يرجِعُ أصلُ هذه العادةِ للعصر المملوكيّ ، والّذي كان يُسمّيها ((الجامكية))
إذ كان يوزّعُها السّلطانُ على حاشيته من أمراءَ ووزراء ، تداولَ النّاسُ
هذه العادة حتّى باتت تأخذُ أشكالاً عديدة في البُلدان ، يقسّمونها في
السّعوديّة مثلاً على يومين ، أحدهما للبنين والآخرُ للبنات ، ويحصِرونها
في الكويت بالزّبيب والمكسّرات ، و يتلقّاها الأطفالُ في طاجيكستان عبرَ
الغناء ، إذ يتشكّلونَ مجموعات ، تنشدُ ممسكةً كيسَ نقود ، يملؤه المارّةُ
فرحاً بغنائهم !
و قد عُهِدَ على البلاد عموماً ، تناسيَ (العيديّة) كلّما كبُر الصبيّ ،
فتراهُ ما إن أصبحَ شابّاً بات هو يقتطعُ من محفظتهِ مبلغاً للإناثِ
والصّغار ، من معارفَ و أقارب
تتفنَّنُ الفتياتُ في اختيار حقيبةِ العيد ، أو محفظةِ العيد ، تراها
مزيّنةً بأشكال مبهرة ، تتناسبُ و لون فستانِها ، تختالُ بها أكثر من
خُيلائِها بالثّوبِ نفسه
و يتفنَّنُ الصّبيةُ في إيجادِ مصرَفٍ لهذي النّقود ! فترى محلاتِ الدُّمى
مليئةً بالأسلحةِ الصّغيرة ، الكراتِ و الفراقيع !
تشعرُ كلّما مررتَ أمام ثُلّةِ أطفالٍ اشترت بالـ (عيديّة) لُعبةً لتوّها ،
أنهم قد امتلكوا العالمَ بما اشتروا ، و أنَّ القصورَ بجُلّْها ، والحُليَّ
بأسرِها لا تُساوي فرحةَ العيدِ بين عيونهم ، المزدانةَ بهذي الدّنانير ..
إنّهم يمتلكونَ في فطرتهم معنىً آخر للأموال ،
لا يَمرُّ شريطُ الدّيونِ المتراكم على ذهنهم إذا ما جاءَ الجدُّ وأعطاهُم
صباحَ العيدِ بضعَ قطَع،
لا يُرعبُهُم صوتُ المُؤجّرِ يقفزُ إلى آذانهم (أين أجارُ البيت) ، و لا
يُدخلونَها حُزناً إلى جيوبِهم و هم مُصدَّعونَ من ثمنِ بقوليّاتِ رمضان
التي مازالت مُقيّدةً على دفترِ صاحب الدّكان ، ينتظرُ السَّداد ..
إنّهم يعيشونَ الحياة بأبسطِ مكوّناتِها !
يسعدونَ بقروش زهيدة ، ولا يسعدُ غيرهُم بآلافَ لا تتّسعُها (شيكّاتُ)
البنك ، يلجأ للرّشاوي و السّرقات من جيوب المستضعفين ، طمعاً بمزيدِ تجارة
، طمعاً بمزيدِ جاه !