكرها ؛ ألم يقل سبحانه وتعالى : (( هذه جهنم
التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن فبأي آلاء ربكما تكذبان ))
سورة الرحمن / آية :
فجعل سبحانه جهنم أداة عقاب المجرمين من النِّعم ، لأنها تردع المؤمن عن
المعاصي ، وتحقق عدل الله في خلقه
فلا يستوي الصالح بالطالح .
* كذا فالله من صفاته العدل ، ويحب الإنصاف حتى إنه لما يدخل أهل النار -عياذا
بالله- النار ؛ ليخلدوا فيها يحمدونه سبحانه على ذلك ،* لعلمهم ويقينهم أن ما
هم فيه عدل منه فالله لم يظلمهم بل هم الذين ظلموا أنفسهم لما كفروا به سبحانه
، فيحمدونه على أنهم ليسوا أسوأ حالًا في النار.
((وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل
الحمد لله رب العالمين))
سورة الزمر / آية :75]
اللهم ارزقنا البصيرة والفقه والإنصاف آمين .