|
يقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله : ( كلنا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر
) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الإمام محمد بن أدريس الشافعي رحمه الله : أجمع العلماء على أن من استبانت
له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد ، ويقول الإمــام أحمــد بن حنبل
رحمه الله تعالى : عجبت لقوم عرفـــوا الإسنـــاد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان
.. واللـه تعالى يقول ( فليحـــذر الذين يخالفــون عن أمـــره أن تصيبهــم فتنة
أو يصيبهــم عذاب أليم ) .
ويقول تعالى : ( ومآءاتكم الرسول فخذوه ومانهكم عنه فانتهوا )
ومع ذلك يأتي أقوام يدعون محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهم يخالفون أمره
ويزيغون عن هديه ، ويتحزبون إلى أحزاب وآراء ، وسنته واضحه وهديه نور ، ولا
نجاة لأحد إلا بإتباعه ، وقال عليه الصلاة والسلام :
( لايؤمن أحــدكم حتى يكون هــواه تبعــاً لما جئت بـــه ) فــا لإســلام بما
حوى من تعاليم إنمـــا يمهــد طريق الهداية للناس التي تأخـــذ بنواصيهم إلى
الكمــال .
وقال ابن القيم رحمه الله : ( وكل من له عقل يعلم أن فساد العلم وخرابه إنما
نشأ من تقديم الرأي على الوحي ) . ومن أعظــم البدع التي حدثت في تاريخ الإسلام
، تقديم العقل على النقل ، وادعاء أن العقل يخالف النقل في بعض الأحيان .
وإنها واللــه لظاهرة متفشية في هــذه الأيام ، وما يتقطع له نياط القلب ان
الأمــر تسرب إلى عدداً من الداعيات ، ممن تحمل منهن مسؤولية عظيمة ، ومكانة
عالية في مجال الدعوة ، فهي تهدر أقوال العلمــــاء فضلا ً عن مخالفــة سنــة
المصطفى ـ كيف لا ـ وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه عبد الله
بن عباس رضي اللــه عنهمــا :
( لايخلون رجل بامــرأة ، ولاتسافر امرأة إلا ومعها محرم ، فقام رجل فقال
يارسول اللــه أُكتتبت في غزوة كــذا وكــذا
وخرجت امــرأتي حاجـــة ، قال : اذهب فحج مع امـرأتك ) صحيح البخاري . فهو عليه
الصلاة والسلام ماترك طريق خير إلا دل أمته عليه ، وماترك طريق شر إلا حذر ها
منه ، فنقل الأمة من أخلاق الرذيلـــة إلى أخلاق الفضيلة .
ثم بعد ذلك نسمع أن عــدداً من النساء تسافر بدون محرم ، وماهــذا إلا استخفافا
منهن بأمــر الحبيب عليه الصلاة والسلام
وإذا سألتها عن سبب ذلك قالت ( الداعية فلانة ) تسافر دون محرم .
أرأيت أختي الداعية كيف أن مسؤوليتك عظيمة ، فالداعية المخلصة حريصة دائما في
أمرها ، لكي لاتوقع النساء في فتنة تتحمل وزرها وتسترسل في مطارح قد يسائلها
الله عنها يوم القيامة ، ولذلك قال ابن المقفــع : ( المؤمن بخير مالم يعثر ،
فإن عثر لــجّ به العثار ) .
فأنت يا أختي المسلمة استقامة منك على دين الله تأتين بالمأمورات بما استطعت ،
وتجتنبين جميع المنهيات ، وتضبطين أهوائك بعيدة عن الحدة والغلــواء ، لقوله
صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتــكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه
فاجتنبوه) أليس هذا الحديث حجة عليك ؟ ام تريدين أن تقولي كما قاله أهل الكتاب
( سمعنا وعصينا) ( نعيذك بالله ) فماذا بعد الحق إلا الضلال ، كيف يهون عليك
مخالفة أمر رسول الله ، وكيف تدعين حبه وتعصين أمره ، بحجة المنطق والعقل ،
والتسهيل ، والتعلق برأي مذهب من المذاهب فتحلين لنفسك ما حرم الله ، فاستنباط
الأحكام من القضايا الشرعية من اختصاص العلماء ، ليس من اختصاص طلبة العلم ،
ولامن اختصاص الدعاة والداعيات .
ولك أن تعلمي ياأختاه أن هذا الدين ليس طقوساً تُنقل بالوراثة ، إنما هي حقائق
مستخرجة من كتاب حكيم ، وسنة عظيمة ولانقول لماذا ؟ فهكذا جاء الشرع المطهر
الذي نصب للناس علامات يهتدون بها ، فليس لك أن تقدمي رأياً على رأي الله
ورسوله .. ولو كان الدين بالرأي ، لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره كما قال
علي رضي الله عنه .
فلا يجوز لنا مطلقاً أن نحكم عقولنا في النصوص الشرعية فنرد هذا " ونرد هذا "
مادام ثبت عن الله ورسوله فلابد أن نأخذ بـــه ، ولذلك نعى العلمــاء من القديم
على من قال بمسائل مخالفة للدليل ، فيجب فهم النص إلى ضوء كلام السلف لافهما ً
جديداً ، ولا اختراعاً حديثاً .. ومما يؤكد ذلك عندما اعترض بعضهم عند وكيع
رحمه اللـــه في قضية ( إشعار الهدي ) غضب غضباً شديداً وقال : ( أقول لك قال
رسول الله وتقول قال فـــلان ) .
وبهذا " نداء إليك أختي المسلمة بتقوى اللـــه ـ نعــــم ـ التقوى تلك الدرة
المفقودة ، والغاية المنشودة ، فقد كانت سجية من سجايا السلف ، دون تقديم
البراهين والحجج ، فنكون قد نفينا الريب عن أفئدتنا بعد أداءنا ما أوجبه اللــه
علينــا وتلك من ثمرات الإيمان ، وحديث المصطفى واضح لايحتاج لشرح ِ ، ولانسخ ،
وليس هناك عالماً ولاشيخاً يتقي الله يجيز سفر المرأة بغير محرم ، وكم من أبواب
فُتحت علينا ولم تُغلق ، عندما اختلط الحابل بالنابل ، وانحصر المسلمون في نطاق
تصوراتهم مما أزرى بنتائجها ، وذلك عندما عولجت أدواءها بأدوية رديئة .
فالمسلمة طالبة حق ، وباحثة عن الحقيقة ، تنشد الصواب وتفر من الخطأ .. وقد كان
من عادة اليهود أن يخلطوا الحق بالباطل ، تلبيساً على الناس فنهاهم اللـــه عز
وجل بقوله ( ولاتلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون ) .
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المّسلمين لوحيه ، العاملين بشـــرعه ، المتبعين
لسنة نبيه ، الواقفين عند حدوده ، إنه سميــع مجيـــب .