حينأُتهمتْ أمنا عائشة – رضي الله
عنها - في قصة الإفك قالت كلمات بسيطة لكنها قويةو مُفحمة
.. " والله لقد علمتُ ، لقد سمعتم بهذا
الحديثِحتى استقرَّ في أنفسكم و صدّقتم به
، فلئن قلتُ لكمإني بريئة– و الله يعلم أني بريئة
– لا تصدقونني، و لئناعترفتُ بأمرو الله يعلمُ أني بريئة منه
لتصدقنّي،فوالله ما أجدُ لي و لكم
مثلاً إلا كما قال أبو يوسف { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُالْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا
تَصِفُونَ}
"
في حادثة الإفك قصص و عِبركثيرة ، قد نتفطّن لبعضها و قد
نغفل عن كثيرٍ من الحـِـكمِ فيها
.. و هي حادثةٌهزتْ المدينة كلها و أثرّت على
رسول الله و على زوجه عائشة و على كل مسلم حتى وقتناهذا
.
قصة حادثة الإفك قصةٌ طويلة
وردتْ في صحيح البخاري و مسلم ، لكن سأوردهُنا بعضاً منها و أعلّق عليها
.. لأن قِصّة الإفك نراها تتكرر
الآن في عصرناالحالي
أناسٌ تــُـتهم زوراً و ظُلماً
و بهتاناً و أشخاص آخرين يتبنّونهذا الاتهام و يتصدرونه
.. و آخرين ينقلون الكلام دون
تثبّت أو تروّي والتأكـّـد من صِحة ما قيل
.
و إنا
لله و إنا إليه راجعون
أمـا والله إن الظُلْـمَ لـؤمٌ و مازال المسيءُ هو الظلومُ
إلى الديّان يومِ الدِينِ نمضي و عند الله تجتمعُ الخصومُ
بعدما
علمتْ السيدة عائشة – رضي الله عنها - بخبرٍ تناقله أهل المدينة ، و الذي تولّىكـِـبره عبد الله بن أُبيّ بن سلول فاغترَّ بعض المسلمين بكلامه فنشروه و تكلموابه و صدقّوا ما قيل عن أطهرِ عـِـرض و عن أطهر زوجة ، و يكفي
مقامها شرفاً أن تكونزوجاَ للحبيب عليه الصلاة و
السلام .
تقول عائشة – رضي الله عنها - :
فبكيتُ تلك الليلة حتى أصبحتُ لا يرقأ لي دمعٌ و لاأكتحلُ بنومٍ ، ثم أصبحتُ أبكي
.
و قالت بعد أن علمتْ بمشورة أسامة وعلي – رضي الله عنهما :
و بكيتُ يومي ذلك لا يرقأُ لي دمعٌو لا أكتحلُ بنومٍ ، و أبواي يظنان أن
البكاء فالق كبدي
.
و قالت :
دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلّم ثم جلسفتشهّد رسول الله صلى الله عليه و سلّم
حين جلس ثم قال
: أمّا بعدُ يا عائشة ،فإنه قد بلغني عنكِ كذا و كذا ، فإن كنتِ بريئة فسيبرئكِ الله
،و إن كنتِ
ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله و توبي إليه ، فإن العبدَ إذااعترفَ بذنبهِ و تاب تاب الله عليه
.
قالت :
فلمـّـا قضى رسول الله صلى الله عليه و سلّم مقالته ، قــلـُصَ
دمعيحتى ما أحسُّ منه قطرة ، فقلتُ لأبي : أجبْ عني رسول الله ،
فقال : والله ما أدريما أقول لرسول الله صلى الله عليه
و سلّم .. فقلتُ لأمي أجيبي عني رسول الله ،
فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلّم
قالت : فقلتُ و
أنا جارية حديثة السِن لا أقرأُ كثيراً من القرآن
" والله لقد علمتُ ، لقد سمعتم بهذا الحديثِ حتى
استقرَّ في أنفسكم و صدّقتم به ،فلئن قلتُ لكم إني بريئة – و الله يعلم أني بريئة – لا
تصدقونني ، و لئن اعترفتُبأمر و الله يعلمُ أني بريئة
منه لتصدقنّي، فوالله ما أجدُ لي و لكم مثلاً إلاكما قال أبو يوسف { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
عَلَى مَا تَصِفُونَ} "
قالت : ثم
تحوّلتُ فاضطجعتُ على فراشي ،قالت
:
و أنا والله أعلمُ حينئذٍ أني بريئة و أن الله تعالىمبرئي ببراءتي، لكن
والله ما كنتُ أظنُّ أن يُنزل في شأني وحيٌ يُتلى ، ولشأني كان أحقرُ في نفسي من أن يتكلّمَ اللهُ فيَّ بأمرٍ يُتلى
، و لكن كنتُ أرجوأن يرى رسول
الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها
.
قالت : فوالله
ما رام رسول الله مجلسه و لا خرجَ من أهل البيت أحدٌ حتى أنزلالله على نبيّه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عن الوحي حتى
إنه ليتحدّر منه مثلالجُمان من
العـَـرق - و هو في يومٍ شاتٍ – من ثـِقــَـلِ القولِ الذي أُنزلَ عليه
. قالت : فسرّيَ عن رسول الله صلى الله عليه و سلّم
و هو يضحك ، فكان أولَ كلمةٍتكلم
بها أن قال : " أبشري يا عائشة أمـّـا الله عز و جل فقد برأكِ "
قالت :
فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلتُ : والله لا أقومُ إليه و لا أحمدُ إلا الله
عز وجل هو الذي أنزل براءتي
. و أنزل الله عزّ و جل { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوابِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ
بَلْ هُوَ خَيْرٌلَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا
اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّىكِبْرَهُ
مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ
........ }
الآيات العشر من سورة النور
=================
و في القصةوقفات و فيها عـِـبرةٌ و عظة و في القصّة سلوىً لكل من أُصيبَ أو أصيبتْ فيأعراضهم و سلوىً لكن من قُذفَ بتهمةٍ هو منها بريء و الله
يعلمُ أنه بريء .
في القصة تقول أمنــّـا - رضي الله عنها -
:
وبكيتُ يومي ذلك لا يرقأُ لي دمعٌ و لا أكتحلُ بنومٍ ، و أبواي
يظنان أن البكاء فالقكبدي
.
و هكذا هي حالُ النساء و حال الضُعفاء ، حين
يجدون أنَّ الناسكلهم ضدهم و أنه
لا حـِـيلةَ لهم يدافعون بها عن أنفسهم أو يـُـسكتون ألسنةالسوء عنهم فلا يجدون سوى الدموع تنفــّـس عنهم بعض ما يجدون
، و تطفئُ شيئاً مننارٍ مشتعلة
بصدورهم .
*****************
و في القصة ذكرت عائشة –
رضي الله عنها - :
دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلمفسلّم ثم جلس فتشهّد رسول الله صلى الله
عليه و سلّم حين جلس ثم قال
: أمّا بعدُيا عائشة ، فإنه قد بلغني عنكِ كذا و كذا ، فإن كنتِ بريئة
فسيبرئكِ الله ، و إنكنتِ ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله
و توبي إليه ، فإن العبدَ إذا اعترفَ بذنبهِ و تابتاب
الله عليه .
بأبي هو و أمي عليه الصلاة و السلام لم
يعنفــّـها ولم يوبخــّـها و لا
أسمعها أقسى الكلمات كان طوال فترة مرضها ساكتٌ لا يتكلم :: و هكذا ينبغي لنا أن نراعي ظروف الذين سمعنا عنهم
أو رأينا منهم ريباً ، فمنالحِكمة
أن نتأنــّـى في الحديث حتى تتهيأ الظروف . و من الحِكمة أننـتـثـبـّـثَ من كل ما نسمعه .
بأبي هو و أمي عليه الصلاة و السلام ..
قدّم لزوجته حلولاً بعد أن أبلغها ما سمعه عنها ،
ما هاجمها أو جعلها في موضعاتهّام ترك لها فرصةً لتفكّر فيما تفعله بعد ذنبها إن هي
أذنبتْ ..
ما قـذفها بكلامِ قبيح ثم تركها و ذهب ، و منععنها كل فرصة دفاع و لا قذفها بكلامِ قبيح ثم أمرها بأن تدافع عن
نفسها
بل في أسلوبه الحِكمة و الرحمة أسلوب الشفيق الرحيم ، الذيآلمه أن يسمع عن زوجته ما سمع
أولاً طمأنها بأن الله سيبرئها إن كانت بريئة و كأنه يلمّح لها بأن تثق بالله و تعلمَ بأنه
يسمع و يرى و سينصر الذينظــُـلموا
ثم طمأنها أكثر و ذكّرها بعظيم عفو الله و أن
المسلم يمكن أن يخطئو يذنب و هذا
أمر عادي لكن الغير عادي أن لا يستغفر و أن لا يتوب و أن
لا يعترفأصلاً بأنه أذنب ، بل و
يلقي بجريرة ذنبه على غيره و يتهمُّ غيره بأنه السبب فيماوقع فيه .
بأبي أنت و أمي يا رسول الله .
***************************
قالت – رضي الله عنها – :
فقلتُ لأبي : أجبْ عني رسول الله ، فقال : والله ما أدري ما
أقوللرسول الله صلى الله عليه و سلّم ..
فقلتُ لأمي أجيبي عني رسول الله ، فقالت
: والله ما أدري ما أقول
لرسول الله صلى الله عليه و سلّم
موقف رائع وحكيم من أبي بكر الصديّق و من زوجته لم يدافعا عن ابنتهما و لم يعترضا على زوجهاصلى الله عليه و سلّم كانا يحميان أنفسهما بأن يتكلما بكلمةٍ قد تزيد
الأمرَسوءً أو تعقيداً
و هكذا ينبغي لمن وقف موقف القاضي ، فإن لم يستطع
أن يحددموقفه أو يقول كلمة تصلّح
الموقف فما أجمل السكوت .
************************
قالت – رضي الله عنها - : "
والله لقد علمتُ ، لقد سمعتم بهذا الحديثِ حتى
استقرَّ في أنفسكم وصدّقتم به ، فلئن قلتُ لكم إني بريئة – و الله يعلم أني بريئة
– لا تصدقونني ، ولئن اعترفتُ بأمر و الله يعلمُ أني
بريئة منه لتصدقنّي ، فوالله ما أجدُ لي و لكممثلاً
إلا كما قال أبو يوسف { أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُعَلَى مَا تَصِفُونَ}"
من قالت هذا الكلام هي نفسها التي قالت : وبكيتُ يومي ذلك لا يرقأُ لي دمعٌ و لا أكتحلُ بنومٍ ، و أبواي
يظنان أن البكاء فالقكبدي .
لأنها الآن أصبحتْ في موضع مواجهة ، و الدموع لا
تكون حلاً الآن .. الآن هي في موقف دفاع عن نفسها .. فماذا تصنع و هي لا تجد دليل براءتها؟؟
و كيف تصنع و هي ترى نظرات التُهمة في عيون من
حولها ؟؟
و ماذاتقول و هي تعلم و الله يعلم أنها بريئة ؟؟
و بــِـمَ ينطق لسانها و هي تعلمأنه لن يصدّقها أحد ، لو تكلمتْ حتى تقوم الساعة
..
لذا عرفتْ أنه لن ينصرهاو لن يظهر الحق و يأخذ لها بحقها مـِـن مــَـن ظلمها إلا عالمَ
الغيبِ والشهادة رَبُّ السمواتِ و الأرض الذي حرّم الظلمَ على
نفسه .
فأوكلتَأمرها إليه و هي تعلمُ أنه نــِـعمَ الوكيل .
فلمــّـا كان هذا حالُها .. و لمــّـا كانت بريئة .. و لمــّـا صدقتْ في توكلها على ربها ..
جاء النصر فوراً، و ظهرتْ الحقيقة و تجلّتْ
الغمامة السوداء لتنزل آياتٌ تـُــتلى إلى يوم القيامة
آياتٌ فيها عِبرةو عِظة لكل متعظ ، و فيها سلوى لكل مظلوم .
و هكذا همالمظلومون
.. يتجرّعون آلاماً كبيرة .. و تغصُّ بهم دموعهم .. تمرُّ عليهمأياماً عصيبة ، و أوقات مريرة .. حين يظلمهم الناس .. و حين لا يجدون حيلةًفي أخْذ حقوقهم .. و حين تتقطّع بهم السُبل .. يعلمون أن في السماء رَبٌّيبغض الظلم و يحبُّ العدل . لذلك تخرج دعواتهم صادقة و دموعهم تسابق تلك
الدعوات، و بقلبٍ صادقٍ متيقــّـن
يعلمون بأنهم منصورون
فيأتي الفــَـرج من عند ربٍلا يسهو و لا ينام عليمٌ بصير ، مجيب لدعوة المظلومين ..
حينها و حينهافقط يعلم المظلومون
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
لَقَدِيرٌ}
و حينها
{ َسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}