|
بسم الله الرحمن الرحيم
أنقل لكم القصة التالية بنصها كما سمعتــُـها من الشيخ [ عبد العزيز المقبل ]
في شريطه الجميل جداً " لا صُداع مع الحـِـوار "
يقول فضيلته :
ذات يوم طرق بابي رجـُـلٌ مُسنٌ أعرفه ، اختصر السلام ، و طلب أن يحدّثني في
موضوع .
طلبتُ منه الدخول ..
رفض !
ألححتُ عليه ، فليس من مناسـِـباً أن نتحدّث واقفيــْــن في الشارع ..
دخل و جلس في طرف المجلس !! و كأن الوصول إلى صدر المجلس سيؤخّر الحديث الذي
يمتلئ به صدره .
كان شيخاً أبيض اللحية ، ناحل الجسم ، ينطح الستين .. لكن من يراه يظن أنه جاوز
السبعين من عمره .
تكلّم بحماس شديد و كانت حركاتُ وجهه و يديه تعبــّـران عمــّـا لا يستطيع
التعبير عنه ، و تساعدان في رسْم عُـمق مأساته ..
مشكلته في زوجته و أبنائه ؟!
زوجته التي أصبحتْ – كما يقول – تــتـقاعس عن طلباته ، و تتأفف من آرائه ، بل و
تدير ظهرها لأوامره !
حتى أثّرت – كما يقول – على أبنائها ؟!
أصبحوا لا يطيعونه و يتضايقون منه ، بل و يكرهونه !!
كان يقسم الأيمان أنه لم يقصــّـر عليهم جميعاً في يوم من الأيام ..
و يظل بمرارة يستنطق ذاكرته عن الأيادي البيضاء التي أسداها لهم .
لكن زوجته – كما يقول أيضاً – تنكرتْ لذلك كله .
و أنا رثيتُ لحاله ، و كنتُ أحاول أن أرمي بعض الكلمات محاولاً تهدئته فيها ،
لكنني أدركتُ أخيراً أن مع هذه المعاناة التي يشعر بثقلها ؛ يعرضها بين حينٍ و
آخر على أحد الأقارب أو الجيران ..
لا ليسمعَ حلاً ..
فهو على يقين بأنه محق و زوجته و أبناءه المبطلون .
و لكن لينفّس عمــّـا يشعرُ به من ضيق .
عرفتُ من القريبين منه ، أن تصرفه مع زوجته و أولاده كان سيئاً ؟!
صحيح أنه لم يدخّر وســْـعاً في الجوانب المادية ، لكنه كان يحمل أفكاراً هو
فيها مقتنع و قد يكون بعضها صحيحاً .
و يريد من زوجته و أولاده فيما بعد أن يؤمنوا بهذه الأفكار دون مناقشة !!
و أن تحكــُـمَ هذه الأفكار سلوكهم دون جدال !!
و أن يسمعوا و يطيعوا بلا تردد !!
و قد ظلتْ الزوجة و الأبناء سامعين مطيعين لكن دون قناعة ؟!
تحملهم هــَـيبة الأب و خوفه على السـَـمع و الطاعة ، و يشعرون بضيق و هـُـم
يرون الآخرين يمارسون أموراً هم محرومون منها ، و يشعرون أن تلك الأمور لا شيء
فيها ، و أنّ حرمان الزوج أو الأب لهم منها نوع من التسلط .
و يظل الأب لا يقبل التدخل في سياسته البيتية ، و لو من أقرب المقربين أو أصدق
الناصحين .
و حين ترتخي يد الأب القوية و يدركه الكــِــبر و يكون في خريف العُمر؛ يكون
الأبناء قد اشتدتْ سواعدهم و قويت أجسامهم و لكن بعد أن ساءت تربيتهم وسط تلك
الأجواء .
فيقومون بالثورة على سياسته ، و قد تكون الزوجة المجروحة محرّضةً في تلك الثورة
.
لكن من المؤكّد أن الأب في سياسته التعسفية هو الذي وضع في ربيع حياته بذور هذه
الثورة ..
و واضحٌ أن هذا الزوج و الأب لو اتخذَّ الحوارَ وسيلةً لإيصال آرائه و توجيه
زوجته و أبنائه لضمن بتوفيق الله استمرار طاعة الأبناء و عدم نشوز الزوجة ، بل
و وجدَ من زوجته الطاعة الكاملة ، و الرعاية التامة ..
و من أبنائه التسابق على الإحسان إليه حين وصلَ حافــّـةَ الكــِــبر .
انتهى من شريط " لا صداع مع الحــِـوار "