{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ
يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [سورة الكهف:1]
قال تعالى: {ﯢﯣ ﯤ ﯥ} ، "أي: شيئًا من العِوَج بنوع اختلالٍ في النظم وتَنافٍ في
المعنى أو انحرف عن الدعوة إلى الحق"([1])، "والعوج في المعاني كالعوج في
الأعيان"([2])، ومعنى (عوجًا): ميلًا عن الحق، ولو جاء بـــ(ميلًا) مكان
(عوجًا) لم يصح؛ لأن الميل يحمل عدة معانٍ ودلالات، منها دلالة الانحناء، وتأتي
مع الحرفين (إلى) و(عن)، كــــ مال إلى كذا، ومال عن كذا، ولذلك نجد الميل قد
يكون صائبًا وقد يكون خاطئًا، وربما حسنًا في جوهره أو قبيحًا، أو لا هذا ولا
ذاك، فالميل أنواع وأشكال، أما العوج فلا يكون إلا خطأً، ومعناه دائمًا: الميل
عن الطريق المستقيم، "تقول: في دينه عِوَجٌ، وفي الأرض عِوَجٌ"([3]).
وفي الآية ذكر سبحانه العوج فنفاه عن القرآن، فقال: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ
عِوَجًا} ، وهنا جاء به نكرة، والنكرة تدل على الإطلاق، وهذا يناسب المعنى، أما
الميل فلا يصح في الآية بدل العوج؛ لأن إيراد كلمة (ميلًا) هكذا من غير تحديد
هذا الميل وماهيته يجعل المعنى مبهمًا، ولا يمكن نفيه عن القرآن؛ لأن القرآن
يميل إلى كل ما هو خير، ويميل عن كل ما هو شر، فالميل فيه وارد.
هاجر بنت عثمان الجغيمان
________________________________________
([1]) تفسير أبي السعود المسمى "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم":
5/202
([2]) الكشاف للزمخشري، ص612
([3]) إصلاح المنطق لابن السكيت: 1/125