|
لاريب أن علم الله محيط بظواهر الأمور وبواطنها ، وقد يُبتلى المؤمن با بتلاءات
عظيمة قد تقتحم النفس وتفتح لها طريقاً من الحيرة والحرج ..
ولقد مر علىّ في هذه الليلة ابتلاء ضاق به صدري ، واحتارت فيه عواطفي بين هذا
وذاك ، ووقعت في شراك عجزت أن أخرج منه .. وخانني تفكيري عن إيجاد حلاً له .
هذه الليلة ليلة عقد قران ابن أخي ، فقد انفصل أبواه ، وتربى بيننا .. وهبنا له
كل الحب والحنان ، فهذه الليلة تعني الكثير بالنسبة لنا ولأمي التي تحبه حباً
جماً ، فقد كنا نحلم أن نراه عريساً .
ومن عادتنا ولله الحمد الا نحضر مناسبات إلا إذا كانت سنية ( اعني سنية هذا
الزمان ) المهم تكون خالية من المعازف والآلات المحرمة ، وللأسف الشديد فقد
أخلفت أم العروس وأهلها الوعد ، وكانت المفاجأة أننا وقعنا في ليلة من الليالي
الحمراء .. فعندما يتجلى ضعف الإيمان ، وقلة الوازع تبدو آثاره في صورة محزنة ،
رقص وغناء ومجون .. والآن ماذا عساي أن أفعل ، والدتي إمرأة عابدة ولا أزكيها
على الله ، ليست راضية بما يحدث ، ولكن حبها الشديد لابن أخي سيجعلها تقضي
الليلة على خير .. أما أنا فمن عادتي أني إذا وجدت في مناسبة منكر فسرعان ما أ
قرر الخروج منها .. أمي لا أريد أن أتسبب في إحراجها بخروجي ، الكل يترجاني ،
الكل يدهده علىّ وكأنني طفلة صغيرة ..
استعنت بالله ، وأمسكت بالميكروفون وذكرت الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ، وتكلمت عن التبرج والسفور والنقاب .. وهذا عزائي أني عملت شيئاً لله ،
فالعمل مطلوب ، وإن لم يحقق ثمرة ، فإن حُققت فزنا بإذن الله ، وإلا فحسبنا
أننا جاهدنا وسعينا ، وأعذرنا إلى الله .
قررت أن أصعد إلى غرفة في الأعلى لأغض بصري عن القذى ، وأحمي أذناي عن السماع ،
وإن كان الصخب المؤذي للقلب والأذنيين يخترق الجدار والابواب ، إنني أشعر في
هذه الساعات بالذات بوحشة تجتاح نفسي ، ولن يخفف من ألمها إلا حبسها في تلك
الغرفة ، فنحن بحاجة إلى عنصر مقاومة للمغريات التي تُبث في طريقنا برشاشها
المتناثر .وتذكرت حديث رسول الله الذي رواه أبو داود ( إن من ورائكم أيام الصبر
، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثله ،
قلت يارسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال : أجر خمسين منكم ) وفي رواية : ( تجدون
على الخير أعواناً ، ولايجدون على الخير أعواناً ) .. أسأل الله الصبر فالإدبار
عن الشهوات لا يتأتى إلا لصبور . وصلتني الأخبار بما حدث فمنهم من قال أنه فيلم
هندي .. ومنهم من قال أنها مسرحية ، شعارات زائفة ، ورقصات خليعة مما يحرم على
المسلم أن يستمع إليها أو يحضر إليها . فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ) فقال
رجل من المسلمين : يارسول الله ومتى ذلك ؟
قال ( إذا ظهرت القيان والمعازف و شُربت الخمور ) .
من يخطط لنا هذه المسرحيات ؟ من الذين يتولون إدارة هذه القصور ؟ الجواب " لابد
أنهم من النصارى ، ومن أبناء جلدتنا الذين تربوا على أيديهم . فرقة من نصارى
الفلبين نساء كاسيات عاريات يقمن بالرقص بطريقة ماجنة وسط صخب من الموسيقى ..
يلعب بنا هؤلاء اليهود والنصارى في عصر الانفتاح ، فياعجباً لعاقل أسلم قلبه
وعقله لعدوه ، نسوا أن الله يراهم ، وأنه أقرب اليهم من حبل الوريد.. تتم في
هذه الصالات أحداث ومشاهد تشمئز منها النفوس المؤمنة ، أناس لم يكترثوا فيما
يرضي الله وفيما يسخطه ، خلط ومزج بين مايصح ومالايصح ..
وصدق الشاعر بقوله : ومن البلية عذل من لايرعوي ... عن غيه وخطاب من لايفهم .
ثم يبدأ المشهد الأخير وهو زفة العروسين ، وهذا المشهد مقسم إلى مشاهد وكأنك
تشاهد أحد أفلام ( هوليود )
تُغلق الأنوار على الحضور ، وتُسلط الأضواء على العروسين وهما على شرفة مرتفعة
، ويقوم العروسين بإلقاء الورود على الحضور وسط صخب من الغناء والصفير والصياح
، وكأننا في حلبة مصارعة ، وبعدها تبدأ المسيرة على أغنام الموسيقى أعني (
أنغام ) الموسيقى ثم أغنية خاصة ( بالدبلة ) التي هي من عادات النصارى ..
مشاهد استمرت قرابة الساعة والنصف الساعة .. إلمام بالمحاقر دون تورع ، أناس
اتبعوا أهواء النفس ، والجري وراء شهواتها إتكالاً على عفو الله ، والله عز وجل
يقول ( ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم
بآياتنا يؤمنون ) الأعراف 156 .
ويعود الأمر جله إلى النساء ، فمن السهل إغوائهن ..فهذا الشطط يفرضه على
المجتمعات في الشرق والغرب النساء ، وأشباه النساء ، ولهذا ركز أعداء الله
إفسادهن بشتى طرق الدعاية ، ثم هن يلعبن بالرجال لتنفيذ أفكارهن الكاسدة ، غرهن
شيطان الحضارة فاعتبروا تقليد العدوتطوراً وتقدماً فاُلبس الباطل ثوب الحق ،
وافسدت المعتقدات التقاليد ، وكل ذلك للفت الأنظار النهمة ، وارتقاب نظرات
الإعجاب تنهال عليهم من هنا وهناك .
وصدق من قال ( أن من يتجرع الإسلام بكماله وآدابه لايكاد يسيغه إلا متهوعاً
ولاحول ولاقوة إلا بالله .
وقد قال بعض الصالحين : طلب الجنة بلا عمل ، ذنب من الذنوب .. وارتجاء الشفاعة
بلا اتباع السنة ، نوع من الغرور .. وارتجاء رحمة الله مع المعاصي ، حمق وجهل
..