|
لايقتصر بر المسلم على والديه وزوجه وأولاده ، بل يتعداهم إلى أقاربه وذوي رحمه ،
فيشمل هؤلاء جميعاً ببره وحسن صلته ،وصلة الرحم من المبادئ الإسلامية الأولى ،
والأصول الكبرى التي طلع بها هذا الدين ..
فعن أبي أيوب الأنصاري أن رجلاً قال : يارسول الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة
، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( تعبد الله ولاتشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتُؤتي الزكاة ، وتصل الرحم )
متفق عليه .
أتواصل مع أهلي ، أما صديقاتي فهن قليل ، وليس لي صلة بهم إلا عن طريق التليفون
، فلقد ضعف التواصل مع الأقارب والأصدقاء في هذا الزمان ، وقد أصبحت ظاهرة
واضحة للعيان ، والمشكلة يولد بعضها بعضاً ، فتوالي الأيام والسنين يخفف
الاحساس بها ، ومما زاد الطين بله وجود تكاسل وضعف حتى في حضور المناسبات التي
تجمع بين الأقارب والأصدقاء ، فالقطيعة تزيد مع مرور الزمن وكثرة المشاغل ،
وأذكر موقفاً ظريفاً مر بي :
وهو أن عم أولادي ( وهو من الزوجة الثانية ) كان لديه محلاً تجارياً في السوق ،
فذهبت إليه مرة لشراء بعض الحاجيات وكانت معي ابنتي البالغة من العمر ست سنوات
، فلم يسلم عليها لأنه لايعرفها ، وهذا دليل على عدم التواصل حتى بين الأعمام ،
مع أننا في زمان التكنولوجيا الذي تعددت فيه وسائل الاتصالات .
وهناك أسبابُ عدة تسببت في ضعف التواصل الاجتماعي ، ومن أهمها ضُعف الإيمان ،
والبعد عن تعاليم الدين ، وهجر السنة وتزعزع التقوى في القلوب ، وتعلقهم بوسائل
الإعلام ، وازدحامهم على موارد الرزق ، كذلك وضعف السلطة الأبويه ،
فكبار السن الذين تناط بهم المسؤولية ، لايحملون هم اصلاح الوضع القائم فانكسار
حدتها أدى إلى تخلخل في الولاء للأسرة .. وللتحضر دور هام فقد ترك آثاراً واضحة
في بناء الأسرة من حيث نمطها ، والتي تندرج تحتها نطاق الأسرة في مجال العلاقات
الأسرية والاجتماعية . وخاصة ان كبار السن الذين تناط بهم المسؤولية ، لايحملون
هم إصلاح الوضع القائم .
وكذلك هناك أسباب تظهر أمام الإنسان لتبرر له الوضع القائم في عائلته ومن أهمها
:
وجود مشاكل قديمة لم تجدُ فيها محاولات الحل ، ووجود حاجز شعوري بين جيل الشباب
وجيل الكبار .
وليس للتباعد الجغرافي أثراً على العلاقات الاجتماعية ، إنما كما أسلفنا ،
وربما تقبل وتبني الأفكار والاتجاهات الجديدة ،وكثافة السكان ، وانفصال مكان
العمل في الغالب عن مكان الأسرة ، ربما جميع هذه التغيرات أدت إلى شيوع فواصل
أسرية تعرضت لها الروابط التقليديه بالانهيار والضعف .
وإلى هنا فربما مازال هناك صلة بين أفراد الأسرة الواحدة ، فالكل يرى ان اسرته
الصغيرة كفيلة بملء وقته ، واشباع حاجاته النفسية ، فيقصر همته على أقاربه
المقربين فقط .
ومستوى التواصل في الريف ، يختلف عنه في المدينة ، فالريف مازال يعتمد على
وحدات بنائية ، قرابية كالعشائر ، والأسرة الكبيرة الممتده ، وتمارس أعراف هذه
الوحدات سيطرتها على سلوك الأفراد ، وتنظيم العلاقات الاجتماعية ..
وكذلك نمط الأسرة الريفية أكثر إحكاماً في تنظيمها من الأسرة الحضرية .. وتلعب
العصبية القبلية دوراً هاماً في تنظيم العلاقات ، وظبط السلوك بين أفراد
العائلة ، والمجتمع في هذه المناطق الريفية يعرفون بعضهم بعضاً ، فالتزاور بين
أهالي الجيرة الواحدة أمر مألوف وعادي ، وتبادل أدوات النظافة ، والأدوات
المنزلية ، وفرح العائلة في الحي هو فرح الجميع إلى غير ذلك من مظاهر التواصل
الاجتماعي .
أما سكان المدينة ، أو الإنسان المتحضر ، فقد أدى تحضره إلى ضعف في العلاقات
بين الناس حتى في نفس الجيرة ، فالساكن في أي عمارة من العمارات الكبيرة يعرف
هذا حق المعرفة .. فقد تمر اعوام دون أن يتعرف على جيرانه في نفس العمارة ،
بل قد يمر العيد دون أن يتبادل التهنئة مع سكان العمارة نفسها .
وقد تكون العودة إلى العلاقات الاجتماعية كالماضي ، أو كأحسن ماكانت عليه ، من
الصعوبة جداً ، وذلك لأن الجيل الناشئ كابناء الإخوة والأخوات ، وصل بهم الحال
أن أحدهم لايتصل بالهاتف لأنه لايعده شيئاً ، وبهذا تكونت لديهم عادات ذات
مستوى منخفض من الصلة أوشبه معدوم ، وارتباطاتهم فقط أصبحت مع الأصدقاء ، لأنهم
يسيرون على ما تمليه عليهم أهوائهم ، لا على ما فرضه عليه ربهم .. وربما لايزيح
الغبار عن هذه العلاقات الفاترة إلا بالتعامل مع الله في احتساب الأجر ،
والعزيمة الصادقة ، ومعرفة أجور وبركات الصلة في قوله صلى الله عليه وسلم : (
من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ). متفق عليه ..