المشهد الأول
رجل أو أب اتخذ مكاناً في غرفة منزله و حمل معه مصحفه و استعد و لقراءة آيات
ربه و أخذ يقرأ و أنسجم مع الآيات و استمر في القراءة و فجأة فُتح باب الغرفة و
إذا به طفله الصغير ذو الثلاث سنوات أو الأربع .. خطى خطوات نحو أبيه الحنون و
أتى من خلفه و لف ذراعيه على رقبة والده و أراد أن يقبّله .. هو لا يعلم ماذا
يقرأ والده و لمن يقرأ ..
لكن جرته رجليه و اشتاق لرائحة والده و قبلاته .. و فجأة يمسك والده بذراعه و
يشده و يدفع به .. ثم يقطع تلاوته و ينظر إلى ولده نظرة حادة و يأمره أن يذهب
إلى والدته .
فرجع الطفل يجر أذيال الخيبة و يرتمي في أحضان أمه ..
و يسأل سؤاله البريء : ماما ليش بابا زعلان مني ؟؟
فتجيب الأم بصراحة متناهية : لأنه جالس يقرأ قرآن .. عشان ربي يحبه .
المشهد الثاني
رجل أو أب ربما كان شارباً للدخان أو أنه هكذا صاحب مزاج عصبي .. و في عصر أحد
الأيام كان جالساً أو واقفاً أو يمشي - لا يهم - المهم أنه أتاه ابنه الصغير ذو
السبعة أعوام و أراد طلب منه طلب فارتفع صوت الوالد عليه ،، ثم أخذ ينتقد كل
عملٍ بالبيت و يوبّخ هذا و ينادي ذاك بصوتٍ عالي و لا يعجبه العجب و ابنه
الصغير يتأمل هذه المشاهد كلها و هو مستعجب .. أبي لا يكون هكذا ليلاً فما باله
بالنهار ينقلب حاله .
فكّر و عرف أن الإجابة ستكون عند الأم .. فسارع نحوه و سألها بلهفة
أمي وش فيه أبوي يزعّق و يخاصم كذا ؟؟
قالت الأم : لأنه يا حبيبي صائم .. و تعرف أبوك إذا كان صائم !!
المشهد الثالث
رجل أو أب مرح جداً و يحب أن يلعب مع أطفاله و يلعبون معه ،، هم براعمه التي لم
تتفتح و هو ماؤهم الذي لا يستغنون عنه يحبهم و يحبونه ،، يتحدث إليهم و هم
منصتون و كثيراً ما يتحدثون إليه و هو منصت .
في أحد المرات و قبل صلاة المغرب كان الجميع في السيارة ذاهبون أو آيبون ،، و
كالعادة لا تخلو مجالس سيارتهم الصغيرة من الحديث الودي و المرح البريء بين
الوالد و أطفاله .. كان يجلس خلف الأب طفله الصغير صاحب الخمسة أعوام فاقترب من
كرسي والده و وقف و أراد أن يفاجئ ألأب بلفتة جميلة فوقف خلف والده و قال :
بابا من أنا ؟؟ فلم يجد الصغير جواباً !!
فرفع حاجبيه مستغرباً ، ثم كرر السؤال .. بابا حزّر من أنا ؟؟
و الأب صامت !! و الابن زاد عجبه ماله أبي لا يجيبني
فقطع ذلك التساؤل صوت أمه الحنون و هي تقول : بعدين يا حبيبي ما تشوف بابا يقرأ
أذكار المساء إذا انتهى رد عليك .
الحقيقة أن المشاهد الثلاثة السابقة كتبتها من نسيج خيالي لكنها تقع و لعلكم
لاحظتم هذا .
السؤال المطروح :
ماذا ينتج عن هذه الأعمال ؟؟ أقصد ماذا سيحصل للابن إذا عامله والده في جميع
الأحوال بشخصية و في وقت أدائه للعبادة بشخصية أخرى ؟؟
هنا سيعتقد الطفل أنه من حق الأب أن يعامل أطفاله بغلظة و جفاء طالما أنه يؤدي
عملاً لله !!
سينشأ عند الطفل عقدة كره وقت العبادة إن لم تكن العبادة نفسها .
فأبوه طيب و حنون إلا إذا جاء وقت الطاعة .
بإمكان الأب مثلاً أن يقطع قراءته و يجيب ابنه و يبادله شعوره ثم يطلب منه بلطف
أن اذهب إلى والدتك و أغلق الباب من خلفك .
و بإمكانه قطع الذِكر الصباحي أو المسائي ليجيب ابنه ثم يطلب منه بلباقة أني
أريد أن أذكر الله و بعدها سأفعل لك ما تريد .
و قس على ذلك بقية العبادات .
إن إجابة رغبات الطفل حتى في حال الطاعة ينتج عنه أمور ...
الأول / أن الطفل سيحب العبادة لأنها لم تمنعه من أبيه .
الثاني / أن الطفل سيكون لديه إشباع كافي لما يرغب به فلا ينتظر مرور الوقت
ليحقق ذلك .
الثالث / أن نفس الطفل لم تنكسر بسبب ذلك .
أستعرض معكم هذه الأمور و يتراءى لي مشهد من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم
حدث في مسجده
لمّا سجد فأتى الحسن أو الحسين و بكل براءة فامتطى ظهره عليه الصلاة و السلام و
ما قام جده صلى الله عليه و سلم بل انتظر و انتظر المسلمون وراءه حتى اكتفى
الحفيد فنزل عن ظهره الشريف - بأبي هو و أمي - فلما فرغ من صلاته سأله الصحابة
عن سبب تأخره في سجدته ليخبرهم أن ابن ابنته امتطى ظهره فكره أن يؤذيه .
فأي خُلق و أي تواضع و أي تربية
صلى الله عليه و على آله .