بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحمد لله القائل : (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ
الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام :55] , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله
وصحبه القائل : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قد أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ
الْمُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ
) رواه مسلم , وبعد ؛
فإن من كيد النصارى الكبار للمسلمين هذه الوثائق المسماة : (وثائق ويكيليكس)
, وكذا ما تفعله أمريكا في سياساتها ؛
فأما هذه الوثائق فهي نشر رجل نصراني حاقد على الإسلام وأهله , وقد كانت من
أخطر أسباب ثوران الثورات العربية , لكونها أشبه بالنميمة , فهي من أسباب
ثورانها في تونس , كما صرح بذلك صاحبها , ثم تلتها الثورات الواحدة تلو
الأخرى في بقية البلدان العربية , والتي سرَّت النصارى في جملتها , لحبهم
في كل ما يسوء المسلمين كما قال تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا
كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) , وقال تعالى : ( مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ
عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) , وإن كنا نرجو الله تعالى أن يرد
كيدهم في نحورهم , ونرجو ونرى أن عاقبتها للمسلمين إن شاء الله , لكن من
أدلة خطورة هذه الوثائق أنها من أسباب هذه الثورات , وصدق الله إذ يقول :
(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
وإن من خطورة هذه الوثائق أنها من عدو ذو دهاء ومكر , والذي أريد أن أحذر
منه هنا وما من أجله كتابة هذا المقال : أن من مكر هذا الخبيث أنه ينشر ما
يفرح المسلمين حتى يثقوا في صدقه ومصداقيته , وربما نشر مائة وثيقة صحيحة
من أجل وثيقة خبيثة , وهذه طرقة الشيطان كما قال الحسن بن صالح : ( إن
الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين باباً من الخير يريد به بابا من السوء )
لذلك فإني أحذر المسلمين من هذه الوثائق , ولا يغتروا بما ينشره من وثائق
تسرهم , وليترقبوا ما سينشره من الشر وليكونوا على حذر منه , فإنه عدو لدود
, ذو مكر ودهاء , يعد العدة وينتظر الفرصة ليزرع الشر بين المسلمين ويحرِّش
بينهم , مستغلا سذاجة بعضهم , وقد قال تعالى : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) , وقد جاء عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لست بالخبِّ , والخب لا يخدعني .
وقال المغيرة : كان والله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أفضل من أن يَخدَع
وأعقل من أن يُخدَع .
وإن مما ينبغي التذكير به من مكر أمريكا بالمسلمين , ما صرح به كثير من
الكتاب والعلماء , بل وصرح به الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) بغض النظر عن
مقصده إلا أنه انطبق عليه أنه صدق وهو كذوب شرير , كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم عن الشيطان الذي أخبر أبا هريرة رضي الله عنه ببعض الحق , فقال
صلى الله عليه وسلم : (صدقك وهو كذوب) , وهو ما تنبه له كل متفرس أن أمريكا
ربما ترعى هذه الثورات العربية لمقاصد كثيرة من أهمها شغل العرب عن القضية
الفلسطينية , والحفاظ على أمن إسرائيل , وهو دين يدينون به من أجله قامت
أمريكا , وهو ما يحاول أوباما إبعاد الأنظار عنه , بكلامه المعسول وخطبه
الرنانة للمسلمين من عقر دورهم , وإن مما تسعى إليه أمريكا زرع الفتنة بين
السنة والشيعة وإشعال الحرب بين إيران والعرب , لهذا السبب , وهو الحفاظ
على أمن إسرائيل , مما ينبغي معه الحذر من هذه الثورات ومن هذه الحرب قدر
الإمكان , إلا إذا كان تجنب هذه الحرب تفوق مفسدته مصلحته , أو لا يمكن
تجنبها, فالضرورة لها أحكام خاصة بها , والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين , لكم
مما يجب علينا عدم نسيان قضية هي من أهم وأكبر قضايا الأمة وهي قضية الأقصى
, والله الهادي إلى سواء السبيل .
ونسأل الله أن يرد كيد الأعداء في نحورهم , وأن يجعل بأسهم بينهم , وأن
يصلح أحوال المسلمين في كل مكان , والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وآله وصحبه.
د.عبدالقادر بن محمد الغامدي
22/5/1432هـ