|
آمن الشهيد سيد القطب بالإسلام ومنهجه في الحياة ، كما آمن بحاكمية الله سبحانه
وتعالى على كل أمر من الأمور التي تواجه المسلم في مجتمعه المعاصر ، فالمجتمع
المسلم بنظره هو الذي " يتخذ المنهج الإسلامي منهجاً لحياته كلها ، ويحكّم
الإسلام كله في حياته كلها ، ويتطلب عنده حلولاً لمشكلاته ، مستسلماً ابتداء
لأحكام الإسلام ، ليست له خيرة بعد قضاء الله ".
ومن المشاكل التي تحدث عنها سيد قطب ، ووجد لها حلولاً بالعودة إلى تطبيق
تعاليم الإسلام، مشكلة المرأة وعلاقتها بالرجل ، وما شابت هذه العلاقة من
تجاذبات بين الطرفين ، أدت في كثير من الأحيان إلى التفكك الأسري ، وإلى
الانفلات الأخلاقي نتيجة جهل كل الفريقين بمهمته التي أناطه بها الإسلام .
دور المرأة في المجتمع الإسلامي
يؤكد سيد قطب أن الإسلام لا ينظر إلى المرأة نظرة منفردة عن الرجل ، كما لا
ينظر إليها نظرة متساوية له في الوظائف والتخصصات ، إذ لكل واحد من هذين
المخلوقين مواصفاته الخاصة التي قد تجتمع في نواح وتختلف في نواح أخرى .
فالمرأة تشترك مع الرجل في إنسانيتها ، بعد أن رفعها الإسلام من المرتبة
الحيوانية التي وضعها فيها أعداءه ، فقال تعالى :
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } سورة النساء : آية
1 .
كما تشترك معه في مساواتهما في الثواب والعقاب أمام رب العالمين ، يقول عز وجل
:
{ فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى } سورة آل عمران
: آية195 .
أما الاختلاف فيكون في الوظائف والتخصصات لكل واحد منهما ، وهذا الاختلاف مرده
إلى اختلاف في التكوين البيولوجي لكل واحد منهما ، فبينما وضع الله عز وجل في
المرأة خصائص " الرقة والعطف وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة
بغير وعي ولا سابق تفكير ".
جعل للرجل خصائص " الخشونة والصلابة ، وبطء الانفعال والاستجابة ، واستخدام
الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة ".
ويعود سبب هذا الاختلاف في الخصائص إلى اختلاف نوعية وظيفة كل منهما ، ففيما
تحتاج المرأة الحاضنة والحارسة على بيتها وأولادها إلى الرقة والعطف ، يحتاج
الرجل في سعيه لطلب المعاش وفي جهاده الأعداء إلى الخشونة والصلابة لتأمين
الحماية والأمن لبيته وأسرته .
ويأتي تركيز سيد قطب على الأسرة في كل مجال يأتي فيه على ذكر المرأة ، إذ انه
لا ينظر إلى المرأة باحترام إلا في هذا الإطار الإسلامي ، وهو يعطي للمرأة
الدور الأول في تكوين الأسرة ، فهي الحاضن والحارس للمحضن " الآمن النظيف
المتخصص لانتاج صناعة البشر" ، وهذا الأمر يستوجب منها أن تتمتع بالثقافة
والحكمة للمحافظة على هذا المحضن والاشراف على فراخه .
ويعتبر المصلح الإسلامي سيد قطب أن الهدف الأساسي من تكوين الأسرة هو " الواجب
" وليس " اللذة " ، لأن المسلم في زواجه يقوم بواجب انساني عام وخاص في آن معاً
، ففي الواجب الإنساني العام يحمل الزواج مسؤولية تأهيل " الجيل الناشء لحمل
تراث التمدن البشري والاضافة إليه".
ويكون الهدف الإنساني الخاص بالمحضن هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار ،
وهذان الهدفان الإنسانيان لا يتحققان في حال طغت اللذة على سائر أهداف الزواج ،
لأن الأمر لا يعدو أن يكون سعياً حيوانياً لاهثاً وراء اشباع الشهوات ، ويؤدي
الأمر في كثير من الأحيان إلى البحث عن اللذة خارج إطار الزواج ، أو يؤدي إلى
سوء استخدام رخصة تعدد الزوجات التي جاء بها الإسلام ، هذه الرخصة التي أباحها
الإسلام كضرورة " تواجه ضرورة ، وحل يواجه مشكلة ، وهو ليس متروكاً للهوى بلا
قيد ولا حد في النظام الإسلامي ، الذي يواجه كل واقعيات الحياة " .
دور المرأة في هلاك الأسرة
يؤكد المصلح سيد قطب في كتاباته على دور الأسرة في حماية المجتمع الإسلامي ،
وحماية الأخلاق والقيم الإسلامية ، وهو لا يحمل مسؤولية الفشل في استمرار هذه
المؤسسة على المرأة ، كما لا يحملها للرجل كل على حدة ، إنما يجعل الأمر
متعلقاً بخلل في النظام الأسري يقوم به أحد الطرفين، أو يقوم به كلاهما ، من
أنواع الخلل نذكر :
-أ- الخلل في الوظائف
يؤدي الخلل في وظائف كل من الحاضنين إلى تأثر جو الأسرة العام بهذا الخلل ،
فالرجل الذي لا يقوم بوظيفته الخاصة في القوامة على بيته ، وتأمين متطلباته ،
يشعر المرأة " بالحرمان والنقص وقلة السعادة "، ويدفع الأبناء إلى الانحراف نحو
" شذوذ ما ، في تكوينهم العصبي والنفسي، وفي سلوكهم العملي والخلقي ".
والمرأة التي تكلف نفسها بوظيفة فوق وظيفتها ، تفقد السكن والاطمئنان اللذان
يشكلان دعائم الأسرة إذ أن الرجل لا يشاركها في تحمل وظيفتها الأولى فتشعر
بالتعب والمهانة ، لذلك لم يكلف الإسلام المرأة أن " تحمل وترضع وتربي ، وفي
الوقت ذاته تعمل وتكدح وتشقى .. بينما الرجل لا يشاركها الحمل والرضاع والتربية
. ثم يزعم بعد ذلك أنه ينصف المرأة ويحترمها ويرقيها ".
-ب- العودة إلى الجاهلية
يرفض سيد قطب مقولة أن الجاهلية مرحلة تاريخية انتهت بظهور الإسلام وانتشار
تعاليمه، بل هو يعتبر أن الجاهلية " إنما هي حالة اجتماعية معينة للحياة ،
ويمكن أن توجد هذه الحالة ، وأن يوجد هذا التصور في أي مكان ، فيكون دليلاً على
الجاهلية حيث كان " .
وحالة الجاهلية الاجتماعية المعاصرة تعود بأصولها وجذورها إلى الحركة الصهيونية
العالمية التي أدركت بفطنتها أنه لا سبيل للقضاء على المجتمع الإسلامي إلا عن
طريق الالهاء بالملذات ، وأدركوا بفطنتهم أن المرأة هي الأداة التي يمكن
الاستفادة منها لتحقيق مآربهم ، فأخذوا ببث الأفكار الغربية ودعوا إلى نظريات
تحررية ، وربطوا عمل المرأة وخروجها من بيتها لغير حاجة بشعارات خاصة كالحرية
والمساواة .
وقد انجرفت بعض نساء المسلمات وراء هذه الشعارات ، فخرجت للعمل " من غير ضرورة"
أو خرجت بهدف " الاختلاط ومزاولة الملاهي والتسكع في النوادي والمجتمعات " ،
كما أخذت تلهث وراء الموضة التي يستولي على أكبر معاملها وأكبر مصمميها مفكرين
يهود عمدوا إلى إبراز عري المرأة تحت شعار اعتبار العري حضارة وتمدن ، واعتبار
اللباس والسترة تخلف ورجعية ، بينما الواقع يشير إلى أن العري فطرة حيوانية ،
وهو دليل على انتكاس في الذوق البشري قطعاً فإن "المتخلفون في أواسط أفريقيا
عراة " .
دور المرأة في محاربة الفساد الاجتماعي
لا يقف المصلح الاجتماعي سيد قطب موقفاً سلبياً من هذه الجاهلية المنتشرة في
العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص ، فهو يرفض فكرة المقاطعة والانعزال
بهدف الاستعلاء والنجاة ، بل هو يدعو المرأة المسلمة التي تواجه " ضغط التصورات
الاجتماعية والتقاليد الاجتماعية الشائعة " إلى " التثبيت أولاً ، والاستعلاء
ثانياً ، وتعريف اتباع هذه الجاهلية بحقيقة الدرك الذي هم فيه بالقياس إلى
الآفاق العليا المشرقة للحياة الإسلامية التي نريدها ،
ولن يكون هذا بأن نجاري الجاهلية في بعض الخطوات ، كما أنه لن يكون بأن نقاطعها
وننـزوي عنها وننعزل .. كلا إنما هي المخالطة مع التمييز ، والأخذ والعطاء مع
الترفع ، والصدع بالحق في المودة ، والاستعلاء بالايمان ، في تواضع " .