بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
يقول الحق جل وعلا في كتابه الكريم : {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي
الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
[الأنفال:72].
وفي الآية الأمر بوجوب نصرة المستضعفين من أهل الإسلام ، ان طلبوه ؛ بقولهم
، او حالهم ، من إخوانهم المسلمين في أسقاع المعمورة ، كما ذكر هذا غير
واحد من أهل العلم .
ويمكننا هنا تلخيص هذه النصرة في عشر قواعد ، مستوحاة من الكتاب والسنة ،
وإجماع أهل العلم ، وموجزها كما يلي:
القاعدة الأولى : ان نصرة المستضعفين من أهل الإسلام؛ واجب شرعي على
كل مسلم ، مكلف ، يتفاوت هذا الواجب بين مكلف وآخر ، بناء على تفاوت مقدرته
وإستطاعتة.
فأعلى مراتب النصرة ؛ النصرة بالنفس بالقتال معهم ، ثم بالمال، وأدناها
الكف عن المعصية ولزوم الطاعة والرجوع الى الله.
فلا عبرة بمقاتل عاص ، او داع عاص ، او منفق من مال حرام ، لذا كانت الطاعة
ولزومها ، وترك المعصية والكف عنها ، من أهم مراتب النصرة المقدور عليها من
كل مكلف للمستضعفين من أهل الإسلام ، ، وأوجبها على عموم الأمة .
القاعدة الثانية : وجوب اليقين الجازم بأن الله غالب على أمره ،
وأمر الله ؛ نصرة المؤمنين ، وانتقامه لهم من أهل الفجور والبغي والظلم ،
قال الله : {فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا
عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
القاعدة الثالثة : وجوب حسن ظن العبد بربه ؛ بأن الله سيمكن لدينه ،
وسينصر عباده وأهل توحيده والإخلاص له ، مهما تمادى أهل الكفر والبغي
والجور ، فان الغلبة ستكون لهم لا محالة.
فان أحسن كل عبد ظنه بربه ، آتاه الله ما ظنه به ، وفي الحديث المتفق عليه
: ( انا عند ظن عبدي بي ) ، وفي لفظ : ( انا عند حسن ظن عبدي بي ) .
وعلى العبد ايضا، ان يوقن بأن ما اختاره الله لإخوانه المستضعفين ، من
البلاء والإمتحان هو خير لهم في الدارين ، فان سلم بذلك ، وآمن به ، استبشر
؛ وسار على الحق الذي ساروا عليه .
القاعدة الرابعة : يحرم على المسلم اليأس او القنوط من نصر الله
وفرجه للمستضعفين ، عند نزول المصائب والبلايا بهم ، لما يترتب على ذلك من
خور الأمة وضعفها ، والواجب ؛ الإستبشار بوعد الله ، والسعي ببذل الأسباب
الناجعة لإستجلاب نصره وفتحه.
القاعدة الخامسة : لا ينصر المستضعفون ، ببث صور تعذيبهم ، او مشاهد
قتلهم ، بقدر ما ينصر بذلك أعداؤهم ، فالأمة قد يصيبها بهذه المشاهد وتلك
الصور الخور والجبن ، وربما أيقنت بالهزيمة والهلاك ، فيربح بذلك الخصم
ويشتد على المستضعفين ويقوى.
القاعدة السادسة : لا ينبغي العويل على من مات مظلوما في ميدان الحق
، بل يجب الاستبشار ، والفرح له بما أعد الله له من نزل الكرامة في الدار
الآخرة ، مع اليقين الجازم ان الغلبة ستكون لأوليائه ، والنصر لأهل دينه ،
قال الله : {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ
سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا }
[الإسراء: 33].
القاعدة السابعة : على المسلم ان يعلم ان نصرة المستضعفين ؛ لا تكون
بالصراخ والعويل ؛ وانما بالمدد ، والدعاء الصادق ، وتثبيتهم على الحق،
ورفع معنوياتهم وعزائمهم.
القاعدة الثامنة : على المسلم ان يعلم يقينا ، ان التآمر مهما كان
حجمه ، وبلغ مداه ، فلابد ان ينتصر الحق وأهله ، ويخسر الباطل وحزبه ، طال
الزمان ام قصر.
القاعدة التاسعة : لا يصح من مسلم اعتقاد ان الإسلام قد انتهى ، او
هزم للأبد، فالحرب سجال ، والحق باق الى قيام الساعة ، ولن تكون الغلبة
والتمكين الا لدين الإسلام ، مهما كان الواقع مريرا بحاله وأحواله ،
فالمستقبل لهذا الدين ، والتمكين لأهله وحملته، فقد هلك التتار وهلك معهم
هولاكو وجنكيز خان، وهلك القرامطة وهلك معهم أحلافهم الباطنيين ؛من نصبوا
العداء للإسلام والمسلمين ،وساموهم سوء العذاب ، فبقي الإسلام ، وسيبقى
خالدا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
القاعدة العاشرة : ليس في الإسلام نياحة او شق او لطم ، وانما
استرجاع واحتساب ، ودعاء بقلوب توقن بالإجابة ،وتؤمن بفرج الله، ونصره،
اكثر من يقينها بما سواه .
الله أعلم ..
والحمد لله رب العالمين...
الإثنين : 4- ربيع الآخر – 1438هـ