لكن قبل الحديث ، أقول أنني قد لا أبوحُ بـِــسِر إذا قلت :
( أنني إنسانة عصبية !! و قد يثيرني أدنى مثير ؟! ) .
قلت :
الإنسان مجموعة مشاعِر و انفعالات ..
يغضب ،، يحزن ،، يثور ،، يبكي .
مهما بلغ إيمان المسلم و قوّة صبره ..
فهو يظل إنسان .
يحب الكلمة الجميلة ..
و تأسره العبارات الرقيقة .
يكره أن يـُـقدَح ، و يحـِــب أن يـُــمدَح .
قد تحزنه كلمة !
قد تغضبه همسة !
قد تبكيه نظرة !
أكتب هذا الكلام و يتجلى أمامي موقِف حصل في عهد النبوّة ، أمام رسول الله صلى
الله عليه و سلم ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلاً شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه و سلم
جالس يتعجب و يبتسم، فلما أكثر ردّ عليه – أي أبو بكر - بعض قوله ..
فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فلحقه أبو بكر قائلاً له : يا رسول الله كان
يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبتَ وقـُـمتَ
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان معك مَلَك يرد عليه ، فلما رددتَ
عليه وقع الشيطان ( أي حضر )
يا أبا بكر ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظـُـلِمَ بمظلمة فيُغضي ( أي يعفو ) عنها
لله عز و جل إلا أعزَّ الله بها نصره .. و ما فتح رجل باب عطِيَّة ( أي باب
صدقة يعطيها لغيره ) يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة .. و ما فتح رجل باب
مسألة ( أي يسأل الناس المال ) يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قِلَّة .
هذا أبو بكر الصدّيق .. الذي قال عنه عليه الصلاة و السلام :
( لو وُضـِـع إيمان الأمّــة في كـِـفة و إيمان أبي بكر في كـِـفة ،
لَــرَجَــحَ إيمان أبي بكر )
هذه ليست دعوة كي يرد الإنسان على كل ما يُقال عنه ..
لكن أقول :
أن الإنسان يظل إنسان !
لديه مشاعر ..
عنده ردّات فِعل .
لذلك ما أجمل أن يـَـعذر بعضنا بعضا .
و نوجـِـد الأعذار لما يُقال و لما يـُـفعل .
أحياناً ..
يكون للإنسان ردّات فِعل لانفعالات مخفيـّــة في نفسه !
أحياناً .. يمرّ بالمرء ظَرف يجعله مشدود !
مضطّرب !
لا يركّــز فيما تقول !
و ربما يبقى صامت لا يتحدّث ! و فِكره و هـَـمّه فيما يشغله ..
قد أحيطت به ظروف لا يعلم بها سوى عالم الغيب و الشهادة ..
فلمـّــا رأى ما لا يعجبه ..
أخرج لهيب نيران دواخله !
فيصبح كما قال الشاعِر :
صامتٌ لو تكلّمـا لفظَ النّارَ و الدِما !
إذن نحن البشـَـر قد خلقنا الله و لم يجعلنا في معزِل ..
فالإنسان اجتماعيٌ بطبعه كما يقول ابن خلدون .
لذلك فليعـْـذر بعضنا بعضا ..
و لنرفع راية ( لعلَّ لأخي عُذرٌ لا أعلمه ) .
مشكلتنا أننا لم نروّض أنفسنا على ( مـَـســْــك ) الأعصاب !
و قد تتفلـّــت مـِـنا ..
حتى أنّ أحدنا لَيقولُ كلمةً قد يندم عليها حتى يموت .
كم في المقابرِ مِن قتيلِ لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعـانُ
و لعلّي أوّل مَن يُـنصَح بهذا !
و ( إنما الحِلم بالتحلـّـم ) .
قرأت مرّة ..
قد لاحظ علماء النفس أن بين الخطأ والصواب فترة قصيرة .. دقيقة ؛ دقيقتان .
فمثلا إذا ضايقك شيء فلا تغضب سريعاً ..
توقف . خذ نفسك . انتظر .
و تُسمى هذه النظرية بـِــ ( نظرية الدقيقة الواحدة )
هذا عِند أهل الغـَرب ..
أما نحن المسلمين
فإننا قبل أن ( نتوقـّـف و نأخذ نفس و ننتظِر )
فإننا نقول : أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم .
حدثنا علي بن عبدالله قال :حدثنا أبو أسامة قال: سمعت الأعمش يقول : حدثنا عدي
بن ثابت ، عن سليمان بن صرد قال :
استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه ، فنظر
إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
إني لأعلمُ كلمة لو قالها لذهب هذا عنه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
فقام رجل إلى ذاك الرجل . فقال: تدري ما قال ؟ قال : " قل أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم " فقال الرجل : أمجنون تراني ؟
حديث صحيح .
ثم إذا تعوّذ مِن الشيطان الرجيم ، ينتقِل على خطوة أخرى
عن أبي ذر _ رضي الله عنه _ أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع )
رواه أبو داود واللفظ له وأحمد وإسناده صحيح .
فإن مازال غاضباً فإن الشرع قد وصّاه بوصيــّـة أخرى ..
عن عطية ( وهو ابن سعيد القرظي ) _ رضي الله عنه _ أنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :
( إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء
،فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )
رواه أبو داود واللفظ له وأحمد.
لست والله في مقام نـُـصْــح أو وعظ ..
غير أنها كلمات جاشت في نفسي ..
و مَن كتبتها هي أحق بالتعليم مِن غيرها !
فإنني في كثير مِن الأحيان تتفلـّــت أعصابي ..
فيتفلـّـت لساني !
و الغضوب
يصبح أعمى البصر و البصيرة !
فلا يرى مَن أمامه ..
و كـُـلَّ هـَــمّه أن يخرج أنفاس حارقة ! .
أخيراً ..
حدثنا أحمد بن يونس قال : حدثنا أبو شهاب ، عبد ربه عن يونس عن الحسن عن ابن
عمر قال :
" ما من جرعة أعظم عند الله أجرا من جرعة غيظ كظمها ، ابتغاء وجه الله "
موقوف رجاله ثقات وقد صحح مرفوعا .