الانتقادات التي تقع أحياناً بين بعض الرجال و النساء ، و العداء الذي بينهم ، و
انتقاص كل فريق من شأن الآخر ، ما سببه ؟ .. " أنتن معشر النساء ناقصات عقل و
دين " ، " و خلقتن من ضلع أعوج " .. و غيرها من العبارات و النعوت ؛ يقولها بعض
الرجال لنسائهم من باب التعيير و الاستهزاء و الانتقاص من شأنهن ! مما ولّد
الحقد و الكراهية في قلوب النساء عليهم ، و جعل بعضهن يرفع شعار " ظل حيطة و لا
ظل رجل " !! .. لماذا هذه الندية في الحياة ؟ أما كان من الأجدر بكلا الفريقين
أن ينشغل كلٌّ بما ينفعه في دينه و دنياه ، و أن يعرف كلٌّ ما له و ما عليه ؟
حتى تسير الحياة بدون هذه الصراعات التي لا داعي لها أصلاً ، كالذي ينشغل عن
المعركة الحقيقية بالمناوشات الجانبية التي لا تُقدم ، و لكنها تُؤخر ، و التي
هي من صالح العدو !! ، فهذا أنقى للقلوب ، و " إنما النساء شقائق الرجال " [
صحيح ، الألباني – السلسلة الصحيحة : 2863 ] .
هذه المقدمة سقتها لتوضيح بعض الأسباب التي يمكن أن تكون الدافع وراء هذا
العداء و هذه الكراهية التي تكنها بعض النساء للرجال ، و حبهن في التمرد و
الخروج عن سيطرتهم و الاستقلال بحياتهن .
من هذه الأسباب قسوة الآباء على بناتهم ، فحنان الأب يعني الكثير عند البنات ،
و خاصة عند النوع الحساس منهن ، فالحاجات النفسية و العاطفية تختلف من بنت
لأخرى ، و لكن الغريب أن نجد أن الأم أحياناً تقسو على ابنتها ، و لكنها في
المقابل تتلطف مع ابنها ، و تُحابيه في بعض الحقوق و الميزات على حساب ابنتها ،
فهذا ربما يولد الحسرة في قلب هذه البنت ، فمن البنات من يتأثرن بطريقة
المعاملة هذه ، فلماذا هذا التمييز بين الذكور و الإناث ؟! .
و كذلك عدم رحمة الإخوة بأخواتهم ، فمن هنا ربما تبدأ بذرة الكراهية و العداء ،
و تبدأ البنت تشعر بأن حقوقها مهضومة ، فتبدأ بالتمرد و الخروج عن طبيعتها
المؤنسة .
ثم إن بعض الأزواج يتعالون على زوجاتهم ، و يعاملوهن و كأنهن مخلوقات من درجة
ثانية ، و قد يحرمونهن من حقوقهن الإنسانية و الشرعية !! .
إن معاملة الرجل القاسية للمرأة ، و عدم إعطائها حقوقها ، و التضييق عليها ...
، يجعل منها شخصية عصية متمردة و عنيدة ، و من النساء من هن مؤهلات لهذا أكثر
من غيرهن ، فالطباع تختلف من امرأة لأخرى ، و لكن الرجل الحكيم الذي يتقي الله
لا يجعل المرأة تصل إلى هذه المرحلة ، لأنه يعرف كيف يتعامل معها وفق طبيعتها
التي خلقها الله عليها ، فهي انفعالية و متقلبة المزاج إلى حد ما ، و القليل من
اللطف و الإحسان و المعاملة الحانية ترضيها ، و لكن الأقل من القليل من الإيذاء
و القسوة يغضبها ، ثم إنه ليس من الحكمة عدم فتح باب الحوار الهادئ المنضبط و
الذي يخاطب العقل و القلب مع المرأة ، بنتاً كانت أم أختاً أم زوجة ، و إجبارها
قسراً ببعض الأمور دون أن تتبين الخطأ من الصواب ، و الذي يجوز من الذي لا يجوز
، فإن هذا ربما يجعلها تتمسك أكثر برأيها ، و إن لم يكن صواباً ، و تتصرف بشكل
عدائي مع الذي يحاول فرض رأيه عليها ، و لقد قال د.مصطفى السباعي – يرحمه الله
– كلمة عن النساء ، و يبدو أنه استنتجها من خلال معاملته لهن ، و من تجاربه في
هذه الحياة .. قال : (( المرأة طفل كبير يريد منك أن تعامله معاملة الكبار )) !
.
و طبعاً لا يخفى على أحد تأثير الإعلام الفاسد و المُفسد ، و دوره الخطير في
تلويث العقول و القلوب ، و في هدم البيوت ! .
و لكن ليت الأمر يقف عند هذا الحد ، فهؤلاء الرجال و النساء يورثون أولادهم هذا
التصور العدائي ، ليستمروا في سلسلة النكد الذي جنته البشرية على نفسها ببعدها
عن منهج خالقها !! .
أنا أرى أن الأمر متوقف على تقوى الله و خشيته ، و زرع هذا في نفوس الأولاد منذ
الصغر ، فالقضية قضية حقوق و واجبات ، و على المرأة و الرجل أن يدركا ان الله
خلق كلاًّ منهما بطبيعة معينة تتناسب مع الدور المناط به في هذه الحياة ،
فالخروج عن هذا الخط سيحدث اضطراباً و خللاً في التصور ، ينتج عنه ما نراه من
هذه السلوكيات الخاطئة بين الرجال و النسـاء .
اللهم اجعل إلى رحمتك مصيرنا و مآلنا ، و اصبب سجال عفوك على ذنوبنا ... اللهم
آمين ، و الحمد لله رب العالمين .