إنّ المتأمـّـل لهذه الآية يعجَبُ مِن تناقض الأوصاف الموجهة لنفس الشخص .
فالذي يـُـقال عنه أنه (فَقَدْ سَرَقَ) هو نفسه يُقال عنه ( إِنَّا نَرَاكَ
مِنَ الْمُحْسِنِينَ )
ألسنا في تعاملنا مع الناس نصنع ذات الفِعل ؟؟
إنّ إخوة يوسف حين قالوا عنه (فَقَدْ سَرَقَ) ، حكموا مِن خلال رواسب في أنفسهم
و مِن خلال مشاعِر في دواخلهم ..
الوصف و الحُكم لم يكن صادقًا ، لكنه قيل .. بسبب مشاعِر البُغض التي كانوا
يجدونها على أخيهم .
و لمّا التقوا به – عليه السلام – و لم يعرفوه قالوا عنه ( إِنَّا نَرَاكَ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ)
لأن وصفهم كان مجرّدًا مِن كل ( رواسب ) و مِن كل مشاعِر قد ( تشوش ) الحقيقة و
تلقي بها جانبًا .
ألسنا نطبّق هذا الفِعل مع الناس في بعض الأحيان ؟؟
ألسنا نحكُم على الناس و نبني تعاملاتنا معهم وِفق تصوراتنا الشخصية و ما
تكنّـه أنفسنا تجاههم مِن مشاعِر؟؟
فقد نحِبُّ ، فنبالِغ في المدح حتى يصِل لحد الكذِب !
و قد نُبغِض ، فنبالِغ في الذم حتى يصل لدرجة البُهتان !
و قد قيل :
و عينُ الرِضا عن كِل عيبٍ كليلةٌ = كما أنّ عينَ السُخْطِ تُـبدي المساويا
إنّ الحُـكم على الناس ، أمانة ..
و وصفهم بما ليس فيهم ، قد يجرّ ذنبًا يعقبه ذنب .
فمِن الكذِب .. إلى الظُلم .. إلى البُهتان .. إلى الإيذاء باللسان و الجسد .
و الله عزّ و جلّ حين جعلنا شهوده سبحانه في أرضه ، فإنَّ هذه الشهادة لن تخرَج
مِن نفس إنسان متحيـّـز !
و قد يحمِل مشاعِرًا تدفعه لظُلم أخيه المسلم أو اتـّـهامه بما ليس فيه .
( و الحقُّ أحقّ أن يـُـتبـّـع ) مهما كان قائله .
إن نعجب مِن إخوة يوسف فيزداد العجب مِن قوم موسى ..
حين أُومـِـروا بالاجتماع كي يروا المناظرة بين موسى – عليه السلام – و بين
السحرة ..
إذن ..
هـُـم مقررون في داخلهم أن يتـّـبعوا السحرة و ليس الحق !
و هذا نِتاج ما في أنفسهم مِن مشاعِر ( غير متّــزنة ) تِجاه موسى و تِجاه
السحرة .
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية :
(( فلوا وُقـّـــقوا للحق لقالوا : لعلنا نتـّـبـِـع المُحـِـقَّ منهم ، و
لِـنعرِف الصواب ، فلذلك ما أفاد فيهم ذلك ، إلا قيام الحُــجّــة عليهم . ))
أهـ .
إننا بحاجة لمراجعة أنفسنا و إنصاف الناس حين نحكُم عليهم ( إن كان هُناك حاجة
للحُكم ) ..
ثم إنّ الله أعلمُ بسرائر الناس ..
و لم يوكّلنا سبحانه كي نتتبع الناس و نحكم عليهم و ( نحاكمهم )
{ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }
و بعض الناس جعل مِن نفسه حاكِمًا قاضيًا !
يحكم بما يشاء و كيفما يشاء ..
و هذا – والله – ظـُـلم ، لا يقبله إنسان .
أسأل الله العظيم أن يحمي أسماعنا و أبصارنا و ألسنتنا عن كل حرام و يوفقنا
لنيل رِضاه بعملٍ صادقٍ خالص .