|
هناك في رحلة قطعنا فيها آلاف الأميال ، على متن طائرة يحملها الرحمن بين السماء
والأرض ، تحمل بين جنباتها عدداً من البشر، وكلٌ حسب نيته ، فمنهم مسافر لطلب
العلم ، ومنهم من يبحث عن الـــعلاج ومنهم من يقصد بسفره التحلل من التكـــاليف
الإسلامية ، فإن كان شاباً ، وجد كل منابع الفسق والفجور ، وإن كانت شابة ،
خلعت حجابها ، وهدت في نفسها قلعة الإيمان ، واستبدلتها بشوائب الإباحية
والحرمان . هناك في تلك البلاد التي تحمل هوية إسلامية بالإسم فقط ، لا بالمعنى
، ولا بالتطبيق . هناك ينشطر القلب شطرين وتغور جراحه يتلظى أمام أعاصير الفساد
، فيضيق الصدر ماذا عساه أن يفعل ، سوى الحسرة والدموع . شعب يغـوص في الشهوات
والشبهات والشرك والبدع إلا من رحم ربي ، يحين موعد الصلاة فلا تكاد ترى مصلياً
، إلا قليلاً ، سائق تاكسي يبلغ من العمر 60 عاماً ، سألناه ، هل تصلي ياعم ؟
نعم ولكن عندما أذهب إلى البيت .. شعب يكابد من أجل البقاء ، الفقر والجوع
والمعانــــاة ، يقوس ظهورهم ثقل الحياة وكمدها ، ويأبى العودة إلى الله ، وما
علم أن الله سبحانه يقول :
( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض .... )
المرأة في الشارع كأنها رجل ، فمن الطبيعي أن ترى امرأة تجلس على كرسي بقرب
دارها ، تمّسي ، وتصبّــح على المارة ، انقلبت الموازين ، وتبحبحت العــلمنة ،
وتقاعس الحق ...
إن مررت من جانب المقابر يصيبك الذهول ، علامات على كل مقبـــرة ، وتلك مقــابر
المسلمين ، بدع وضلالات ، ناهيك عن مقابر الصالحين ، ( كما يقولون ) التي تقدم
لها النذور ، والقربات ، جهل بالشرع ، وابتداع بالرأي ، حضارة نخر في جسمها
الإستعمار ، وقضى على إسلامها وأخلاقها ، وبقيت أفكاره المضللة ، وإياك ثم إياك
أن تقع عينك على أحد المسابح ، أو البلاجات ، فهناك خنازير ترد من بـــلاد
الكفر لتجد الراحــــة والإستجمام ، منظر يثير الإشمئزاز والضجر ...
فالملتزم هناك لا يجد الراحة بل هو مجبر على سماع الموسيقى في كل مكان ، حتى في
مقر نومه ، فمتى ! متى ينــزاح عن كاهل الأمة هذا الحمل ؟ ومتى ينقشع عن سمائها
ذلك الغمام ، ومتى تغاث صحرائك القاحلة يا أمة محمد كنت في حالة من الرعب
والأرق ، والتوتر ، خوفــــاً أن يخسف اللــــه بهــــم الأرض ونحن بين
أظهرهـــم ، كم تنـــاثرت دموعي نعياً على ضعفي ، وقلة حيلتي ، أدعو الله في كل
ليلة ، أن يخرجنا من هذا الجحيم ، ومنذ أن وطــأت قدماي أرض الــــوطن ، تنفست
الصعداء ، وشــــكرت الله على عظيم نعمه ...