دخلَت قاعة الامتحان ، مبتسمةً لفشلٍ ستحقّقهُ ككلّ مرّة ، ليسَت من أصحاب
الأقلام الرّفيعة ، وما امتحانُ التّعبير لديها إلا تصفيفاً لما تعرفُ من
كلمات ضمنَ علامات الترقيم وحركات اللّغة !
- الموضوع الأول :
رسالة من سيارة إسعاف ملّت القتلَ والدّمار ورائحة الدّماء ، توججها إلى
الأمّة الإسلاميّة
مع مراعاة جميع عناصر فنّ الرّسالـة .
- الموضوع الثّاني :
قصة قصيـرة تحتَ عنوان ( ربيعُ النّور ) .
- الموضوع الثالث :
مقالة بعنوان ( كيفَ أنتمي إلى وطني ) الفرق بين العنصريّة والمواطنة
الصّالحة .
أمسكَت القلم .. " أيّهم تراني سأختار ؟ "
إيه يا معلّمتي ، وأيّ رسالة تلكَ التي تطلبين !
أوما علمتِ أنّ سيارة الإسعاف يوماً لا تملّ .. ؟
وأنّ القتلَ والدّمار معان ٍ لا تُسطّر بحبر قلم ، ولا يكفيها ساعة امتحان
!
معلّمتي .. إنهم لاينتظرونَ مني كلماتٍ أنمقها لأجل العلامة ، ولا أحرف
أراعي فيها العناصرَ والمعايير لترضيكِ أنتِ فقط ! أعتقدُ أنني لن أكتبَ
إلا بعد تجربة ( سائق سيارة إسعاف ) حتى أعرف تماماً ما يمكن أن يجولَ في
الخاطر .. ولم يكن الكاتب يوماً مترجماً لسوى مشاعرَ يعيشُها بنفسه ..
ربيعُ النور .. أم نورُ الرّبيع ؟
أقصدتِ الشّمسَ التي تطلعُ علينا كلّ يوم لتنيرَ بأشعّتها الذهبيّة الفضا
..؟
أم قصدتِ لون الزّهور المنعش ، يكسوه نسيمٌ عليل وترنيمٌ هادئ لعصافير
الصّباح وهديل القمر ؟
أأكتبُ قصّة عن عالم ٍ ورديّ ..؟
أم أنني لو كتبتُ عن عطاء الشّمس وكرمها ، عن لونها ، عن بهجتها التي ترسمُ
لربيع بين حبّات المطر سيكونُ أفضل ؟؟
تمتمَت بهدوء : ربّما يكونُ الخيارُ الثالث هو .. الحل
مقالة تحتَ عنوان ( كيف أنتمي إلى وطني )
ويحلّقُ القلبُ بعيداًُ .. إلى موطنها الأوّل ..
إلى حيثُ تحلمُ كلّ يوم بالرجوع إليه ، وتبتهلُ كل ليلة أن ربّ لاتحرمني
ظلالاً ورافة وقطوفاً دانية
ربّ .. وتخنقهـا العَبرة هنا في كلّ مرة ..
أن ربّ .. " لاتحرمني الجنــّة "
أفاقت لتعودَ إلى ورقة امتحانها الفارغة ، ثمّ أمسكت قلمها لتخطّ في ما
تبقـّى من دقائق :
عذراً معلمتي .. لم أستطع أن الوّن هذه الصفحة بأيّ لون سوى الاعتذار !
لم أجد بين طيّات اختياراتكِ شيئاً سوى العمل ،
أحسستُ الحياة تناديني بما فيها من ألم وقسوة وربيع ، بما فيها من دمعة
مسكينة وبسمة هاربة
شعرتُ في هذه الساعة التي امتزجت بها روحي مع كلّ المشاعر التي تتوقعين أنّ
الحروف الصادقة لا تُنقَش تحت عناوين ومعايير ،
وأنها لن تتحلّى بالجمال إن كان هدفهـا ( قليل من الحبر الأحمر )
وأنها لن تكونَ حروفاً إذا ما استطعتُ أن أكونَ أنا نقاطها ، وخطوطهـا ..
أعترفُ بأنني دفة التعبير يوماً لم أقُد ،
وأن حبري يأبى أن يجفّ على أوراق امتحان ٍ لا تقدّر ثمنه !