|
حقاً ! لكلّ منا عملاقٌ كبير يسكنه ، قد يميته الإنسان إذا غض الطرف عن سماعه ،
وإذا لم يغذّيه بما يحتاج إليه ..
والعمالقة أنواع ، منها ما كان شراً كعملاق الشهرة وحب النفس والدنيا والمال ..
فهذا يجب كبته كلما تطاول ، وقهره كلما جمح . فإنه وإن حقق سعادة مؤقتة في
الدنيا ، فسيتقازم حتى يغدو مسخاً شنيعاً في الآخرة .
والعملاق الآخر هو عملاق الخير ، وأبناءه كثرٌ ، ينمّيه العبد الصالح في داخله
، فإذا كبر ملأ الدنيا خيراً بحسن عمله .
ولنا أن نستنتج من حياة الصحابة عبراً ، فقد كانوا عمالقة الدعوة والإيمان
فنشروا في الأرض خيراً .
كيف أخرجُ العملاق الذي في داخلي ؟
بداية .. عليك أن تحدد هدفك ، وترسمه ، وتجسده أمام عينيك ، وليكن منك لجوء إلى
الله تعالى كي يعين على تحقيقه .
في اللحظة التي تعرف فيها رسالتك وهدفك في الحياة تكون ولادة العملاق .
وبعدها تبدأ مرحلة النّمو ..
ينمو العملاقُ رويداً بكل خطوة تسيرها نحو تحقيق الهدف ، بجمع الزاد المناسب ،
فطالب العلم ينمّي عملاقه بالبحث والسؤال واقتناء الكتب المفيدة والمراجع
العامة التي تنفعه ، ثم يبدأ بخطوات أخرى عملية في طلب العلم ، وكلما سار خطوة
ازدادت الثقة ، والرغبة بالوصول ، وعندها تقترب لحظة خروج العملاق ، ليملأ
الحياة نوراً بنشر العلم الذي تعلمه .
والمربّي يعلم أن له رسالة عظيمة ، فيعززها بالاستشارة وقراءة الخبرات والتجارب
، وتدوين كل فائدة ، فيخرج عملاقه لحظة التطبيق ، وتربية النفوس وتنشئة أجيال
رائعة الهدف والتوجه .
ولبناء العملاق في النفس قواعد كثيرة
أهمها :
احتساب العمل والنّية لله تعالى .
المحافظة على علوّ الهمة والثبات عليها .
الصبر والجلد حتى يتحقق المقصود .
الإخلاص لله تعالى في القول والعمل .
فإن الغرور بما حققته قد يقتل كلّ خير زرعته في داخلك ، وقد يستحيل عملاقك
وبالاً عليك ، ومصدر هلكة ، ولذلك على المؤمن أن يتذكر دائماً أنه ماوصل لهذا
إلا بفضل من الله تعالى وتوفيق .
وأخيراً ..
هي دعوة للتنقيب في داخل كلّ منا عن بذرة خير ، أو مكمن إبداع ، أو لمسة عطاء ،
لتكون بداية إشراقة قلب مؤمن في سماء العطاء .