|
بسم الله الرحمن الرحيم
حتى نعرف حجم الأثر الذي يتركه الحراك الثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي ،
لنلقي الضوء على الاحصائيات الصادرة مؤخرا عن عدد مستخدمي مواقع التواصل
الاجتماعي ، فحسب ما أصدره مركز البحوث والدراسات بأكاديمية شرطة دبي : فقد
تعاظم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي حتى تجاوز عدد
المستخدمين للفيسبوك والتويتر واليوتيوب أكثر من ٢١،٣ مليون مستخدم في عام
٢٠١٢م .
كذلك ما أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي بأن مواقع التواصل في
السعودية تأتي في المركز الرابع بين شعوب القرية الكونية ، وإن استخدام الواتس
آب جاء في مقدمة تلك الرسائل .
ومؤخرا قيل أن عدد مشتركي تويتر في العالم وصل إلى نصف مليار مشترك ، الفاعلين
منهم ٥٠ مليون فقط .
بناء على ما سبق من إحصائيات يتضح لنا حجم الأثر الذي يتركه الحراك الثقافي من
خلال هذه المواقع فمتى كان هذا الحراك هادفاً إيجابياً وصادقاً موضوعياً
ومسئولاً ، يقوده الأمناء المخلصين والوطنيين الشرفاء والإعلاميين الصادقين ،
فإنه سيكون حراك بناء وتجديد للوعي ونشر لثقافة سليمة راقية ، ويفترض في مثل
هذه الحراكات أن تحافظ على عقول أبنائها من التسمم الفكري والتلوث الثقافي
المبني على الحريات المنفلتة والتشكيك الفلسفي الإلحادي ، بناء على نظريات
ملحدة أو مدارس عقلية مفلسة أو استصدار ثقافات خارجية مغرضة .
والخطاب الثقافي غالبا يتكون من شكل (قالب) يتمثل في الأسلوب والمفردات
والألفاظ ، ومحتوى (مضمون) وهو ما يحمله الخطاب من مضامين ومعاني وقيم ومبادئ .
والأساليب والألفاظ في الشريعة الإسلامية لها قيمتها ووزنها ، ولا أدل على ذلك
من حديث معاذ بن جبل قال : يا نبيَّ اللهِ ! وإنا لَمُؤاخذونَ بما نتكلَّم به ؟
قال : ثَكِلَتْك أُمُّك يا معاذُ ! وهل يَكبُّ الناسَ في النَّارِ على وجوهِهم
إلا حصائدُ ألسنتِهم .
فحصائد الألسن وعثرات اللسان ، وتجاوز حدود مسئولية الكلمة بدعوى الحرية
والانفتاح على الآخر سبب للكب في النار وللمسائلة الشرعية .
ولذا جاء التذكير من الله عز وجل بأهمية الكلمة وآثارها حيث قال تعالى " ما
يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ، فمتى ما استشعر المتكلم أو الكاتب هذه
المتابعة والمراقبة ممن يحصى قوله ويكتب كلمه فإن ذلك يدفعه إلى الانتقاء
والارتقاء بخطابه إلى ما يرضى الله عز وجل ، مستحضرا قول النبي صلى الله عليه
وسلم " إنَّ الرجُلَ لَيتكلَّمُ بِالكلِمَةِ من رِضوانِ اللهِ تَعالى ما
يَظُنَّ أنْ تَبلُغَ ما بَلَغَتْ ؛ فيَكتبُ اللهُ له بِها رِضوانَهُ إلى يَومِ
القِيامةِ ، وإنَّ الرجُلَ لَيتكلمُ بِالكلمةِ من سَخَطِ اللهِ تَعالى ما
يَظنُّ أنْ تبلُغَ ما بَلَغَتْ ؛ فيُكتُبُ اللهُ عليه بِها سَخَطَهُ إلى يَومِ
القِيامَةِ "
وهذه النصوص وغيرها تعد وثيقة منهجية ومرجعية أصيلة ، لكل من يتصدى لتوجيه فكر
الأمة وبناء خطابها الثقافي .
ولا مانع من تطور الخطاب الثقافي من ناحية الألفاظ والأساليب وطرق العرض
والاستفادة من الاستراتيجيات المدروسة والنماذج المجربة من هنا وهناك ، أما
المحتوى والمعاني والتي تتمثل في القيم والمباديء والعقائد والأخلاق ، فلا
تستصدر ولا تستقطع من ثقافات غيرنا ، لارتباطها بأسسنا الشرعية وهويتنا
الإسلامية ولغتنا الأصلية .
وأخطر ما يهدد خطابنا الثقافي أن يكون جسرا لمرور أطروحات تغير نهج المجتمع
وثوابته ، أو أجندات فكرية مشبوهة ، عبر أوعية الخطاب المختلفة كالمقال أو
القصيدة أو القصة والرواية .
لذا يشترط أن يكون الخطاب الثقافي نابعا من ثقافة المجتمع ، وبالأسلوب المناسب
الذي يدركه أفراد المجتمع .
لابد أن يكون خطابنا الثقافي له خصوصية ، راقيا هادئا معبرا عن آمال المجتمع
وتطلعاته ، يحترم القيم والدين والأخلاق ،وأي خطاب يفتقد هذه الركائز هو خطاب
يهدد الوطنية والهوية .
وأن يكون الخطاب الذي يحافظ على حقوق الإنسان كما أقرها الإسلام وليس القوانين
الوضعية أو الاتفاقيات الدولية ، الخطاب الذي يحقق للإنسان عزته وللأمة وحدتها
لا الخطاب الذي يخدم الأجندات الخارجية .
الخطاب المتألق بالكلمة الطيبة لأنها متأصلة في قلب صاحبها ثابتة كثبوت الشجرة
الطيبة في الأرض ، مثمرة ومؤثرة على الجوارح والتعامل والسلوك ، ويرفض الكلمة
الخبيثة المغرضة المشككة في الثوابت والمخللة للأخلاق والهادمة للقيم والمبادئ
.
وأخيرا ينبغي أن يكون المصدر الأساسي لخطابنا الثقافي منبعه ومعينه صافيا حقا
مرتكزا على وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم " ترَكْتُ فيكم أَمرينِ ، لَن
تضلُّوا ما تمسَّكتُمْ بِهِما : كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ رسولِهِ " فأي فكر أو
ثقافة أو رأي من غير مشكاة الوحيين فهي ضلال وانتكاس ، ولا شك أن المنهج
الرباني في الخطاب هو الأكمل والأفضل والأصلح لكل زمان ومكان .
د.أميرة بنت علي الصاعدي
1/6/1434هـ
الدمام
----------------------------------------------------------
[*] مشاركتي في اللقاء الثقافي السادس " الحراك الثقافي في مواقع التواصل
الاجتماعي " بمركز الحوار الوطني .