بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدلله والصلاةُ والسلام على رسول الله ؛ وبعدُ
فلقد اعتنى علماء أهل السنة والجماعة منذ وقتٍ مُبكِّرٍ ببيان ما فارقوا به
أهل البدع في المنهج ؛ وهي منثورة في بطون المُؤلَّفات ، ومن عرف حال أرباب
البدع أدرك كثيراً من الفروق المنهجيَّة بينهم وبين أهل السنة والجماعة .
وكان ممَّن أبان هذه الفروق وبسطها في كثيرٍ من مؤلَّفاته الإمام ابن
القيِّم رحمه الله ؛ فذكر أهمَّ هذه الفروق وأوضح وجه مُفارقة أهل البدع
فيها ؛ وهي كالآتي :
١- أنَّ أهل السُنَّة يتركون أقوال الناس لأدلَّة الكتاب والسُنَّة
، وأهل البِدَع يتركونها لأقوال الناس .
٢- أن أهل السنة يعرضون أقوال الناس على أدلَّة الكتاب والسُنَّة
فما وافقها قبلوه وما خالفها طرحوه، وأهل البِدَع يعرضونها على آراء الرجال
فما وافق آراءها منها قبلوه وما خالفها تركوه وتأوَّلوه .
٣- أنَّ أهل السُنَّة يدعون عند التنازع إلى التحاكم إلى أدلَّة
الكتاب والسُنَّة دون آراء الرجال وعقولها ، وأهل البِدَع يدعون إلى
التحاكم إلى آراء الرجال ومعقولاتها .
٤- أنَّ أهل السُنَّة إذا صحَّت لهم السُنَّة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم يتوقَّفوا عن العمل بها واعتقاد مُوجبها على أن يوافقها موافق
، بل يُبادرون إلى العمل بها من غير نظر إلى من وافقها أو خالفها ، وهذا من
أعظم علامات أهل السُنَّة أنهم لا يتركونها إذا ثبتت عندهم لقول أحد من
الناس كائناً من كان .
٥- أنَّ أهل السُنَّة لا ينتسبون إلى مقالة مُعيَّنة ولا إلى شخص
مُعيَّـن غير الرسول ؛ فليس لهم لقب يُعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها إذا
انتسب سواهم إلى المقالات المُحدَثة وأربابها ؛ وأهل البِدَع ينتسبون إلى
المقالة تارة كالقدرية والمرجئة، وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية
والضراوية ، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض ، وأهل السُنَّة بريئون من
هذه النِّسب كلها ، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسُنَّة .
٦- أنَّ أهل السُنَّة إنما ينصرون الحديث الصحيح والآثار السلفية ،
وأهل البِدَع ينصرون مقالاتهم ومذاهبهم .
٧- أنَّ أهل السُنَّة إذا ذكروا السنة وجرَّدوا الدعوة إليها نفرت
من ذلك قلوب أهل البِدَع ؛ وأهل البِدَع إذا ذَكَرْتَ لهم شيوخهم ومقالاتهم
استبشروا بها .
٨- أنَّ أهل السُنَّة يعرفون الحق ويرحمون الخلْق ؛ فلهم نصيب وافر
من العلم والرحمة ، وربهم تعالى وَسِع كل شيء رحمة وعلماً ، وأهل البِدَع
يُكذِّبون بالحق ويُكفِّرون الخلْق ، فلا علم عندهم ولا رحمة .
٩- أنَّ أهل السُنَّة إنما يُوالون ويُعادون على سُنَّة نبيهم صلى
الله عليه وسلم ، وأهل البِدَع يُوالون ويُعادون على أقوالٍ ابتدعوها .
١٠- أنَّ أهل السُنَّة لم يُؤصِّلوا أصولاً حكَّموها وحاكموا خصومهم
إليها وحَكَموا على من خالفها بالفسق والتكفير ، بل عندهم الأصول كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة .
١١- أنَّ أهل السُنَّة إذا قيل لهم قال الله وقال رسوله صلى الله
عليه وسلم وقفت قلوبهم عند ذلك ولم تَعْدِهِ إلى أحد سواه، ولم تلتفت إلى
ماذا قال فلان وفلان ، وأهل البِدَع بخلاف ذلك .
١٢- أنَّ أهل البِدَع يأخذون من السُنَّة ما وافق أهواءهم ؛ صحيحاً
كان أو ضعيفاً ، ويتركون ما لم يُوافق أهواءهم من الأحاديث الصحيحة ، فإذا
عجزوا عن ردِّه نفوه عِوَجاً بالتأويلات المُستنكَرة التي هي تحريف له عن
مواضعه ، وأهل السُنَّة ليس لهم هوى في غيرها .
من مختصر الصواعق المُرسلَة ؛ للموصلي ٤ / ١٦٠٣ باختصارٍ وتصرُّفٍ يسير ..