يستحيل الحديث عن تاريخ الصحافة العربية , دون ان يمثل اسم محمد هيكل على
قائمتها
! الذي وظف كفاءاته في مجال الإعلام , واستطاع أن يختط له مدرسة خاصة كما
يسميها مجدي خليل : مدرسة خاصة به وقال أنها إحدى مدرستين سيطرت على العقل
المصري والصحافة المصرية طوال نصف القرن الماضي .
ولع السبب تجده في شهادة أعداءة له كما جاء في شهادة فؤاد زكريا في كتابه "كم
عمر الغضب " رداً على هيكل كتابه "خريف الغضب.
فقال فؤاد : إن المرء لايملك إلا أن يشعر بوجود سر خفي في تلك المقدرة الهائلة
على جمع المعلومات واختزانها وإعادة استثمارها في الوقت المناسب , لقد سخر هيكل
من الضباط الذين قلبوا بيته الريفي بحثاً عن أوراق سياسية حال اعتقاله , لأنه
ببساطه يبعث بأوراقه أولا بأول إلى خارج البلاد .., ويتساءل فؤاد : هل يستطيع
فرد مهما كان ذكاؤه وتشعبت قدراته أن يجمع ويرتب بدقة ثم يبعث بها إلى خارج
البلاد في ماسماه "سلاح الأرشيف".
ولا ينفى هيكل عن نفسه فيقول : ليست هناك قيمة لرأى إلا إذا كانت قاعدته من
الأخبار والمعلومات واسعة وكاملة أو ما يسميها بالخطوة الأولى " ضمان تدفق
المعلومات ".
ماقاله هيكل وأكد عليه , هو حالة الإعجاب التي انتابتني وأنا اقرأ كتابين اعتمد
فيهما المؤلفان على الذاكرة بدقة متناهية , وصفاء ذهني ...هما " خارج المكان "
لإدوارد سعيد , و " آخر الخوارج" لرياض الريس .
وان كان الأول تفوق بصراحته المتناهية والتي وصفت بأنها أسرار لايمكن سردها إلا
على أريكة الطبيب النفسي!
هذا التحدي الذي يمتثل بتفريغ الماضي من دواخلنا, وصياغة حياتنا على الورق ,
وتجسيد الذاكرة بالكتابة ... وخاصة عند إعلاميين لديهم حس البحث عن الحقيقة ,
ويمتلكون البراعة التحليلية في تحليل الماهيات , وتجربة التعارف على مختلف
الهويات .
لا نجده في إعلاميين الخليج ممن مارسوا المهنية بشتى اطوارها , سواء من عاشوا
حقبة من الزمن خارج أوطانهم أو من سنحت لهم الفرصة بالألتقاء بالغرباء من
أقرانهم ..ولكنهم للأسف لازالوا ...خارج الزمان وليس المكان !
فوزيه الخليوي.
|