الحمد لله ، والصلاة والسلام و السلام على رسول الله ، وبعد : فإِنَّ
ما طلبه سماحة المفتي مِن دراسة تُجريها وزارة العدل حول موضوع : «تباين
الأَحكام القضائِية» ، لهو مقصد حري بالعناية ، ومطلب جدير بالاهتمام
مِن كل وجه ، استقراءً وتحليلاً وتحقيقاً في ضوءِ الثوابت الشرعية
والمتغيرات العصرية ، لاسيما وموضوع التباين في الأَحكام مما يدندن
حوله شرذمة مِن الخلق ، وحثالة من البشر ، ليتخذوه سخرياً ، وخنجراً
مسموماً للطعن في خاصرة الشرع والقائِمين على حراسته ، وكيل المثالب
والمعايب من كل الصنوف ، حتى طغى رغاءُ ذلك وزبده في بعض الصحف ، وغابت
عن الأَوغاد ؛ للجهل الذريع ، أَو التجاهل المقيت الدواعي الشرعية
لوقوع التباين في ذلك . ولعل طلب سماحة المفتي هذا نابع في الأَصل مِن
رغبة سنيَّة ، وتوجه سامٍ مِن لدن ولي الأَمر ، تجديداً لإِرادة ملكية
سالفة رغبت في طرْقه ، وصدر في حينه بحث موعب جامع في بابه عن اللجنة
الدائِمة للبحوث العلمية والإِفتاءِ بعنوان : « تدوين الراجح من أَقوال
الفقهاءِ في المعاملات ، وإِلزام القضاة بالحكم به» تمخض عنه قرار
هيئَة كبار العلماءِ رقم (8) لعام 1392هـ بالمنع مِن ذلك ، ولكنَّ لما
كان ذلك القرار قد تطاول عليه الأَمد ، وأَوغل في قدم العهد ، واستجدت
طوالع كثيرة ، دعت معها الحاجة إِلى إِعادة النظر والتأَمل ، وربما هذا
ما رغبه سماحته مِن خلال عرضه على إِحدى دورات مجلس هيئَة كبار العلماءِ
، ومهَّد له بطلب هذه الدراسة مِن جهتها المعنية بالأَمر ؛ ليقع التصور
التام بأَطراف الموضوع ، وربما يتقرر فيه تقنين للأَحكام في حال كثرة
التباينات ، وهرَج النواعق ، ورجحان مصالح التقنين على مفاسده الواقعة
أَو المحتملة . ومما هو غير خافٍ أَنَّ الوقوف على المدى الذي بلغه هذا
التباين في الصعيد القضائِي ، مِن الكثرة التي توجب النظر في معالجته
بالتقنين ، أَو القلة التي لا تؤَثر على مرفق القضاءِ ، ومسار العدالة
، وسمعة رجال القضاءِ ، يقتضي استطلاع سائِر المسائِل والقضايا
المتماثلة مِن خلال الاستقراءِ الميداني التام لأَظهر مظانها العملية
التي في صدارتها مجلس القضاءِ الأَعلى ، ووزارة العدل ، والهيئَة
العامة لمحكمة التمييز ، والمحاكم المختصة ، فقد ورد في (م/14و20و29)
من نظام القضاءِ ما يدل على وجود شيءٍ من ذلك لدى هذه الجهات ، بحكم
خبرتها واختصاصها . أَو يمكن اقتراح التعميم على المحاكم لاستقصاءِ هذا
الجانب . وهذا سياق أَبرز ما يدور في أَروقة المحاكم من أَحكام متباينة
في قضايا متماثلة أَو متشابهة وقعت لديها ، وأَمَّا ما يمكن وقوع
التباين فيه من قضايا ، فلا يدخل تحت الحصر ؛ إِذ كل مسأَلة خلافية
يدخلها التباين بين القضاة في الأَحكام ، لاسيما ما كان من المسائِل
يقوى فيه مدرك الخلاف ومأْخذه ؛ ولهذا يمكن عند التقنين استقصاءُ وجمع
كافة المسائِل الخلافية في باب المعاملات ، واختيار القول الراجح فيها
؛ لإِلزام القضاة العمل به ؛ توحيداً للاجتهاد ؛ ودفعاً لمفاسد التباين.
أَولاً : الأَحكام المتفاوتة في نطاق العقوبات ( القصاص والحدود
والتعزيرات (بدنية أَو مالية) والديات وما في حكمها )
(أ) : تفاوت الأَحكام في قضايا الحدود .
(1)- حدُّ الخمر( المسكِر) : وتتفاوت فيه أَحكام القضاة مِن جهة نوع
العقوبة ، وقدرها ، ووسيلة ثبوتها . فمن جهة نوع العقوبة وقدرها ، فجُل
القضاة – وهو ما وردت به التعليمات ، وعليه العمل المستقِر - يجعل
حدَّه ثمانين جلدة بكلِّيَّتها ، وقليل منهم يجعل الحدَّ أَربعين جلدة
فحسب ، وندرة منهم يحكم بثمانين جلدة ، أَربعون منها حداً ، وما زاد
إِلى الثمانين تعزيراً ، ويصرح بذلك في منطوق الحكم . أَمَّا من جهة
وسيلة ثبوتها وتقريرها ، فغالبهم لا يعتد في إِقامة الحد إِلا بالبينة
القطعية في الثبوت ، التي لا تعتريها شائِبة الظنية والاحتمال ، وإِلا
درأَ الحد ، كما هو الحال فيمن وجدت منه رائِحة الخمر ( الاستشمام
والاستنكاه ) ، أَو وجدت في عينة دمه وبوله أَو أَحداهما بعد التحليل
المخبري ، - فبعض القضاة يقيم الحد بمجرد ثبوتها ؛ لقطعيتها عنده ،
وبعضهم يعدها من القرائِن الظنية التي يداخلها الاحتمال ، فيعتبرها في
حال ثبوتها من قبيل الشبهة الموجبة للتعزيز بما دون الحد ، ولو انضم
إِليها قرينة أُخرى ، فلا ترقى للحكم به ، وبعضهم يعدها موجبة للحد في
حال انضمام قرائِن أُخرى تعضدها - أَو كانت المادة محل اختلاف في
اعتبار إِسكارها ، مثل تعاطي القات ، وتشفيط الغراءِ المسمى ( باتكس) ،
والصبغة ( البوية) ، واستعمال الحشيش ، وغير ذلك ، فغالب القضاة يرى
موجبها التعزير ؛ لعدم إِسكارها ، عدا الحشيش ، فجلهم يرى إِقامة الحد
فيه . ولهذا تتفاوت أَحكام القضاة في عدد من هذه القضايا المتماثلة
لهذه المسوغات والأَسباب ؛ نظراً لاختلاف الاجتهادات الفقهية حولها ،
والحال أَنها من المسائِل الخلافية ، وإِن كان الخلاف في بعضها ليس له
حظ من النظر والاعتبار ، وصدر في بعضها قرارات من هيئَة كبار العلماءِ
بتقرير العقوبة ، ووسيلة ثبوتها القطعية منها والظنية ، وعمل بها
القضاة .
(2)- حد الزنى للبِكْر : وتتفاوت فيه الأَحكام من جهة صفة عقوبة
التغريب فقط ، فجُل القضاة يحكم بالتغريب مسافة قصْر عن البلد ، وبعضهم
يستبدله بالسجن بعد صدور قرار المجلس بهيئَته العامة ، والذي رجع عنه
لاحقاً ، ثم عاد من حكم به من القضاة إِلى عمله السابق بالتغريب . (
الجلد مئَة في هذا الحد لاتباين فيه ، فهو منصوص في أَصله ) .
(3)- حد الغِيلة : ويمكن تفاوت الأَحكام فيه من جهة نوع العقوبة ، فمن
يرى أَنه حق محض لله ، جعل موجبه الحد ، ولم يؤَثر عفو الورثة في
إِسقاطه ، ومن يرى أَنه حق محض للآدمي ، أَو غلَّبه فيه ، أَوجب فيه
القصاص ، وسقط في حال عفو الوارث . وقد وقع تفاوت الأَحكام في مثل هذا
قبل صدور قرار هيئَة كبار العلماءِ في قتل الغيلة الذي خلص فيه إِلى
أَنَّ موجبه الحد ، فوحد العمل ، وأَقصى التفاوت .
(4)- حد الزنى للثيب : وتتفاوت فيه الأَحكام بالنسبة للكافر المحصن
إِذا زنى في دار الإِسلام ، فمن القضاة من يرى وجوب الحد ؛ لعدم اشتراط
الإِسلام للإِحصان ، ومنهم يرى لزوم اشتراطه ، فلا يستقيم عنده الحد ؛
لفقد شرطه .
(5)- حد السرقة : وتتفاوت فيه الأَحكام من جهة مدى استكماله لشروط الحد
، ومن ذلك مطالبة المسروق منه ، واستدامتها إِلى حين إِقامة الحد ،
وتكرار الإِقرار فيه مرتين ، فبعض القضاة لا يرى إِقامة حد القطع في
السرقة إِذا تنازل المسروق منه قبل الحكم به ، ولم يتكرر فيه الإِقرار
مرتين ، وبعضهم لا يرى ذلك شرطاً في صحة الحكم بالحد . وكذلك من جهة
كون المال محترماً ، فبعض القضاة لا يحكم بالقطع في سرقة السلاح غير
المرخص ؛ لشبهة عدم احترامه ؛ لحيازته دون إِذن ولي الأَمر ، وبعضهم
يرى القطع فيه ؛ لأَن عدم الترخيص لا يؤَثر على احترام ماليته ؛ لأَنها
خارجة عنه .
(6)- تفاوت الأَحكام في دعوى القسامة ، فبعض القضاة يصرف النظر عن
الدعوى بطلب القتل ؛ لعجز المدعي عن إِحضار خمسين رجلاً ، يحلفون
خمسيناً يميناً على قتل المدعى عليه صاحبهم ، وبعضهم يحكم بالقتل ؛
ويكتفي بحلف ورثة القتيل خمسين يميناً .
(7)- تفاوت الأَحكام في الكافر الذي ارتكب جُرماً في ديار الإِسلام حال
كفره ، ثم أَشهر إِسلامه ، وتحقق اعتناقه له قبل الحكم عليه ، فمن
القضاة من يحكم بسقوط العقوبة عنه بالكلية ؛ لأَنَّ الإِسلام يهدم
ماقبله ؛ وتأْليفاً لقلبه على الإِسلام ، ومنهم من يعتبر إِسلامه مخففاً
للعقوبة فحسب . ولكل أَدلة مطولة ليس هذا مقام تجليتها ، وتحقيق القول
فيها .
(ب) – تفاوت الأَحكام في قضايا التعزير .
(8)- تفاوت الأَحكام في الجمع بين الحد والتعزير في الحق العام ، أَو
الجمع بين العقوبة التعزيرية البدنية والعقوبة المالية في الحقوق
الخاصة ، كمن يطالب بتأْديب الجاني ، والحكم عليه بأَرش الجناية في آن
واحد .
(9)- تفاوت الأَحكام في الجرائِم التي موجبها التعزير ، وفي جنسها الحد
، كالخلوة بالأَجنبية مثلاً ، فغالب القضاة لايبلغ بالتعزير فيها الحد
، وبعضهم يفوق عليه ؛ لظروف مشددة للعقوبة.
(10)- تفاوت الأَحكام في مصادرة وسائِل نقل الأَشياءِ المحرمة في حال
كون الناقل غير مالكها ، فبعض القضاة يصادرها مطلقاً ، ولو كان الناقل
غير مالك لوسيلة النقل ، وبعضهم لا يصادرها مطلقاً ؛ إِذ لا يرى جواز
التعزير بالمال ، وبعضهم لا يرى مصادرتها إِذا كان الناقل غير مالك
لوسيلة النقل حتى يثبت علم وتواطؤُ المالك على نقل المحرم في وسيلة
نقله .
(11)- تفاوت الأَحكام في توجه الحق العام في بعض الجرائِم ، كالسب ،
والشتم ، وعقوق الوالدين ، وضرب الزوجة ، والاعتداءِ على الأَملاك
الخاصة بالإِتلاف ، فبعض القضاة يصرف النظر عن دعوى الحق العام فيها ؛
لكونها من الدعاوى الخاصة ، وبعضهم يسمع فيها دعوى الحق العام والخاص
معاً .
(12)- تفاوت الأَحكام في إِتلاف الأَواني المباحة المستعملة في تصنيع
المحرم كالخمر مثلاً ، فبعض القضاة يرى لزوم إِتلافها وتكسيرها ،
وبعضهم يرى عدم ذلك ؛ صيانة للمال مادام يمكن تعرية الحرام منه .
(13)- تفاوت الأَحكام في موجب جريمة اللواط الثابت فيها الإِيلاج ،
فبعض القضاة يرى فيها حد الزنا ، وبعضهم يرى القتل تعزيراً ، وبعضهم
يرى التعزير بما دون القتل .
(14)- تفاوت الأَحكام في قضايا تهريب وترويج المخدرات بين التعزير
بالقتل وبما دونه ، والتفاوت في التعزيرات بما دون القتل من جلد وسجن
في قضايا متماثلة .(ج) – تفاوت الأَحكام في قضايا الديات والأُروش
والمنافع .
(15)- تفاوت الأَحكام في الديات أَو الأُروش للجنايات قبل البرءِ التام
للجناية ، فغالب القضاة لا يحكم بما يستحقه المجني عليه من دية أَو
أَرش إِلا بعد البرءِ التام ؛ خوفاً مِن السراية ، وبعضهم يحكم به ،
ولو لم يحصل البرءُ إِذا أَصر المجني عليه على طلبه ، وقرر إِسقاط حقه
في حال السراية ، ولو أَفضت إِلى الموت .
(16)- تفاوت الأَحكام في ضمان تعطل منفعة المجني عليه أَو المتلَف من
وقت التعطل أَو الإِتلاف حتى يتم برءُ الجناية ، أَو إِصلاح المتلَف ،
فبعض القضاة يحكم على الجاني بضمان منفعة تعطل المجني عليه ؛ جبراً
للضرر ، وبعضهم يكتفي بالأَرش أَو الدية لذات الجناية دون أَثرها .
(17)- تفاوت الأَحكام في تحميل بيت مال المسلمين ديون من مات من
المسلمين ، ولم يخلف له قضاءً لدينه ، فغالب القضاة لا يرى سوى تحميله
الديات ، وبعضهم يرى تحميله الديون .
(18)- تفاوت الأَحكام في تغليظ الأُروش في الجنايات على مادون النفس
عمداً أَو شبه عمد ، فبعض القضاة يرى التغليظ فيما دون النفس ، كالدية
في العمد وشبهه حال الجناية على النفس ، وبعضهم لا يرى ذلك إِلا في
الجناية على النفس خاصة .
(19)- تفاوت الأَحكام في دعوى بيت المال بمطالبة المتسبب من الآدميين
في حوادث السير في موت من دخل من الأَشخاص الأَجانب إِلى السعودية
تسللاً عبر الحدود بطريقة غير نظامية ، وهو من الكفار ، كما يقع في
المناطق الحدودية ، فبعض القضاة لا يرى وجوب ضمانه بالدية ، وأَنَّ دمه
هدر ؛ لأَنه لا ينطبق عليه وصف الذمي أَو المعاهد أَو المستأْمن ،
ويكون حربياً أَو ملحقاً به لاضمان فيه ؛ لافتقاده أَساس عصمة الدم
المبنية على ذلك . ( مرفقة صورة المخابرة في ذلك ).
(20)- تفاوت الأَحكام في ديات النفوس الذاهبة في حوادث السير الواقعة
من المركبات الجاري عليها التأْمين ، فبعض القضاة يوجب الدية على مالك
السيارة المتسبب ؛ لحرمة التأْمين ، وبعضهم يرى وجوبها على شركة
التأْمين ؛ لجواز التأْمين في نظره .
(21)- تفاوت الأَحكام في ديات النفوس الذاهبة في حوادث السير بسبب
اعتراض الإِبل السائِبة على الطرقات ، فبعض القضاة يوجبها على السائِق
المتسبب ، ولو لم تقع عليه نسبة الخطأ كاملة ؛ لأَنَّ جناية العجماءِ
جبار ( هدر) ، وبعضهم يوجب الدية على المتسبب ، سواء السائِق ، أَو
مالك الدابة ، كل بقدر نسبة الخطأ المقررة عليه مرورياً .
(22)- تفاوت الأَحكام في أَصل دية النفس ، فقد اطلعت على حكم بالدية
المستحقة عيناً ( من الإِبل) ، وغالب القضاة يحكم بما يعادل قيمتها من
النقد ، كما هو العمل الجاري.
(23)- تفاوت الأَحكام في إِيجاب دية النفس في قتل الخطأ ، لاسيما في
حوادث السير ، فبعض القضاة يوجبها على الجاني في حال ثبوت الجناية
بإِقراره ، ويفهمه بالرجوع على العاقلة إِن وجدت وصدَّقته ، وبعضهم
يوجبها على عاقلته ابتداءً ، ولو كانت خارج السعودية ، ومن يوجبها منهم
على العاقلة ، بعضهم يوجبها على جهة الحلول ، وبعضهم على جهة التقسيط
في ثلاث سنين كما وردت به السنة .
(24)- تفاوت الأَحكام في إِيجاب ديات النفوس الزاهقة جراءَ المطاردة
والملاحقة مِن رجال الأَمن للمشتبه فيهم ، ثم موتهم بسبب ذلك ، فبعض
القضاة يوجبها على المتسبب في ذلك من رجال الأَمن ، وبعضهم يوجبها في
بيت المال ؛ لأَنه خطأَ الإِمام ونوابه الناتج عن الاجتهاد يتحمله بيت
المال .
(25) – تفاوت الأَحكام في دعوى الحق العام بطلب إِثبات نسبة الإِدانة
على المتوفى في حوادث السير ، فبعض القضاة يثبتها كدعوى على غائِب ؛
لما يترتب عليها من حق خاص ، وبعضهم يصرف النظر عنها ؛ لفوات المحل ؛
إِذ لا ثمرة من تقرير النسبة في حق الميت ؛ لعدم إِمكان تطبيق عقوبة
الحق العام عليه.
ثانياً: الأَحكام المتفاوتة في نطاق الأَحوال الشخصية .
(أ) - قضايا المواريث . وتتفاوت فيها الأَحكام في جملة من المسائِل من
أَظهرها :
(26) - مسأَلة الجد والإِخوة في الفرائِض ، فغالب القضاة في معرض طلب
الحصر أَو الدعوى في الميراث لا يورِّث الإِخوة مع الجد ؛ تنزيلاً له
منزلة الأَب ، كما هو قول المحققين من أَهل العلم ، وبعضهم يرى توريثهم
معه ، فتتفاوت الأَحكام في القضية الواحدة .
(27) – مسأَلة الرد على أَحد الزوجين في حال عدم وجود وارث للميت ،
فبعض القضاة لا يرى الرد على أَحدهما ، ويذكر في مقام الحصر فرض الزوج
أَو الزوجة ، وأَن الباقي لبيت المال . وبعضهم يراه ، وينص على انحصار
الإِرث في أَحدهما فرضاً ورداً .
(28)- المسأَلة المشركة ، فبعض القضاة يقضي بحرمان الإِخوة الأَشقاء
مِن الميراث ، وبعضهم يرى تشريكهم مع الإِخوة للأُم في الثلث .
(29)- مسأَلة موت المتوارثين معاً ، فبعض القضاة لا يورث بعضهم من بعض
مطلقاً ، وبعضهم يورث كل منهما من تلاد مال صاحبه .
(30)- مسأَلة توريث المتسبب في موت مورثه خطأً في حوادث السير وغيرها ،
فبعض القضاة يجعل قتل الخطأ من موانع الإِرث مطلقاً ، وبعضهم لا يعتبره
مانعاً مطلقاً ، وبعضهم يعتبره بقيد قيام التهمة بتعجّل الوارث موت
مورثه .
(31)- مسأَلة دعوى بيت المال السعودي بطلب دية الشخص المدهوس (
الأَجنبي – الوافد ) الذي لم يعثر له على وارث ، فغالب القضاة يحكم بها
له ، وبعضهم لا يرى ذلك ؛ لكونها مستحقة لبيت مال بلده.
(32) – ميراث اللقيط ، فغالب القضاة لا يعد الالتقاط والإِنعام على
اللقيط بالتربية والإِحسان من أَسباب الإِرث ، فلا يرث الملتقط من
لقيطه بعد وفاته ، وبعضهم يرى توريثه منه ، من باب قياس الأَولى على
العتق ، وهو قول قواه بعض المحققين كابن القيم في إِعلام الموقعين .
(33) – دعوى الوارث – المدلي بطريق مباشر أَو بواسطة - بطلب النصيب
الإِرثي لمورثته التي تقادم العهد على موتها ، وهي ساكتة لم تطلب
نصيبها حال حياتها ، فبعض القضاة يصرف النظر عنها استناداً لفتوى سماحة
الشيخ محمد بن إِبراهيم المشهورة ، وبعضهم يقبلها في حال ثبوتها ؛
لأَنَّه لا ينسب إِلى ساكت قول ، والأَصل عدم إِسقاطها نصيبها والتنازل
عنه . وقد صدر مني حكم في ذلك مستند لفتوى الشيخ وصدق من محكمة التمييز
، كما صدر حكم آخر من محكمة أَحد رفيدة على القول الآخر بعدم سقوطه ،
وصدق من التمييز .
(34) – طلب الحكم بموت المفقود وحصر ورثته ، فبعض القضاة يأْخذ بقول
الفقهاءِ في مدة التربص التي ذكروها حسب ما يغلب على حاله من السلامة
أَو الهلاك ، ويتقيد بذلك ، فإِن لم تمض حكم بصرف النظر عن الإِنهاءِ ،
وأَفهم المنهي بالتقدم بعد مضيها ، وبعضهم يقدرها حسب اجتهاده ، فإِذا
مضت مدة يغلب على الظن موته فيها ، قرر موته حُكماً وحصر ورثته ، وهذا
ما عليه المحققون من أَنَّ مدة التربص مرجعها اجتهاد الحاكم ، واختلاف
الزمان والمكان .
(35) – في حال طلب أَحد الورثة حصر ورثه لمورثه ، ومن بين الورثة متوفى
دماغياً قبل موت مورثه ، فبعض القضاة يذكره في الحصر باعتبار الوفاة
الدماغية ليست موتاً حقيقياً ، وبعضهم يعتبره مورثاً لا وارثاً ، فلا
يذكره في الحصر ؛ لأَنَّ الوفاة الدماغية موت حقيقي في اجتهاده ، ولا
يخفى أَنَّ هذه المسأَلة من النوازل الفقهية الطبية المستجدة المعاصرة
، وما صدر فيها من الفتاوى والقرارات من المجامع الفقهية .
(36) – في حال طلب حصر ورثة لميت ، وكان أَحد ورثته الذكور أَجرى بعد
وفاة مورثه عملية تصحيح وتثبيت الجنس ( جائِزة شرعاً بضوابطها) ،
فأَصبح أُنثى ، فبعض القضاة يمكن أَن يعطيه ميراث الذكر ؛ لأَنه جنسه
الذي كان عليه عند وفاة مورثه ، وبعضهم قد يعطيه ميراث أُنثى ، باعتبار
حقيقة جنسه وما آل إِليه ؛ إِذ العبرة بما في نفس الأَمر ، لا بما في
ظن المكلف . وهذه أَيضاً من النوازل المعاصرة ، وقد وقع فيها نزاع في
المحاكم المصرية ، فتفاوتت فيها الأَحكام .
(ب) – قضايا الطلاق : وتتفاوت فيها الأَحكام في جملة من المسائِل من
أَبرزها :
(37) - طلاق الثلاث بلفظ واحد ، أَو الطلاق البدعي في حال الحيض أَو
الطهر الذي جامع فيه ، أَو الطلاق المكرر في مجلس واحد ، والطلاق في
الغضب ، بعض القضاة يرى وقوع الثلاث واحدة ، وبعضهم ثلاثاً ، وبعضهم
يرى عدم وقوع البدعي أَصلاً ، كما هو أَصح قولي العلماءِ وبعضهم يرى
وقوعه مع الإِثم ، وبعضهم يرى عدم وقوع الطلاق المتكرر في المجلس
الواحد إِذا قصد به التأْكيد لا الإِنشاء والتكرار للثلاث أَو لم تكن
له نية ، وبعضهم يراه ثلاثاً مطلقاً ، وبعضهم لا يرى وقوع طلاق الغضبان
مطلقاً ، وبعضهم لا يراه في حال الغضب الشديد .
(38) - الطلاق المعلق على شرط ، بعض القضاة يرى وقوعه ، وبعضهم يجعل له
حكم اليمين المكفرة عند النظر في النزاع الذي تطرق للطلاق وعدده .(ج) –
قضايا الحضانة والزيارة والنفقة : وتتفاوت فيها الأَحكام في جملة من
المسائِل من أَبرزها :
(39) – الأَحق بالحضانة للولد ، فبعض القضاة يجعلها للأُم ، وبعضهم
يجعلها للأَب عند التنازع في ذلك ، إِمَّا إِعمالاً لظاهر النصوص ، أَو
دوراناً مع مصلحة المحضون .
(40) – الصلح على حضانة الولد ، فبعض القضاة يقتصر على الحكم بإِثبات
وتقرير صحته وإِجازته دون إِمضائِه والإِلزام به ؛ لأَنَّ الحضانة حق
يتجدد بتجدد الزمن كالنفقة حسب التعلميات ، فلا يمكن تنفيذه عند
الاختلاف ، وبعض القضاة يفعل ذلك ، ويزيد عليه تقرير الإِمضاءِ واللزوم
، فيمكن تنفيذه عند الاختلاف .
(41) – زيارة الأَب للمحضون بعد وقوع الفرقة ، فتختلف مدتها ومكانها من
حكم لآخر ، والاختلاف فيه مرده إِلى العرف الجاري ، أَو الصلح والاتفاق
بين الأَبوين .
(42)- نفقة الأَقارب مِن أَولاد وغيرهم في حال التقادم بمضي الزمان ،
فبعض القضاة يرى سقوطها نفقة القريب بمضي الزمان ؛ لاندفاع الحاجة ،
وبعضهم يحكم بها ، ولو مضى عليها زمن طويل .
(43)- ولاية الأَجنبي غير الأَب على القاصر في حال طلبه لها ، ومعارضة
المواطن قريب القاصر في ذلك ، فبعض القضاة لا يجعل للأَجنبي ولاية ؛
لكونه عرضة للسفر ؛ ويُخشى منه السفر بالقاصر ، وبعضهم يثبتها له .(د)
- قضايا النكاح : وتتفاوت فيها الأَحكام في جملة من المسائِل من
أَبرزها :
(44) – النكاح بنية الطلاق في حال وقوع نزاع بين الزوجين ، وتصريح
الزوج بذلك ، فبعض القضاة يرى صحته ، وبعضهم يبطله ، والخلاف فيه مشهور
.
(45) - تزويج الولي الأَبعد بحضور الأَقرب حال عدم المانع ، فبعض
القضاة يرى فساد النكاح ، ولزوم تجديد العقد ؛ لخلوه عن شرط الولي
المعتبر لصحة العقد ، وبعضهم يرى تصحيحه ؛ لأَنه مختلف فيه ، وحكم
الحاكم يرفع الخلاف .
(46)- الكفاءَة في النسب ، فبعض القضاة يرى اعتبارها ، وأَحقية فسخ
النكاح لمن لم يرض به من الأَولياءِ ؛ دفعاً للعار ، وبعضهم لا يرى
اعتبارها إِلا في الدين ؛ لأَن التقوى هي معيار التفاضل .
(47)- نكاح الشغار ، فبعض القضاة يرى صحة النكاح إِذا تقرر فيه المهر
لكل من المرأَتين ، ولم يتضمن شرط المبادلة بين البضعين ، وبعضهم يرى
بطلانه مادام فيه تبادل ولو خلا من الشرط ، ووجد فيه المهر .
ثالثاً: الأَحكام المتفاوتة في نطاق المعاملات وغيرها .
(48)- الإقطاع مِن ولي الأَمر ، فبعض القضاة يرى أَنه يفيد التمليك
بمجرده ما لم يرافقه شرط الإِحياءِ ، وبعضهم يرى أَنه لا يفيد سوى
الاختصاص .
(49)- القبض في لزوم الرهن ، فبعض القضاة لا يرى لزومه إِلا بالقبض ،
وعند بعضهم يلزم بمجرد العقد .
(50)- الشفعة للجار ، فبعض القضاة لا يثبتها إِلا للشريك في المشاع
الذي لم يُقسم ، وبعضهم يثبتها للجار إِن كان بينهما اشتراك في المرافق
الخاصة للعقار كما في قرار هيئَة كبار العلماء .
(51)- الشرط الجزائِي في العقود ، فبعض القضاة لا يعتبره مطلقاً ،
وبعضهم يعتبره ما لم يثبت عذر شرعي في عدم الأَخذ به حسب قرار هيئَة
كبار العلماءِ .
(52)- الإِيجار المنتهي بالتمليك ، فبعض القضاة يبطل العقد حسب قرار
هيئَة كبار العلماءِ ، وبعضهم يرى صحته .
(53)- التقادم في وضع اليد على الأَراضي ، فبعض القضاة يرى أَنه يفيد
التملك مطلقاً ، وبعضهم لا يفيده عنده إِلا مع تقادم العهد ، وعدم
المنازع.
(54)- الدعوى حول قرض ربوي مع فائِدته من بنك ، فغالب القضاة يعمل
بظاهر العقد الذي لم يصرح بالفائِدة ، وبعضهم يحقق في باطن الأَمر ؛
لأَنَّ الظاهر يخالفه الحس والعادة .
(55)- جمعيات الموظفين ، فبعض القضاة لا يجيزها ؛ لاشتمالها على قرض جر
منفعة ، وبعضهم يرى جوازها .
(56)- اتفاقيات الصناديق القبلية وتحديد المهور بين القبائِل ، فبعض
القضاة يؤَيد ويقر اتفاقات الصناديق ؛ لما فيها من التعاون ، وبعضهم لا
يجيزها ؛ سداً للذريعة ؛ لما يترتب عليها من خلافات ؛ ولما تشتمل عليه
اتفاقياتها من إِلزامات غير شرعية حسب فتاوى اللجنة الدائِمة . كما أَنَّ
بعض القضاة يؤَيد اتفاقات تحديد المهور ؛ تحقيقاً للمصلحة ؛ ودفعاً
لمفاسد كثيرة من باب المصالح المرسلة ، وبعضهم لا يقرها ؛ لأَن الأَصل
الشرعي أَنه لا حد لأَكثر المهر ، وصدرت في ذلك فتاوى للجنة
(57)- الدعوى بطلب الدين الحال والإِلزام بالمؤَجل في وقته ، يرى بعض
القضاة توجهها حسب لائِحة نظام المرافعات ، وبعضهم يرى عدم ذلك ؛ لما
هو منصوص لدى الفقهاءِ من اشتراط حلول الدين لصحة الدعوى وتحريرها .
(58)- إِثبات تملك العقارات بموجب صكوك الاستحكام إِذا كان الإِحياءُ
بعد المنع ، فبعض القضاة يصرف النظر عن دعوى التملك ؛ لاشتراط إِذن ولي
الأَمر في الإِحياءِ ، وبعضهم يثبت التملك ؛ لعدم اشتراط إِذن ولي
الأَمر في الإِحياءِ .
(59)- مطالبة الضامن (الكفيل) للمضمون ( المكفول المدين) بتخليصه مِن
الكفالة في حال مطالبته بالوفاءِ من قبل الدائِن ، فغالب القضاة يصرف
النظر عن المطالبة ؛ لما يراه من لزوم وفاءِ دين الكفالة أَولاً ، ثم
الرجوع به على المكفول المدين بعد وفائِه عنه ، وبعضهم يرى قبول الدعوى
وصحتها ويحكم على المدين بالوفاءِ للدائِن وإِن لم يدع لديه الدائِن
مادام قد أَثبت الكفيل مطالبة الدائِن له ، وكانت الكفالة بإِذن
المكفول . وصدر في هذا التوجه قضية من محكمة جدة ، وصدقت من التمييز .
(60)- النزاع بين القبائِل في الأَحمية والمحاجِر ، فبعض القضاة يحكم
بإِبقائِها على أَصل الإِباحة بين عموم المسلمين ؛ عملاً بعموم الأَدلة
، وبعضهم يؤَيد حماها وعدم الانتفاع بها سوى من القبيلة التابعة لها ؛
لنظر مصلحي ؛ خوفاً من الفتنة ؛ وارتكاباً لأَدنى المفسدتين ، ومثل هذا
حصل في جهاتنا بضواحي الطائِف .
(61)- إجبار الشريك على بيع حصته في العقار المشترك إِذا تعذرت قسمته
إِجباراً ، فبعض القضاة لا يراه ؛ لأَنَّ الأَصل حرمة الملك ؛ وعدم
نزعه من يد مالكه إِلا برضاه ، ودفعاً لما يلحقه من ضرر ، وقد يكون
طالب البيع واحداً من الورثة ، وسائِرهم لا يرغب البيع ؛ وفي ذلك ما
يفضي إِلى قطيعة الرحم ، وبعضهم يرى صحة الإِجبار ؛ دفعاً للضرر ؛
وعملاً بما صرح به أَهل العلم في ذلك .
(62)- الوقف على النفس ، فبعض القضاة لا يصححه ، وبعضهم يجيزه ويثبته .
وكذلك شرط الواقف أَن يكون وقفه على أَولاد الظهور ( الصلب) دون أَولاد
البطون ( من غير صلبه) ، فغالبهم لا يصححه ، وندرة منهم يقره ، وكذلك
الوقف على الورثة ، فبعض القضاة لا يصححه ؛ لأَنَّ فيه تحجيراً على
الورثة في التصرف ، وبعضهم يرى جوازه.
(63)- قضايا الصحافة ، فبعض القضاة يرى ولايته على نظرها مطلقاً ، ولو
لم تكن في حق خاص ، وبعضهم يرى ولايته عليها في الحقوق الخاصة ، وبعضهم
لا يراها مطلقاً ، وتختص بها اللجنة المشكلة في الإِعلام ، وما صدر في
هذه المسأَلة عن المجلس والوزارة والمقام السامي معلوم .
(64)- الدعاوى فيما كان قبل دخول الحكومة السعودية ، بعضهم يرى سماعها
، ولا يلحقها بحكم الجاهلية كما تضمنته فتوى رئِيس القضاة ، وبعضهم لا
يراه أَخذاً بالفتوى .
(65)- الزيادة في دين الرهن ، فبعضهم لا يرى اعتبارها رهناً ؛ لأَنه
رهن مشغول ، وبعضهم يراها من جملة دين الرهن .
(66)- القضايا المبنية على العرف والعادة يقع التفاوت في أَحكامها رغم
تماثلها ؛ لاختلاف العرف من بلد لآخر ، ومن قوم لآخرين ، وذلك مثل
مسائِل النفقة وزيارة المحضون وحرم الأَملاك والآبار ، والسكوت عن
المطالبة والحرز في السرقة والإِحياءُ وغير ذلك .
(67) – دعوى الإِعسار مِن الموظف الذي يتقاضى راتباً ، فبعض القضاة
يصرف عنها النظر ؛ لإِمكان الاستيفاءِ مِن راتبه ، ولو بالمحاصة مع
الغرماءِ بنسبة الدين ، وبعضهم يسمعها ويطلب إِثباتها ، ويحكم بإِعساره.
(68) – اشتراط حلول كامل أَقساط الدين عند تأَخر المدين عن وفاءِ قسط
منها في أَجله المحدد ، فبعض القضاة يرد الدعوى في المطالبة بكامل
الأَقساط ، وتبقى على آجالها ؛ إِذ لا يرى لزوم الشرط ؛ لأَنَّ الزيادة
في الثمن هي في مقابلة التأْجيل ، وهذا الشرط يلغي الأَجل ، فلا تستحق
الزيادة مع انتفاءِ التأْجيل ، وهذا ما صدرت به فتوى اللجنة الدائِمة .
في حين أَن بعضهم يرى لزوم الشرط وصحته ، فيحكم بكامل الأَقساط حالة ؛
لأَنَّه شرط فيه مصلحة للدائِن بحمل المدين على الانتظام في الوفاءِ ،
فهو شرط جزائِي أَو في حكمه ، والمدين قد رضي به ، والمسلمون على
شروطهم ، والأَصل في العقود والشروط الجواز والصحة مالم يقم دليل
البطلان ، ولم يقم هنا شيءٌ من ذلك ، وصدر في هذا قرارات من المجمع
الفقهي بلزوم مثل هذا الشرط ، فيحصل تفاوت بين الأَحكام في هذه القضية
الواحدة .
(69) – الدعوى في ثمن محرم ، كقيمة دخان أَو جراك ، فبعض القضاة يحكم
بصرف النظر ؛ لعدم استحقاق المدعي لما يدعيه ، ولا يتعرض لعين المال
المحرم ، فيبقى في اليد ، وبعضهم يحكم بذلك ، مع مصادرة المال المحرم ،
وذلك بإِدخاله إِلى بيت مال المسلمين لصرفه في مصالحهم العامة .
فيتفاوت الحكمان ، أَحدهما يبقي المال ، والآخر يصادره .
(70) – ومما تتباين فيه الأَحكام : عقوبة مَن أَفطر في نهار رمضان مِن
المكلفين لغير عذر شرعي ، فبعض القضاة يكتفي بعشرين جلدة فقط ؛ لورود
ذلك في الأَثر عن بعض الصحابة ، فكأَنها منصوصة ، أَو ملحقة بالمنصوص ،
وبعضهم لا يتقيد بذلك ، ويقرر فيها عقوبة تعزيرية يرجع نوعها وقدرها
لاجتهاده بضوابطه الشرعية لتعليلات مطولة .
(71) – الصلح عن إِنكار ، فبعض القضاة إِذا انتهت القضية بصلح عن
إِنكار لا يجيزه ويمضيه ويوثقه ؛ لأَنه فيه هضماً للحق ، وبعضهم يرى
جوازه وصحته ؛ لأَنه برضا الخصم ، وله فيه مصلحة ، وبراءَة ذمة ،
والخلاف الفقهي في هذه المسأَلة مشهور في محاله .
(72) – بيع الفيز ( التأْشيرات) إِذا حصل النزاع في ثمنها ، فبعض
القضاة يصرف النظر عن المطالبة به ، ولا يثبت استحقاق المدعي له ،
ويقرر التراد فيه للعوضين ؛ لعدم صحة البيع في نظره ؛ استناداً على
فتوى اللجنة الدائِمة بعدم جواز ذلك ، وأَنه من اختصاص وزارة الداخلية
، وبعضهم لا يلتفت لذلك ، ويحكم للمدعي بالثمن في حال ثبوت دعواه ؛
لصحة البيع في نظره.
(73) – الحكم لبعض الشركاءِ أَو عليهم في موضوع الشركة من إِرث وغيره ،
فبعض القضاة يعديه إِلى سائِر الشركاءِ ويعمهم به ، ولو كانوا غائِبين
لم يمثلوا في المرافعة ، لاسيما في حال استناد الحكم إِلى بينة متعدية
، وليس إِقراراً قاصرة حجيته على النفس ، ويستند في ذلك لكلام الفقهاءِ
، وهو منصوص عليه في المذهب ، وصدر به قرار للهيئَة القضائِية العليا ،
بأَنَّ الحكم في مثل هذه الأَحوال يعم كافة الشركاءِ لهم أَو عليهم ،
وبعضهم لا يعدي أَثره إِلى غير المترافعين ؛ لأَن الغائِب على حجته ،
ولا ولاية لأَحد على غيره إِلا بمخول شرعي في النيابة في المرافعة
لاسيما إِن ثبت الحكم بإِقرار قاصر .
(74) – حجب الجمع من الإِخوة للأُم حجب نقصان من الثلث إِلى السدس يراه
غالب القضاة في أَحكامهم كما هو الصحيح من مذهب الحنابلة ، وعليه أَكثر
الفقهاءِ ، لكن بعض القضاة لا يرى تأْثيرهم عليها مطلقاً ، فلا
يحجبونها ؛ ولذا لا يذكرون ذلك في إِعلام الحصر ، وهو قول بعض
المتأَخرين ، واختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية ، والشيخ عبد الرحمن
السعدي . وبعض القضاة لا يرى حجبها إِلا بالجمع ، وأَقله عنده ثلاثة ،
لا اثنان ، وهي مسأَلة أُصولية مشهور فيها الخلاف .
(75) – الدعوى بطلب إِخلاءِ الدار المستأْجرة التي تختص بنظرها المحكمة
العامة حسب التعليمات ، بعض القضاة يحكم بالإِخلاءِ عند تحقق موجبه ،
وبعضهم لا يفعل ذلك ، وإِنما يقتصر على النظر في إِثبات حاجة المالك
أَو المبررات لطلب الإِخلاءِ من عدم ثبوت ذلك ، وعدم النص في الحكم على
إِخلاءِ الدار حسب التعليمات السامية المبلغة في تعميم الوزارة رقم 189
في 8/7/98هـ . ( التصنيف الموضوعي ط2 ج3/349-350) .
(76) – دعوى الولد ضد والده ، فبعض القضاة يطلق في سماعها ، ولا يقيده
بنوع معين من الدعاوى ، كسائِر الدعاوى ، وبعض القضاة لا يسمعها إِلا
في المسائِل المستثناة التي تصح فيها دعوى الولد على والده ، مثل
النفقة ، أَو عين مال للولد بيد الوالد ، ونحو ذلك ، كما هو المتقرر في
المذهب الحنبلي .
(77) – الدعاوى العمالية ، والقضايا التجارية ، فبعض القضاة يسمعها ،
ولا يدفعها لجهة أُخرى ؛ لأَنَّه لا يرى ولاية لغير الشرع على نظرها ،
وإِن حصل استثناءٌ بنظرها من جهات أُخرى ، ويستند إِلى كلام الشيخ محمد
بن إِبراهيم في فتاواه ورسائِله المشهورة في هذا الصدد ، وبعضهم يرى
عدم ولايته شرعاً على نظرها ؛ لإِخراجها من ولاية المحاكم بنظام ،
والقضاءُ شرعاً يقبل التخصيص بالنوع ، كما يقبله بالمكان والزمان ، فلا
ينظرها ويتركها لجهتها المختصة ، وإِن لم تكن شرعية
(78)- دعوى طلب الإِفراغ للعقار المباع إِذا كان يقع خارج الولاية
المكانية للمحكمة ناظرة الدعوى ، فبعض القضاة ينظرها ، ويحكم به ، ولو
خرج عن ولايته ؛ لأَنه مندرج ضمن مرافعة مختص بنظرها باعتبار المدعى
عليه يقيم في ولايته ، وليس إِفراغاً ابتداءً حتى يتطلب الولاية
المكانية ، وبعضهم لا يرى ذلك ؛ لأَنه يصدق عليه إِجراءُ إِفراغ ونقل
ملكية خارج ولايته ، ويترك ذلك للمحكمة صاحبة ولاية العقار ، وهو توجه
في غير محله ؛ لمسوغات كثيرة ليس هذا موضع بيانها .
(79) – في حال انتقال المدعى عليه من بلد نظر الدعوى أَثناءَ نظرها قبل
الحكم فيها ، ولو كانت القضية مهيأَة للحكم ، فبعض القضاة يستمر في
نظرها حتى الحكم ، ولا تؤَثر نقلة المدعى عليه عن البلد ؛ سداً لذريعة
الاحتيال والتنصل من القضية ، ولغير ذلك من أَسباب ، وبعضهم يصرف النظر
عن الدعوى ، ويتوقف عنها ، ويفهم المدعي بإِقامة دعواه لدى محكمة البلد
الذي انتقل إِليه المدعى عليه ، ويستند في ذلك إِلى توجيه صادر عن
رئِيس القضاة في فتاواه . وهذا التوجه في غير محله .
(80) – الدعوى بطلب انقياد الزوجة إِلى بيت الطاعة ، فغالب القضاة
يسمعها في مواجهة الزوجة ، وبعضهم لا يسمعها إِلا في مواجهة وليها ،
وإِذا توجهت حكم عليه بتسليمها لزوجها ، مع أَنَّ وليها في الأَصل غير
ممانع في انقيادها ، حتى يحكم عليه بالمنع من التعرض لها ، فلا صفة له
في ذلك والحال ما ذكر ، ولا يملك التسليم لو امتنعت من ذلك ، فالسلطة
إِنما هي للشرع ، وهذا توجه في غير محله ، ما لم يحصل من الولي ما ذكر.
(81) – الدعوى أَو الصلح في العملة النقدية الورقية ، وإِجراءِ تحويلها
في الحكم إِلى عملة أُخرى بما يعادلها ، فبعض القضاة يجيز ذلك ؛ لما
يراه من كون حقيقة العملة الورقية لا تقاس على النقدين من ذهب وفضة ،
وبعضهم لا يرى ذلك في الحكم مادام هو في الذمة ؛ لاشتراط التقابض
والحلول ؛ خشية من مواقعة الربا .
(82) – العقوبة بعد تركيز نسبة الإِدانة على الأَحداث في حوادث السير ،
بعض قضاة الأَحداث يرجعها إِلى ولي الأَمر كما هو الحال في قضايا غير
الأَحداث ، وبعضهم – وهو الموافق للتعليمات – لا يجعلها لولي الأَمر ،
وإِنما يقرر فيها العقوبة المناسبة على الحدث ؛ لكون قضايا الأَحداث
غير مشمولة بنظام المرور ، ولدي في هذا مخابرات مفصلة مع وزارة العدل
والداخلية تؤَكد ذلك .
(83) – النظر في قضايا الأَحداث الذين لم يحاكموا إِلا بعد تجاوزهم
السن النظامي للحدث ، فبعض القضاة يجعل العبرة بوقت وقوع الجريمة ،
فيعامله معاملة الحدث وهو الموافق للتعليمات ، وبعضهم يجعل العبرة بوقت
المحاكمة ، ويترتب على ذلك آثار كثيرة شرعية ونظامية يطول ذكرها .
(84) – الدعوى في طلب نصيب الميراث من الشرهة ( العادة السنوية )
والراتب التقاعدي ، فبعض القضاة لا يرى لها حكم الميراث ، ويرجعها
لنظام وعادة ولي الأَمر ، وبعضهم يعامل ذلك معاملة الإِرث ، وهو محل
نظر . وفتاوى ابن إِبراهيم على خلافه .
(85) – الدعوى أَو الإِنهاءُ بطلب قسمة التركة إِجباراً أَو تراضياً
لورثة فيهم غير مكلف في حال حصول القسمة ، وعدم وجود صكوك تملك مستوفية
للإِجراءَات الشرعية والنظامية لأَعيان التركة أَو بعضها ، فغالب
القضاة يتوقف على توثيقها أَو الحكم بإِجراءِ القسمة حتى يجري استخراج
صكوك تملك لها ، أَو استكمال إِجراءَاتها الشرعية والنظامية في حال
نقصها عملاً بظاهر التعليمات ، وبعض القضاة يجري القسمة توثيقاً أَو
حكماً بصحتها ، ولو لم يكن لأَعيانها أَو بعضها صكوك تملك مستوفية ،
ويفهم الورثة بأَنَّ صك القسمة لا يفيد التملك ولا يقوم مقام حجة
الاستحكام ، ولا يعتمد عليه في إِفراغ ونحوه ، ويستند في ذلك على توجيه
في هذا الخصوص صادر من سماحة رئِيس مجلس القضاءِ الأَعلى ، ولكل وجهة
تعليلاتها واستدلالاتها المطولة .
(86) – الدعوى في حقوق الله (الحق العام) على الغائِب ، فغالب القضاة
لا يرى سماعها شرعاً ؛ لأَنَّ القضاءَ على الغائِب إِنما يكون في حقوق
الآدميين خاصة ؛ لأَنه لا يقع درؤُها بالشبهات ، وهو موضع إِجماع ،
ونظام الإجراءات الجزائِية يدل على ذلك ، ولكن ندرة من القضاة يصحح
سماعها ، ويجعلها كحقوق الآدميين لأَدلة يطول ذكرها .
(87) – الدعوى في الحقوق العينية ، كالأَراضي مثلاً في حال إِقامة كل
من المتداعيين بينة موصلة سالمة من المعارض الراجح ، بعض القضاة يقدم
بينة الداخل ( واضع اليد ) ؛ لقوة جانبه ، ويصرف النظر عن الدعوى ، وهو
ما رجحه ابن إِبراهيم في فتاواه ، وبعضهم يقدم بينة الخارج لاعتبارات
كثيرة ، ويحكم للمدعي ، والخلاف في المسأَلة مشهور مبسوط في مظانه .
(88) – دعوى الدائِن في مواجهة الكفيل الغارم في حال عدم تعذر مطالبة
الأَصيل ( المدين ) بموت أَو غيبة أَو إِفلاس ، فغالب القضاة يسمعها ،
ولو كان الحال كذلك ؛ لأَنَّ الدائِن مخير في مطالبة من شاءَ منهما ؛
لثبوت الحق في ذمتيهما ، وهذا بناءً على مفهوم الضمان وحقيقته من كونه
تعدداً لمحل الحق على سبيل التعلق والاستيثاق ، وهو الذي عليه المذهب ،
وغالب عمل القضاة ، وبعضهم لا يرى الحق له في ذلك حتى تتعذر مطالبة
الأَصيل ؛ لأَنه يرى أَنَّ حقيقة الضمان هو وثيقة كالرهن لا يباع إِلا
عند تعذر الاستيفاءِ ، كالماءِ والتيمم ؛ ولأَنَّ الكفالة عقد إِرفاق
محض ، فلا يدخل الحرج على الكفلاءِ ، وربما ذلك يسد باب الكفالات ،
وهذا التوجه مال إِليه بعض العلماءِ المعاصرين كالشيخ ابن باز وابن
عثيمين . ولي في هذا كلام مطول مفصل في رسالة الماجستير .
(89) – دعوى المطالبة برد بدل القرض المؤَجل بالشرط ، فبعض القضاة يصرف
النظر عنها ؛ لصحة الشرط ولزومه ؛ لأَنَّ القرض عنده يتأَجل بالتأْجيل
، وبعضهم يحكم للمدعي به حالاً ، ولو كان مؤَجلاً ؛ لأَنَّ القرض في
الأَصل على جهة الحلول ، والحال لا يتأَجل بالتأْجيل ، كما هو مقرر في
المذهب ، فلا يلزم شرط تأْجيله ، لكن المحققين من أَهل العلم يرون صحة
شرط التأْجيل في القرض ، ولا يحل إِلا في أَجله المشروط ، والخلاف في
المسأَلة مشهور .
(90) – الدعوى في طلب استرداد ما دفعه الزوج أَو الخاطب من المهر من
هدايا ونحوها في حال عدم الزواج أَو استمراره ، فبعض القضاة لا يرى
ردها ؛ لأَنها من قبيل الهدية ، أَو ما في حكمها ، عملاً بالعرف العام
، وبعضهم يرى الحكم بردها ؛ لكونها من المهر ، وذكر هذه المسأَلة
بتفصيل البهوتي في الكشاف .
(91) – دعوى مطالبة مالك السيارة مع المتسبب ( السائِق ) بالاشتراك في
ضمان الجناية أَو تلفيات السيارة الأُخرى ؛ لكون السائِق لا يحمل رخصة
سير حسب نظام المرور الذي نص على التضامن في هذه الحالة بين المالك
والسائِق ، فبعض القضاة لا يعمل به ، ويحصر الضمان في السائِق المتسبب
؛ لأَنه هو المباشر ، والمباشرة إِذا اجتمعت مع السبب قدِّمت عليه ؛
لأَنها أَقوى منه ، وبعض القضاة يحكم بالتضامن بينهما ؛ لأَنَّ الملك
مفرط ، والمباشرة إِذا كانت مبنية على السبب اشتركا في الضمان
(92) – دعوى الجد الصحيح ( الجد لأَب) ضد من ولي على أَولاد ابنه بطلب
عزله عن الولاية ؛ لكونه صاحب الولاية الأَصلية بعد الأَب ، فبعض
القضاة يحكم بعزل الولي ؛ لأَنَّ الجد له ولاية أَصلية كالأَب بحكم
الشرع ، وبعضهم يرى أَنه كسائِر الأَولياءِ ، لا يكتسب الولاية إِلا
بالتنصيب من الحاكم الشرعي . وقد صدر في هذا تعميم الوزارة في التصنيف
الموضوعي في باب الولاية ، وذكر القولين في المسأَلة والترجيح
والاحتياط .
(93) – مسأَلة ضع وتعجل في حال وقوع صلح فيها بعد الخصومة ، بعض القضاة
يراها ، وبعضهم لا يرى ذلك .
(94) – نصيب القصار من دية مورثهم ، بعض القضاة يحكم بتسليمه لوليهم ،
إِن كانت هي الأَم ، أَو قريباً ، وكان قليلاً ، وهم مقاربون للبلوغ ،
ومحتاجون للنفقة منه ، وبعضهم لا يرى ذلك مهما كانت الأَسباب ، تحقيقاً
لمصلحة القاصر ، ويقرر إِيداعه في بيت مال المحكمة في حساب القصار لحين
بلوغهم الرشد أَو وجود حاجة أَو مصلحة تأْذن بصرفه أَو بعضه ، وبعضهم
يرى تسليمه مطلقاً ، ولو كان كثيراً .
(95) – الدعوى أَو الإِنهاءُ بطلب القسمة في التراضي أَو الإِجبار إِذا
كانت أَنصباءُ الورثة تقل عن المساحة التي تشترط لصحة التجزئَة لدى
البلدية أَو الزراعة ، فبعض القضاة لا يجريها ، وبعضهم يفعل ذلك ، ولو
نقصت عن المساحة المشترطة ؛ لأَنه نصيب محدد بالشرع ، لا يملك أَحد
تقييده .
(96) – دعوى صاحب البناءِ في مواجهة المقاول بطلب إِلزامه بإِكمال
البناءِ الذي توقف عنه ، فبعض القضاة لا يلزم المقاول بذلك مطلقاً ،
ولو لم يكن له عذر ؛ لما نص عليه الفقهاءُ في كتاب الإِجارة من أَنَّ
الأَجير المشترك لا يلزم بإِكمال العمل ، ولا يستحق عوضاً لما عمله حتى
يتم ما وقع عليه العقد ، وبعض القضاة يلزمه بذلك ما لم يكن له عذر
مقبول ؛ لأَنه من باب الوفاءِ بالعقود المأْمور به شرعاً ؛ ودفعاً
للضرر عن مالك البناءِ.
(97) – تصرف الوكيل في الدعوى بالصلح حال كون وكالته لا تخوله حق الصلح
لا صراحة ولا ضمناً ، فبعض القضاة يجيز ذلك ويوثقه ؛ ويقرر الوكيل أَنه
في حال عدم موافقة موكله على الصلح ، فالضمان عليه ، وبعض القضاة لا
يصحح ذلك ، ولا يوثق الصلح حتى يخول الوكيل حق الصلح في صلب الوكالة ،
فإِن أَصر أَفهمه بذلك رسمياً ، وعامله بتعليمات التمييز .
(98) – دفع المدعى عليه بالإِعسار أَثناءَ نظر الدعوى في حال عدم
مصادقة المدعي عليه ، بعض القضاة لا يسمعه ولا ينظر في إِثباته ؛ لأَن
محله بعد الحكم بثبوت الدين ، والإِلزام بوفائِه شرعاً في دعوى مستقلة
يقيمها المدين على غريمه ، واستظهار الحال واستيفاءِ إِجراءِ التحريات
الإِدارية عن ممتلكات المدين ، وبعض القضاة يسير على كلام الفقهاءِ ،
ولا يراعي التعليمات في ذلك ، وينظر مثل هذا الدفع في أَثناءِ المرافعة
.
(99) – دعوى الجار في مواجهة جاره بطلب إِزالة أَغصان شجرته المتدلية
على ملكه ؛ رفعاً لضررها ، فبعض القضاة في حال ثبوت ذلك ، يحكم بإِلزام
صاحب الشجرة بقطع ما زاد عن ملكه جبراً ، وبعضهم لا يجبره على ذلك ؛
لأَنه ليس بفعله ، ويفهم مالك الهواءِ بليِّ الغصن المتدلي إِن أَمكن
وإِلا قطعه ، كالصائِل الذي لا يندفع إِلا بالقتل ، والمسأَلة فيها
قولان للفقهاءِ ، ولعل المتجه هو الإِلزام كما رجحه الشيخ ابن باز في
مجموع فتاواه .
(100) – الدعوى فيما تتلفه البهائِم من الزروع والثمار ، فبعض القضاة
لا يرى فيه الضمان مطلقاً ليلاً أَو نهاراً ، وعلى صاحب الزرع حفظ زرعه
، ما لم يكن محفوظاً . وبعضهم يفرق في الضمان بين الإِتلاف الواقع في
الليل أَو النهار ، وبين كون الزرع محفوظاً أَو مهملاً ، فتتباين فيها
الأَحكام .
(101) – ومِن مواضع تفاوت وتباين الأَحكام القضائِية : حجج الاستحكام
التي يتقدم بطلبها بعض المنهين على غير عقار ( منقول) ، كالمرافق التي
يثبت فيها حق الاختصاص ( الانتفاع) دون ملك رقبة العين ، مثل أَحرام
الأَملاك ومساييلها لسقيا الماءِ ، وكالأَشجار وأَحرامها بقدر مدِّ
أَغصانها ، فغالب القضاة يصرف النظر عن الإِنهاءِ ابتداءً ؛ لأَنَّ
الأَنظمة والتعليمات القضائِية أَوضحت أَنَّ مفهوم حجة الاستحكام هو
طلب إِثبات تملك عقار في غير مواجهة خصم ابتداءً ، وهذا المفهوم يخرج
ما سوى العقار ، فلا يشمله نظام الاستحكام ، وهذا ما جرى عليه العمل
بإِطباق ؛ ولأَنَّ حقوق الارتفاق والاختصاص للعقار تدخل تبعاً فيه ،
فيغني استصدار الاستحكام على أَصل العقار ، والتابع تابع لا يفرد
بالحكم ، وهذا مما تصدق عليه قاعدة : يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً
، والقصد من الاستحكام الديمومة في إِثبات التملك ، وغير العقار عرضة
للزوال ، وغير ذلك من المسوغات ، لكن بعض القضاة يثبت تملك مثل ذلك ،
وقد وقع في محكمة ظهران الجنوب بعسير ، حيث حكم أَحد القضاة بصرف النظر
عن طلب تملك شجرة أَثل وأَحرامها ، وانتهى الحكم بنقضه من التمييز حيث
ترى وجاهة الطلب ، ثم نظر من قبل قاضٍ آخر ، فأَثبت التملك وصدق من
التمييز ، وأَورد مبررات واستدلالات غير ناهضة .
(102) – ومما تباينت فيه الأَحكام قضية حادث سير بين سيارتين تسبب في
إِتلاف خمس منافع للطرف الآخر ( السائِق الثاني غير مدان في الحادث) ،
وهو من السابق مريض بالقلب ، ودخل المستشفى على إِثر إِصابته في الحادث
، ومكث فيه مرقداً أَربعة أَشهر ، ثم توفي بسبب هبوط في القلب والدورة
الدموية ، وطالب ورثته بخمس ديات لمنافعه الذاهبة ؛ لأَنَّ وفاته هي
بسبب الحادث ، الذي أَثر على قلبه ، وليس من المرض القديم للقلب
استقلالاً ، ولم يستطع الأَطباءُ تحديد سبب هبوط القلب والدورة الدموية
هل هو نتيجة الحادث ، أَو من مرضه القديم في القلب ، فصدر حكمان في
القضية من محكمة خيبر الجنوب ويعرى ، أَحدهما بالحكم له بدية النفس فقط
؛ لكون موته بسبب الحادث ، وجرى نقضه ، ثم حكم في القضية مرة أُخرى
بخمس ديات ؛ لكون موته بسبب مرض القلب القديم ، وصدق الحكم من التمييز
، وكل حكم أَورد حاكمه فيه تسبيبه . وسبب الإِشكال كيفية التوصل إِلى
معرفة سبب الوفاة مادام الأَطباءُ عجزوا عن تحديدها هل هي من جراءِ
الحادث ؛ ليستحق دية واحدة فقط ، أَو من جراءِ مرضه القديم ؛ ليستحق
ديات المنافع جميعاً ، وهل تنطبق على ذلك قاعدة إِضافة الحادث إِلى
أَقرب أَوقاته ؟ . المسأَلة محل نظر وتأَمل ، وتحتاج إِلى تقعيد
وتأْصيل فقهي يُسار عليه كقاعدة عامة .
(103) – مسأَلة الجهل بالأَحكام في ديار الإِسلام بالنسبة للمسلمين
وغيرهم ، هل يكون عذراً في إِسقاط العقوبة أَو تخفيفها ، أَو لا تأْثير
له ، بعض القضاة يعتبره مسقطاً بالكلية ؛ لأَنَّ العقاب إِنما يكون بعد
البلاغ وإِقامة الحجة ، وبعضهم لا يعتبره أَصلاً ؛ لأَنَّ ديار
الإِسلام مظنة للعلم بالأَحكام الشرعية ، وعدم جهلها في الغالب ،
وبعضهم يعتبره مخففاً إِذا كان مثله مما يعذر حسب الحال والمقال ، مما
ينتج عنه تباين الأَحكام في القضية الواحدة ، فيحتاج الأَمر إِلى
تأْصيل ضوابط فقهية للفصل في المسأَلة .
(104) – الرجوع عن الإِقرار في موجب التعازير ، فبعض القضاة يثبت
إِدانة المتهم بما نسب إِليه في دعوى الحق العام من جُرم يوجب التعزير
، ولا يعتبر رجوع المتهم عن إِقراره شبهة تؤَثر على الثبوت القطعي ، ما
لم يقم دليلاً معتبراً يسقط اعتبار إِقراره من إِكراه ملجيءٍ ونحوه ؛
لأَنَّ التعازير عنده لا تدرؤُها الشبهات ، وبعضهم لا يثبت إِدانة
المتهم في حال رجوعه عن إِقراره في موجب التعزير ، وإِنما يثبت توجه
التهمة والشبهة فحسب ؛ لأَنه يعتبر الرجوع شبهة ؛ لاحتمال صدقه ،
لاسيما إِن حفت قرائِن تدل على ذلك . فاحتاج الأَمر إِلى ضابط في ذلك .
(105) – دعوى الحق العام بطلب تعزير مماطل في وفاءِ ديونه ، بعض القضاة
يصرف النظر عنها ؛ لأَنَّه لا يتوجه فيها حق عام ، وهي راجعة لأَصحاب
الحقوق الخاصة ، وبعضهم يرى توجه الحق العام فيها ، ويحكم بالتعزير في
حال ثبوت الدعوى ؛ لأَنَّ النفع فيها يتعلق بالعموم . والكلام في
المسأَلة يحتاج إِلى تحرير ليس هذا موضعه .
(106) – تضمين دعوى الحق العام طلب تشديد العقوبة على المتهم لقاءَ
تعدد وكثرة سوابقه في حال وجود سوابق له ، بعض القضاة يرى التشديد في
ذلك ما لم تسبق عقوبته عليه ، وكانت سوابقه ثلاثاً فما فوق حسب
التعليمات ، وبعضهم لا يرى ذلك ، ولو لم تسبق معاقبته على تكرر سوابقه
، ويصرف النظر عن طلب التشديد لقاءَ ذلك ؛ لسبق عقوبته على السوابق
الماضية ، فلا تتكرر العقوبة ، وهو توجه في غير محله لأَسباب كثيرة .
(107) – المطالبة في الحق العام بالتعزير بالقتل في حال ثبوت الجرم
بوجه قطعي ، فبعض القضاة يصرف النظر عن ذلك ؛ لأَنه لا يرى في الأَصل
جواز القتل تعزيراً ، وبعضهم يرى ذلك ، وجرى به العمل ؛ تحقيقاً
للمصلحة .
(108) – دعوى البائِع بطلب فسخ البيع ؛ لتحقق ثبوت إِفلاس وإِعسار
المشتري ، بعض القضاة لا يرى الحكم بالفسخ ، ويثبت الدين في الذمة متى
قدر المشتري على أَدائِه دفعه ؛ لانعقاد البيع بتوافر أَركانه وشروط
صحته ، وبعضهم يرى الفسخ ؛ دفعاً للضرر الذي يلحق البائِع ، وللفقهاءِ
كلام مطول في هذا .
(109) – الدعوى المقلوبة ، فغالب القضاة لا يسمعها ويصرف النظر عنها
ابتداءً ؛ لعدم الصفة الشرعية ، فصاحب الحق هو الذي يدعي ، وبعضهم
يسمعها ؛ لما فيها من تحقيق مصلحة للمدعي بكف أَذى المدعى عليه ، وذكر
هذا بعض الفقهاءِ ، وفيه نظر ، ولم يجر به عمل في الغالب .
(110) – حجج الاستحكام السكنية الآيل مشمولها للمنهي بالإِحياءِ بعد
منع ولي الأَمر في 1387هـ ، فبعض القضاة لا ينظرها ؛ لعدم الولاية إِلا
بإِذن من المقام السامي ، وبعضهم ينظرها دون إِذن المقام السامي ، وفي
حال معارضة البلدية يحكم لها باستيفاءِ القيمة حسب التعليمات . والكلام
في هذه المسأَلة طويلة ذيوله ومتشعبة أَطرافه من وجهة شرعية ونظامية
أَساسها الخلاف الفقهي في مسأَلة هل لولي الأَمر حق تقييد المباح ؟
(111) – دعوى الحق العام ضد معلِّم بطلب تعزيره ؛ لضربه أَحد تلاميذه
داخل المدرسة ؛ لتقصير أَو سوءِ أَدب منه ، فبعض القضاة لا يرى تعزيره
مطلقاً ، ولو أَسرف في الضرب ، وتجاوز حدود التأْديب المشروع ؛ لأَنَّ
فعله لا يضمن إِلا بالمال ، فهو ليس كغيره ؛ لأَنه له ولاية تأْديب في
الأَصل ، والظاهر أَنَّ ضربه للطالب بقصد المصلحة لا بدافع التشفي
والانتقام ، ولو فتح الباب لتجرأَ الطلاب على معلميهم ، وغير ذلك من
الأَسباب ، وبعضهم يرى تعزيره في حال تجاوزه التأْديب المشروع ؛ لأَنه
يخرج حينئِذ إِلى حد التشفي ، فيعزر كغيره ، وبعضهم يرى تعزيره مطلقاً
؛ لمخالفته الأَمر بمنع الضرب في المدارس ، وهو أَمر مصلحي يتعين
التقيد به . وقد نظرت قضية في هذا الخصوص صدقت من التمييز وهي في طور
نشرها في مجلة العدل ، عليها تعليقات ضافية .
(112) – حجج الاستحكام المخرجة بوقفية المساجد ، بعض القضاة ينص على
أَنها لصالح أَملاك الدولة حسب التعليمات ، وبعضهم لا يرى ذلك ؛ لأَنَّ
الوقف إِذا صدر خرج على حكم ملك الله على الراجح ، فلا ينص على ذلك ،
ويجعل حق الإِشراف والنظارة للجهة المختصة .
(113) – القتل قصاصاً وفي ورثة المجني عليه قصار ، غالب القضاة ينص على
تأْجيل استيفاءِ القصاص حتى ثبوت بلوغ ورشد القصر من الورثة ،
ومطالبتهم بالاستيفاءِ مع بقية الورثة ، وهو المستقر عليه العمل ، وبعض
القضاة في حال شناعة الجرم ينص على تعجيل الاستيفاءِ دون انتظار ذلك ،
وهو محل نظر ظاهر .
(114) – دعوى المرأَة بطلب فسخ نكاحها من زوجها الغائِب ؛ لتضررها من
كل وجه ، بعض القضاة يؤَقت الغيبة الجائِزة بمدة معينة حسب ما ورد في
السنة ، فلا يسمع دعواها إِلا بعد مضيها ، وبعضهم لا يقيدها بمدة محددة
، وإِنما العبرة بتحقق الضرر ، فمتى ظهر له وثبت شرعاً حكم بالفسخ ؛
رفعاً للضرر بعد إِجراءِ التحريات الإِدارية اللازمة ، ومنها الإِعلان
والبينة المعدلة .
(115) – دعوى المرأَة بطلب فسخ نكاحها من زوجها ؛ لموجبات تدعيها ،
فبعض القضاة لا ينظر إِلى القضية إِلا من زاوية ضيقة ، فإِن لم تثبت ما
تدعيه من موجبات ، صرف النظر عن دعواها ، وبعضهم لا يقصر نظره على ذلك
، ويعتبره من قبيل الكره والبغض ، فيبعث الحكمين ، وما يقررانه من
تفريق بعوض أَو بدونه أَخذ به وأَلزم .
(116) – الإِنهاءُ بطلب الإِذن بالتصرفات في مال القاصر من رهن وإِذن
بيع ومساهمة في شركة ونحو ذلك ، بعض القضاة يصرف النظر عن الطلب في حال
كون مال القاصر خارج الولاية المكانية لمحكمته ؛ لاختصاص قاضي بلد مال
القاصر بها ، وبعض القضاة ينظرها ، ويجري الإِيجاب الشرعي حيالها مادام
القاصر يقيم في نطاق الولاية المكانية لقضائِه ، وسبب التفاوت الاختلاف
هل العبرة بمحل إِقامة القاصر ، أَو ببلد ماله ، والمسأَلة فيها كلام
للفقهاءِ ، ووردت فيها تعليمات .
(117) – دعوى طلب المال إِذا كان مستندها إِقرار المدعى عليه الذي رجع
عنه ، فبعض القضاة لا يعتد بالرجوع عن الإِقرار في حق الآدمي ؛ لانقاد
الإِجماع على ذلك ، ويحكم بالمال للمدعي ، وبعضهم يعتبر الرجوع مؤَثراً
في حال مخالفة الإِقرار للحس ؛ لكونه مكذَباً حينئِذٍ ، فيهمله ، ولا
يحكم بالمال المدعى به ، ما لم تكن هناك بينة أُخرى موصلة ، وفي ذلك
كلام للفقهاءِ.
(118) – الدعاوى من البلدية المتعلقة بنقل القبور ضد من يمانع في ذلك ،
بعض القضاة لا ينظرها مطلقاً ؛ لاختصاص اللجنة الدائِمة للبحوث العلمية
والإِفتاءِ بها حسب التعليمات ، وبعضهم ينظرها ويحكم بما يظهر له من
نقل أَو عدمه في حال كون القبور واقعة في مشمول صك صادر من المحكمة ،
فإِن لم تكن كذلك لم ينظرها حسب التعليمات ، وترك الفصل فيها للإِفتاءِ
.
(119) – الدعوى ضد الجهة الحكومية في استرداد حيازة عقار ، فبعض القضاة
ينظرها ؛ لتعلقها بملكية ، وهي من اختصاص المحاكم ، وبعضهم يصرف النظر
عنها ؛ لاختصاص ديوان المظالم بها ؛ لكون الدولة طرفاً فيها .
(120) – تباين الإِفهامات الصادرة حول مدة العدة بعد الفرقة ، فبعض
القضاة يجعل عدة الخلع الاستبراء بحيضة واحدة ؛ لأَنه فسخ ، وبعضهم
يجعلها ثلاث حيض ؛ لأَنه طلاق ، كذلك بعض القضاة يفهم الزوجة بلزوم
العدة من تاريخ تصديق الحكم ، وبعضهم من تاريخ الحكم ، وأَلا تتزوج
إِلا بعد انتهاءِ العدة وتصديق الحكم حسب التعليمات المعتبرة .
(121) – الدعوى بطلب ثمن مبيع أَو صلح عن قتل عمد من ضمنه سلاح ، بعض
القضاة لا يرى مانعاً من الحكم بذلك ؛ لكونه مالاً ، وبعضهم لا يصحح
كونه عوضاً ؛ لمنع تبادله وانتقاله من ولي الأَمر .
(122) – الدعوى العامة بطلب تعزير المدعى عليه لإِقامته دعوى كيدية ،
فبعض القضاة يرى أَنَّ عجز المدعي عن إِثبات دعواه من قبيل الدعوى
الكيدية ، ويعزر في ذلك ، وبعضهم لا يعزر في ذلك ، ما لم يثبت تعمد
المدعي قصد الإِضرار بالمدعى عليه ، وكذبه في دعواه ، سواء ثبت ذلك
بالإِقرار أَو البينة ، أَو الحس الظاهر ، أَو القرائِن وشواهد الحال ؛
لأَنَّ مجرد العجز عن إِثبات الدعوى لا يلزم منه كذب المدعي في دعواه ،
وإِلا لاعتبرت كثير من الدعاوى من هذا القبيل .
(123) – الدعوى في مصلحة عامة ، وفي البلد جهة حكومية مختصة تقوم على
حمايتها وتختص بالدعوى فيها ، وللمدعي فيها منفعة خاصة ، كشارع عام
يعبر منه إِلى سكنه ، قام أَحدهم بتضييقه أَو إِغلاقه ، فبعض القضاة لا
يرى له صفة في الدعوى في ذلك ؛ لتعلقها بالصالح العام ، والأَمر فيها
منوط بالجهة الرسمية ، ولو كان للمدعي مصلحة خاصة في ذلك ، وبعض القضاة
ينظرها ويرى له الصفة فيها مادام يدعي الضرر ؛ لأَنَّ الجهة الرسمية قد
لا ترغب في الدعوى ، ولو رغبت فربما لا تسطيع إِثباتها .
(124) – الدعوى بدين على ميت ، فبعض القضاة لا يسمعها إِلا في مواجهة
الورثة ، وبعضهم يسمعها دون حضورهم ، ومن يرى سماعها في مواجهة الورثة
في حال ثبوتها ، فبعضهم يحكم على الورثة أَنفسهم ، وبعضهم على تركة
الميت ، وبعضهم يصرف النظر عنها في حال عدم وجود تركة ، ويقتصر على
مجرد إِثبات الدين في ذمة الميت ، وبعضهم يفهم المدعي بإِقامة الدعوى
حينئِذٍ على بيت مال المسلمين .
(125) – الدعوى في عين أَو ثمن ما يستعمل في الحلال والحرام ، كالقنوات
الفضائِية ، فبعض القضاة لا يرى حلها ؛ تغليباً لجانب الحرام احتياطاً
، وبعضهم يرى صحة الحكم بها في حال الثبوت ؛ لأَنَّها غير مختصة في
استعمال الحرام ، والظاهر براءَة الذمة والسلامة .
(126) – الدعوى في الأَمر المحتمل ( المتوقع ) ، بعض القضاة لا يسمعها
؛ لأَنَّ من شروط صحة تحرير الدعوى تعلقها بالحال ، وبعضهم يسمعها ؛
لما للمدعي من مصلحة في ذلك ، وهذا ما ورد في لائِحة نظام المرافعات
الشرعية .
(127) – الدعوى في مال أَو ما يقصد به المال عجز المدعي عن إِقامة
البينة عليه ، ونكل المدعي عليه عن اليمين ، فبعض القضاة يحكم للمدعي
بمجرد النكول ، وبعضهم يرد اليمين على المدعي ، فإِن حلف وإِلا رد
دعواه .
(128) – إِثبات وإِمضاءِ الطلاق على عوض غير مقبوض ، فبعض القضاة لا
يثبته ؛ لأَنه كالطلاق المعلق ، وقد لا يتحقق دفع العوض ، فلا يقع ،
وبعضهم يثبته ويمضيه ، وعدم دفع العوض لا يمنع من وقوع الطلاق ؛ لثبوته
في الذمة كالخلع .
(129) – ما تدخله اليمين من حقوق ، فبعض القضاة يقتصر في توجيه اليمين
على الأُمور المنصوصة عن الفقهاءِ ، وبعضهم يعم دخولها في كل حق مدعى
به ، ولو لم يكن مالاً أَو مقصوداً به المال .
(130) – التعديل بين الأَولاد في الهبة ، فبعض القضاة في حجج الاستحكام
التي آل مشمولها إِلى المنهي بالهبة من والده ، وله أَولاد غيره ،
يتحقق من التعديل ، فإِذا فضله على غيره لغير معنى يخصصه ، لم يمض ويجز
الهبة ؛ لجورها ، ويصرف النظر عن طلب التملك ، فلا يثبته ، وبعضهم لا
يتطرق لذلك مطلقاً ، ويثبت التملك ؛ لأَنَّ والده أَعلم بالمصلحة ، ولم
يعارض أَحد من الأَولاد في ذلك .
(131) – حق الارتفاق ( الاستطراق – المرور) المقرر على عقار لمنفعة
عقار آخر في حال المطالبة بتحويله ونقله عن مكانه ؛ لاستغناءِ المرتفِق
بطريق آخر يؤَدي إِلى ملكه ، ولو كان بعيداً ، فبعض القضاة لا يرى
تحويل الطريق الأَول ؛ إِعمالاً لقاعدة : القديم يُترك على قِدَمه ،
وبعضهم يرى نقله وتحويله ؛ لانتفاءِ العلة من بقائِه ؛ للاستغناءِ عنه
بطريق آخر ، فانعدمت الضرورة الداعية لوجوده ، والحكم يدور مع علته
وجوداً وعدماً ، والضرورات إِنما تقدر بقدرها ، ورفعاً للضرر اللاحق
بصاحب الملك في عدم خلوص ملكه من تعلق الاختصاص للغير به ، وارتكاباً
لأَخف الضررين ، ودفعاً للخصومات المتوقعة بينهما . وهذه القضية وقعت
في محكمة باللسمر بمنطقة عسير . وصدر الحكم بصرف النظر عن الدعوى
والبقاءِ على الطريق القديم ؛ لكون الحديث بعيداً وفيه نوع وعورة ،
فلاحظ التمييز على الحكم ورأَى وجاهة الدعوى ؛ لأَنَّ الطريق الحديث
عام مسلوك ، ورجع القاضي ، وصدق الحكم . والظاهر أَن ينظر إِلى أَعلى
المفسدتين مفسدة بقاءِ الطريق القديم يمر مع ملك المدعي ، ومفسدة
تحويله التي تلحق المدعى عليه ، فما رجحت مفسدته أُبقي .
(132) – حقوق الارتفاق القديمة التي تمر في ملك الغير ، كطريق القدَم ،
والدواب للسقي والحراثة ، في حال المطالبة باستبدالها وتوسعتها ؛ لتتسع
لمرور السيارة ، والحراثة ، فبعض القضاة يرى الإِبقاءَ على القديم ،
وبعضهم يرى توسعتها ؛ لاختلاف وسائِل المواصلات عن الزمن القديم ؛ وعدم
إِمكان الانتفاع بالقديم من الطرق .
(133) – حفر الآبار لاسيما الجوفية في أَملاك تتضرر بسببها آبار الملك
المجاور بإِنقاص مائِها أَو إِذهابه ، ومطالبة المتضرر بطم ودفن البئْر
الضارة ، فبعض القضاة لا يرى ذلك ؛ لأَنه ليس من فعل الحافِر الثاني ،
ولا يدفع ضرر المدعي بإِلحاق الضرر بالمدعى عليه ، فهو ضرر خاص في
مقابلة ضرر خاص ، وليس عاماً حتى يُتحمل ، والجواز الشرعي ينافي الضمان
، وغالب القضاة يرى في حال ثبوت الضرر طم البئْر الثانية ؛ لأَنَّ
التصرف في الملك مقيد بعدم الضرر بالجار ، والأَول هو الأَسبق ،
واستعمال الملك مشروط بسلامة العاقبة ، وللفقهاءِ كلام وصور مسائِل
تقاس على ذلك .
(134) – الضمان في عقد الإِيجار المنتهي بالتمليك في حال إِبطال العقد
، فغالب القضاة يحكم بأُجرة المثل لمدة بقاءِ السيارة في يد (
المستأْجر المشتري) ، ولو فاقت أُجرة المثل قيمة السيارة ، وبعضهم
إِنما يحكم بالأَرش ، بأَن تقدر قيمة السيارة جديدة عند استلامها ، ثم
تقدر قيمتها بعد الاستعمال وحتى خروجها عند يده ، والفرق يكون أُجرة
المثل ، كتلف السيارات تقدر قيمته سليمة قبل الحادث ومعيبة بعده والفرق
هو قيمة النقص للعين والمنفعة معاً .
(135) – ضمان التلف في السيارات ، غالب القضاة يأْخذ بفتوى الشيخ ابن
إِبراهيم الفرق بين قيمتها سليمة ومعيبة بعد تقديره من عدة ورش أَو
معارض أَو تشاليح ؛ ليشمل الأَرش قيمة النقص في المنفعة ، وبعضهم إِنما
يحسب قيمة النقص في العين فقط من قطع الغيار وأُجرة اليد ، فتخرج بذلك
قيمة النقص في المنفعة .
(136) – في حال مطالبة المدعى العام بإِنزال عقوبة القتل تعزيراً مع
الحكم بالغرامة في قضايا تهريب وترويج المخدرات ، فبعض القضاة لا يحكم
بالغرامة المالية في حال صدور الحكم بالقتل تعزيراً ؛ لأَن الغرامة
تسقط في حال الوفاة وفقاً لفتوى الشيخ ابن إِبراهيم ؛ لأَنه تعزير
بالمال ، وقد فات محله ، وانتفت حكمة الزجر ، وبعضهم يرى الجمع بين
القتل تعزيراً والحكم بالغرامة المالية ؛ لتحقيق علة الردع للغير ،
ولأَنَّ الغرامة ليست جزاءً يختص بالبدن حتى يفوت محله ، وإِنما هي
متعلقة بذات المال ، فتؤْخذ من تركته .
(137) – الدعوى ضد القاصر في مال أَو جناية ، وعجْز المدعي عن إِثباتها
، فبعض القضاة يستحلف والد القاصر على نفيها - وأَفتى بذلك الشيخ ابن
إِبراهيم ، ولم يذكر مستنداً له - فيرد الدعوى ، وبعضهم يصرف النظر عن
الدعوى ، ولا تتوجه فيها اليمين على القاصر ؛ لعدم صحتها منه ، ومن
والده ؛ لكونه غير مدعى عليه ، ولم يباشر الفعل ، وفي حال ثبوتها ،
فبعض القضاة يحكم بثبوت المستحق من المال أَو الأَرش في ذمة القاصر ،
ويلزمه بالأداء بعد البلوغ ، وبعضهم يحكم عليه به في الحال .
(138) – دعوى الوافد ( الأَجنبي – غير السعودي) على زوجته السعودية
بالانقياد معه إِلى بيته في بلده ؛ لامتناع الزوجة من ذلك ، فبعض
القضاة لا يحكم بذلك ؛ لورود المنع منه في إِحدى مواد تنظيم الأَعمال
الإِدارية الملغى بنظام المرافعات ، وبعضهم يحكم به في حال اشتراط ذلك
على الزوجة وموافقتها عليه ، وبعضهم لا يحكم به مطلقاً ، ولو وافقت على
الشرط ؛ لما فيه من إِهدار مواطنتها ، وإِلحاقها ببلد أَجنبي ، فكأَنه
في حكم سحب وإِسقاط الجنسية ، وإِخراج المواطن من بلده بغير رضاه عمل
من أَعمال السيادة المناطة بولي الأَمر خاصة . والكلام في المسأَلة
وتحقيق القول فيها يطول مداه .
(139) – دعوى طلب الحضانة من المرأَة الأَجنبية لأَولادها من السعودي ،
وهي لم تنكح بعد الطلاق ، ولا مطعن في أَهليتها للحضانة ، فبعض القضاة
لا يرى لها الأَحقية في ذلك ؛ لكونها عرضة للسفر بإِرادتها أَو بقوة
النظام ، لاسيما من لم يكن لها محرم بعد الطلاق ، وبعضهم ينظر إِلى وصف
الأُمومة مجرداً من أَي اعتبار آخر ، ومصلحة المحضون ، فيحكم لها
بالحضانة مادامت أَهلاً لها ، ولا تتصف بمانع منها .
(140) – الدعوى في نفي نسب الولد إِذا أَثبت تحليل الحمض النووي أَو
البصمة الوراثية صحة نسبته لمن نفاه ، وأَصر المدعي على نفي النسب ،
وطلب إِجراءَ الملاعنة ، فبعض القضاة يجري اللعان بينهما ، ولا يلتفت
إِلى التحليل ؛ لأَنه ظني ، والأَخذ به تعطيل لحكم اللعان ، وبعضهم
يعول على التحليل ؛ لأَنه قرينة مبنية على الظن الغالب الذي يأْخذ حكم
اليقين ؛ بل يعتبره بعضهم قرينة قطعية ، ولا يُعمل اللعان ؛ لمخالفة
الدعوى للحس أَصلاً ، واللعان يكون في حال التنافي المجرد الذي يخلو عن
قوة أَحد جانبي الدعوى ، ومعلوم أَنَّ الشارع يتشوف للحوق النسب .
(141) – الدعوى بطلب إِقامة حد شرعي ، وقد سبق أَن صدر على المدعى عليه
حكم بحد مماثل من جنسه ، لكن لم ينفذ بعْد كما يقع ذلك في بعض الأَحوال
، وذلك كمن شرب المسكر ، فحكم عليه بالحد ، ثم شربه مرة أُخرى قبل
تنفيذ الأَول ، فبعض القضاة يصرف النظر عن طلب إِقامة الحد الثاني ؛
لأَنَّ الحد الأَول في حال تنفيذه يكفي ؛ لأَنَّ الحدود من جنس واحد ،
فتتداخل ، مادام لم يقم ، والعبرة بالتنفيذ لا بمجرد الحكم ، وبعضهم
يحكم بإِقامته ؛ لأَنَّ العبرة عنده بمجرد الحكم لا بالتنفيذ ، فلا يقع
التداخل بينها إِلا في حال عدم تنفيذها ، كالكفارات للأَيمان التي هي
من جنس واحد .
(142) – الدعوى بطلب ضمان كلب الزرع والصيد والماشية ، فبعض القضاة لا
يوجب فيه الضمان ؛ لعدم صحة بيعه وشرائِه ، فلا مالية له متقومة ،
وإِنما يثبت فيه حق الاختصاص بالمنفعة فقط ، وبعضهم يرى فيه الضمان ؛
لجواز اقتنائِه شرعاً ، وصحة بيعه وشرائِه ، فيكون مالاً متقوماً . وقد
ذكر بعض الفقهاءِ أَنَّ كلب الزرع ديته فَرَق من تراب ، وبعضهم ذكر
فَرَق من الحَب بقدر الذي يُغطيه ، ولا أَعرف لهذا الكلام الغريب سنداً
من الشرع .
(143) – الحكم إِذا صدر على الغائِب في حق آدمي ، وقد تبلغ عدة مرات ،
ولم يحضر دون عذر شرعي ، فبعض القضاة ينص فيه رغم ذلك على إِرجاءِ
الحجة له متى حضر ، وبعضهم يسقط حجته ؛ لامتناعه من حضور مجلس الحكم
بلا عذر ؛ فيكون ذلك من باب التعزير ، وسداً لذريعة المماطلة في الحقوق
؛ ولأَنه والحال ما ذكر في حكم الحاضر .
(144) – الدعوى العامة بطلب تعزير ملاك الإِبل السائِبة التي تكرر
تسببها في إِزهاق النفوس على الطرقات العامة ، فبعض القضاة ينظرها ،
ويحكم بالتعزير على صاحبها ؛ لإِهماله وتفريطه في حفظها ، وإِلحاقها
الضرر بالغير ، وهو قادر على حفظها ومنعها ، وبعضهم يصرف النظر عن
الدعوى ؛ لكون العادة جرت بترك الإِبل تجوب الصحارى والقفار دون قائِد
لها ، وفي وضع قائِد لها حرج على أَربابها ، لاسيما البدو الرحل الذين
هم من ضيق ذات اليد بمكان ، وقد ورد في السنة النهي عن التقاطها لعلة
أَنَّ معها حذاءَها وسقاءَها ، وامتناعها من السباع ...الخ
(145) – مقدار دية الشخص المجهول الذي لا تعرف هويته وديانته ممن يتسلل
عبر الحدود بطريقة غير نظامية ، فبعض القضاة يحكم بدية المسلم ، ولا
يلتفت إِلى ما سوى ذلك من شك ؛ لأَنَّ الأَصل واليقين في الآدمي أَن
يولد على الفطرة ، وبعضهم يرى هذا الأَصل ، ولكن لا يُعمله على إِطلاقه
، فإِن وجد ظاهر قوي ينقل عن هذا الأَصل أَخذ به ؛ لأَنه في حال تعارض
الأَصل والظاهر يقدم الظاهر – في الجملة - لقوته ورجحانه ، كما هو مقرر
في علم الأُصول بضوابط معينة ، والظاهر مثل أَن توجد عليه علامة صليب
أَو صنم مثلاً ، أَو كون دخوله من جهة بلد كفار أَو غالب عليه الكفر ،
ونحو ذلك مما يدل على ديانته يقيناً أَو ظناً راجحاً .
(146) – ضمان الأَعيان في حال ثبوت إِتلافها بغير حق ، والمدعي لا
يمكنه وصف التالف وصفاً يصلح لتقدير قيمته ، فبعض القضاة يصرف النظر عن
الدعوى ؛ لأَنها غير محررة في الأَصل ، فلا تسمع فضلاً عن البينة ،
وبعضهم يرجع إِلى أَهل الخبرة ؛ لتقدير قيمة مثلها حسب العرف ، ويأْخذ
بالأَقل ؛ لأَنه المتيقن ؛ رفعاً للحرج .
(147) – الدعوى بطلب دية نفس ، أَو أَرش جناية ضد عدد من المتهمين
اشتركوا جميعاً في هوشة نجم عنها وفاة أَو إِصابة ، ولا يعلم المدعي
أَو ورثته الجاني بعينه ، وكل من المدعى عليه ينكر فعل الجناية ، لكنهم
يقرون بأَصل الهوشة ، فبعض القضاة يصرف النظر عن الدعوى ؛ لعدم تحريرها
بذكر الجاني ، وبعضهم يحكم بالدية أَو الأَرش على جميع المشتركين
بالتساوي ؛ لأَنَّ الجناية لاتخرج عنهم ؛ ولا يمكن تخصيص أَحد منهم
بالتحمل ؛ لعدم معرفة عينه ، ولو لم يحكم عليهم جميعاً لضاع وهُدر الدم
، والقاعدة أَنه لا يطل دم في الإِسلام ، وصدرت بهذه فتوى للشيخ ابن
إِبراهيم .
(148)- الدعوى ضد بيت مال المسلمين في أُروش الجنايات على مادون النفس
، بعض القضاة لا يتوجه عنده سوى تحميله الديات فقط ، وبعضهم يرى صحة
تحملة للأُروش ، لكونها موجب جناية كالدية .
(149) – الخلاف في انتظام بيت المال من عدمه في هذا العصر ( صرفه في
مصارفه الشرعية ) يترتب عليها التفاوت في كثير من الأَحكام القضائِية
في المواريث ، والديات ، وغيرها .
(150) – الدعاوى المقامة ضد شركات المقاولات غير الحكومية لتعبيد الطرق
بالأَسفلت أَو صيانتها بطلب تضمينها ؛ لتفريطها في وضع الإِشارات
التحذيرية ، مما ينجم عن ذلك حوادث السيارات ، وما يقع فيها من وفيات
وإِصابات ، فالأَحكام في هذا تتفاوت بين التضمين وعدمه لاعتبارات كثيرة
لكل وجهة .