بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ
والمرسلينَ، نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ ، أمَّا بعدُ :
فَإِنَّ مِنْ أعظمِ فتنِ آخرِ الزَّمانِ ؛ مِمَّا يجعلُ الولدانَ شيباً و تدعُ
الحليمَ حيرانَ ؛ أن ترى في بلادِ المسلمينَ -ولا سيما في أرضِ مصرَ-حرسها
اللهُ- جيشاً مِنَ الإعلاميينَ البعيدينَ عنِ المنهجيةِ العلميةِ الموضوعيةِ في
تمحيصِ الأخبارِ وَغَرْبَلتِها؛ بحيثُ يُقحمونَ أنفسهم في قضايا الأمةِ
الجسيمةِ المصيريةِ ؛ كما هو الشأنُ في(العقيدةِ) ، و(الشَّريعةِ) ، وهمْ منْ
أشدِّ النَّاس جهلاً ، وأكثرهم خلطاً وتخليطاً ؛ وإِنَّ أحدهم كما تقول العرب
في أمثالها السَّيِّارةِ : (ما يعرفُ قبيلاً مِنْ دبيرٍ) .
وإِنَّ مِنَ الدَّواهي العظامِ ألا يقفَ القومُ في دائرة الجهلِ فحسبْ ؛ وإنما
بلغَ بهم الحالُ مبلغاً مشيناً إلى درجةٍ يصِحُّ أن نطلقَ عليها دونَ تهويلٍ أو
تضخيمٍ ما يُسمَّى بـِ (الفسادِ الإعلامي) الَّذِي يَضربُ بأطنابهِ في أروقةِ
الأعلامِ-إلا منْ رحمَ اللهُ- ، وَالَّذِي يَبُثُّ الافتراءاتِ الكاذبةَ
والأراجيفَ الشَّائنةَ ، ومن صورِ هذا الفسادِ : تلكَ الحملةُ المسعورةُ
الهوجاءُ الَّتي أطلقها (الإعلام المصريُّ) ضدَ الدَّعوةِ السَّلفيةِ ورموزها
الذينَ يشُارُ إليهم بالبنانِ ، وقد حوتْ هذه الحملةُ على جملةٍ منَ
الاتهاماتِ(1) ، ومِنْ ذلكَ :
1- إطلاقُ النَّارِ على راقصتينِ في حفلِ زفافٍ
في مدينةِ الإسكندريةِ مِنْ قبلِ مجهولينَ ينتمونَ للتَّيارِ السلفيِّ .
2- قطعُ أُذنِ نصرانيٍّ على يدِ مجموعةٍ سلفيةٍ
في صعيدِ مصرَ .
3- الاعتداءُ على فتياتٍ متبرجاتٍ بإلقاءِ
النَّارِ عليهنَّ .
4- هدمُ أضرحةِ أولياءِ اللهِ الصَّالحينَ .
إنَّ هَذهِ التُّهمَ الباطلةَ الفاجرةَ تَرْمي إلى تَشويهِ صورةِ الدَّعوةِ
المشرقةِ الوضَّاءةِ والمنتمينَ إليها منْ خلالِ عَرضها في صورةِ التَّطرُّفِ
والغلوِ : تلكَ الصُّورةُ السَّوداءُ الكالحةُ ، وأَنَّ ثَمَّتَ تنظيماً
للقاعدةِ يُهدِّدُ مستقبلَ المنطقةِ بأسرها .
كما أَنَّها تهدفُ إلى إشعالِ فتنةً عمياءَ صَمَّاءَ بينَ السلفيينَ (أصحابِ
المنهجِ الحقِّ) وشرائحِ المجتمعِ المختلفةِ ، وتكوينِ حاجزٍ نفسيٍّ عميقٍ
يحولُ دونَ وصولِ الدَّعوةِ السَّلفيةِ إلى أطيافِ المجتمعِ المتنوعةِ .
إِنَّ هؤلاءِ الإعلاميينَ هم (طليعةُ الدَّجالِ) ، وهم (الرُّويبضاتُ) الَّذينَ
يهرفونَ بما لا يعرفونَ ، و يهذونَ ولا يدرونَ ؛ وإِنَّكَ لترى الواحدَ منهم
يُزبِّرُ المقالَ الطَّويلَ في قضيةٍ معينةٍ أوْ في شخصٍ معينٍ ، وإنَّ المقالَ
مِنْ أُسِّهِ وأساسهِ إلى آخرِ حرفٍ منه قائمٌ على الدَّجلِ : كذباً وتخويناً .
ومهما أمعنا النَّظرَ: نقداً وتحليلاً في وصفِ هذا الشأنِ ؛ فلنْ نجدَ وصفاً
ولا تصويراً لحقيقةِ هؤلاء القومِ إلا ما حدَّثنا بهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ فيما يكونُ من مُقدِّماتٍ وإرهاصاتٍ بينَ يدي ( الدَّجالِ
الأكبرِ)-نعوذُ باللهِ مِنْ فتنتهِ وشَرِّهِ- ؛ فعَنْ حُذَيْفَةَ-رضي اللهُ
عنه- قَالَ ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( لَأَنَا لَفِتْنَةُ بَعْضِكُمْ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ
فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَلَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِمَّا قَبْلَهَا إِلَّا نَجَا
مِنْهَا وَمَا صُنِعَتْ فِتْنَةٌ مُنْذُ كَانَتْ الدُّنْيَا صَغِيرَةٌ وَلَا
كَبِيرَةٌ إِلَّا لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ )(2) .
وَعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً : يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ
، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ،
وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخائِنُ ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ) . قِيلَ
: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : ( الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ
الْعَامَّةِ)(3) .
و جوهرُ الدَّجلِ يدورُ لغةً واصطلاحاً على التَّمويهِ على النَّاسِ وخداعهم
وتضليلهم عن معرفةِ الحقِّ بالكذبِ والتَّخوينِ(4) .
و قدْ عَدَّ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمهُ اللهُ- مَنْ يُمارسُ صنعةَ
التلبيسِ وقلبِ الحقائقِ ؛ كذباً وزوراً ؛ تحتَ غطاءِ ( المصداقيةِ وتحرِّي
الحقيقةِ) ؛ تَشَبُّهاً بالأنبياءِ منْ جنسِ الدَّجالِ الأكبرِ(5) الذي أنذرَ
به الأنبياء كُلُّهم-عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ-
ولنا مع هذا (الدَّجلِ الإعلاميِّ) الوقفاتُ الآتيةُ :
1- الدَّعوةُ السلفيةُ هي دعوةُ الإسلامِ
الصَّحيحِ الكائنِ في القرونِ الثلاثةِ الخيريةِ المفضلةِ في نقائِها وفطرتِها
؛ وهي تقومُ على العلمِ النَّافعِ والعملِ الصَّالحِ ؛ كما قال تعالى : (هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )[الصف : 9] .
كما أَنَّها تُحقِّقُ الانسجامَ الرَّائعَ بينَ صحيحِ المنقولِ وصريحِ المعقولِ
في سياجٍ من الرَّحمةِ والحلمِ ؛ ومنْ ثَمَّ فإِنَّها تقفُ بالمرصادِ لكلِّ
دعوةٍ غاليةٍ متطرفةٍ تخبطُ خبطَ عشواءَ في عمايةٍ رهيبةٍ عنِ الموازينِ
الشَّرعيةِ ؛ وما قامَ بهِ السَّلفيونَ منْ خدماتٍ جليلةٍ للمجتمعِ المصريِّ
المسلمِ على المستوى التوعويِّ والأمنيِّ والتكافليِّ إِبَّانَ الثَّورةِ
المصريةِ ؛ لهو من أكبرِ البراهينِ التَّي تدمغُ تلكَ الافتراءتِ والأراجيفِ ،
ولو كان السلفيونَ-وحاشاهم من ذلك-يُبيِّتونَ نيةً خبيثةً لإحداثِ الضَّررِ
وإلحاقِ الأذى بشريحةٍ معينةٍ منْ شرائحِ المجتمعِ ؛ لكانَ وقتُ الثورةِ
بامتيازٍ منْ أنسبِ الأوقاتِ الذهبيةِ في إجراءِ هذا الشأنِ في ظلِّ الفوضى
العارمةِ التي كانتْ تضربُ البلادَ والعبادَ ؛ بيدَ أنَّ السَّلفيينَ منْ خلالِ
دعوتهم المباركةِ ضربوا أروعَ الأمثلةِ في سماحةِ الإسلامِ ورحمتهِ للعالمينَ .
2- الحذرُ التَّامُّ منْ إلقاء السمعِ ؛ ناهيك عن
إسلامِ العقلِ والفؤادِ لهذا الزخمِ الإعلاميِّ ؛ فإِنَّهُ-وأَيمُ اللهِ- لونٌ
من ألوانِ الدَّجلِ الَّذي ينبغي أن تُغلقَ دونه الأبوابُ ؛ وفي هذه الحقيقةِ
الشَّرعيةِ : إجراءٌ تحصينيٌّ في غايةِ الأهميةِ ؛ يقي المسلمَ بإذنِ اللهِ منْ
عللِ وأدواءِ الشائعاتِ والأخبارِ الكاذبةِ ؛ وفي ذلكَ يقولُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم منْ حديثِ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ-رضي اللهُ عنهُ-
: (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ؛ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ
لَيَأْتِيهِ وَهْوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يُبْعَثُ
بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ) (6).
هَكَذَا قَالَ.
3- حفظُ اللِّسانِ ، وعدمُ الزَّجِ بهِ في
تحليلاتٍ أو أخبارٍ قائمةٍ على الظَّنِّ والتَّخرُّصِ؛ ومنْ كانتْ أخبارهُ
كذلكَ فله نصيبٌ منْ قولهِ تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}[الذاريات: 10] ،
والخرَّاصونَ هم : ( الكذَّابونَ) ؛ كما قرَّرَ ذلكَ أئمةُ التفسيرِ في
كتبهم(7) .
وعَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ
: ( أَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى
خَطِيئَتِكَََََ)(8) .
4- العلمُ والبصيرةُ بِحَقيقةِ هذا الدَّجلِ وما
يَنطوي عليه مِنْ أخطارٍ جسيمةٍ ومرامٍ شنيعةٍ ؛ قد تُودِي بدينِ الإنسانِ ،
وتُعرِّضهُ للعطبِ والهلاكِ-عياذاً باللهِ- ؛ وفي قصةِ ذلكَ الشابِ المؤمنِ مع
المسيحِ الدَّجالِ ما يدلُّ على هذه الحقيقةِ الشَّرعيةِ ؛ فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الخدريِّ-رَضِيَ اللهُ عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ
وَسلَّم- : ( يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ فَتَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ مَسَالِحُ الدَّجَّالِ فَيَقُولُونَ
لَهُ أَيْنَ تَعْمِدُ ؟ فَيَقُولُ أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِى خَرَجَ - قَالَ
- فَيَقُولُونَ لَهُ أَوَمَا تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا ؟! فَيَقُولُ مَا بِرَبِّنَا
خَفَاءٌ. فَيَقُولُونَ اقْتُلُوهُ . فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَلَيْسَ
قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ ؟ - قَالَ -
فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِى ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- قَالَ فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ فَيَقُولُ خُذُوهُ
وَشُجُّوهُ. فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا - قَالَ - فَيَقُولُ
أَوَمَا تُؤْمِنُ بِى قَالَ فَيَقُولُ أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ - قَالَ -
فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ
بَيْنَ رِجْلَيْهِ - قَالَ - ثُمَّ يَمْشِى الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ
ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُمْ. فَيَسْتَوِى قَائِمًا - قَالَ - ثُمَّ يَقُولُ لَهُ
أَتُؤْمِنُ بِى فَيَقُولُ مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلاَّ بَصِيرَةً)(9) .
5- العقوبةُ الشَّديدةُ لمنْ ينشرُ الكذبَ
والافتراءَ في أوساطِ النَّاسِ ؛ حتى يبلغَ الآفاق ؛ فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ
جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالَا الَّذِي
رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ
عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
)(10) .
6- التَّثبُّتُ والتَّبيُّنِ منْ صحةِ الأخبارِ
المبثوثةِ عبر وسائلِ الإعلامِ ؛ وعدمُ اتخاذِ مواقفَ عمليةٍ قبل إجراء عمليةِ
التحقيقِ والتمحيصِ عليها ؛ كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )[الحجرات : 6].
7- التَّدبُّرُ الواعي للعشرِ الأوائلِ من سورةِ
الكهفِ ، والعملُ بموجبها ومقتضاها؛ فإِنَّها العاصمةُ-بإذنِ اللهِ- من فتنةِ
(المسيحِ الدَّجالِ ) ؛ ولذلكَ أرشدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ إلى
أنْ تُحفظَ ؛ فقَالَ : (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ
الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ )(11) .
كما أَمَرَ-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أَنْ تُقْرَأَ عِندَ إدراكِ المسيحِ
الدَّجالِ ؛ كما قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( فَمَنْ
أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ
فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ )(12) .
وَلئنْ كانت هذه العشرُ عاصمةً من فتنة المسيحِ الدَّجالِ مع كونِها أعظمَ
فتنةٍ على الإطلاقِ ؛فإنَّها لعاصمةٌ -بإذنِ الله- أيضاً مِمَّا هي دونها من
فتنِ الدَّجلِ ؛ كما هو الشأن في (فتنة الدَّجلِ الإعلاميِّ) الَّتي نكتوي
بنارها هذهِ الأيامِ ؛ ولعلَّ السِّرَّ في ذلكَ-واللهُ أعلمُ-أَنَّها اشتملتْ
على العديدِ من الآياتِ العظيمةِ التي تُبَصِّرُ المسلمَ بجملةٍ منَ الحقائقِ
الشَّرعيةِ الكبرى التَّي منْ شأنِها أن تُبدِّدَ ظلامَ الفتنةِ ؛ وتنيرَ
للإنسانِ دربهَ في هذه الحياةِ ؛ كما قال تعالى : (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن
مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا )[الأنعام : 122].
ومنْ هذهِ الحقائقِ ما يلي :
1- إنزالُ القرآنِ العظيمِ أعظمُ نعمةٍ على
الإطلاق ؛ إذْ هو الحاكمُ القيِّمُ على حياةِ الأُمَّةِ ومسيرتها .
2- ربطُ المسلمِ بالنَّعيمِ الأبديِّ السَّرمديِّ
في جنةِ اللهِ في الآخرةِ .
3- التَّحذيرُ من فتنةِ اليهودِ والنَّصارى الذين
قالوا اتخذ الله ولداً ؛ وبيانُ حضارتهم المزخرفةِ بمتعِ الحياةِ الزَّائلةِ ؛
البعيدةِ كُلِّ البعدِ عنِ قيمِ الآخرةِ ، والتَّي اغترَّ بها فئامٌ من هذه
الأمةِ ؛ مثلما هو الواقعُ اليومَ في أرباب الدَّجلِ الإعلاميِّ الذينَ صاحوا
عبر أبواقهم الإعلاميةِ وملأوا الدنيا عويلاً وضجيجاً بخطورةِ تحكيمِ الشريعةِ
، والدَّعوةِ لإلغاءِ النَّصِّ الدستوريِّ القاضي بأنَّ الشَّريعةَ الإسلاميةَ
هي المصدرُ الرئيسُ للتَّشريعِ ؛ مِمَّا يُؤَدِّي-عياذاً باللهِ- لسلخِ مصرَ عن
هويتها الإسلاميةِ العربيةِ؛ وإحلالِ الهويةِ الفرعونيةِ أو القبطيةِ أو
العلمانيةِ اللادينية بديلاً عن ذلك ؛ جرياً على اتباعِ سننِ الكافرينَ ؛
ودوراناً في فلكِ المغضوبِ عليهم والضَّالينَ ؛ كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ
وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ ؟ )(13) .
4- بيانُ فسادِ المنهجِ القائمِ على الجهلِ في
النَّظرِ والتَّفكيرِ ؛ وأَنَّهُ البابُ الذي يُفضي بصاحبهِ إلى الكذبِ
والافتراءِ .
5- التَّمسُّكُ بالعقيدةِ الصحيحةِ والثَّباتُ
عليها ؛ كما في قصةِ أصحابِ الكهفِ ، والتَّوجُّهُ الكُليُّ للهِ ؛ بسؤالهِ
الرَّحمةَ واللُّطفَ والسِّترَ والعاقبةَ الحميدةَ .
هذا ؛ وأسألُ اللهَ أنْ يُبرمَ لهذه الأمةِ أمراً رشداً ؛ يُعزُّ فيه أهلُ
الطَّاعةِ ؛ ويُهدى فيه أهلُ المعصيةِ ؛ إِنَّهُ سبحانهُ-جوادٌ كريمٌ- .
-------------------------
(1)-في مجلةِ (روز اليوسف اليومية ) : العدد 1762 - الخميس - 31 مارس 2011، و
العدد 1765 - الاثنين - 4 أبريل 2011 ، و(صحيفة الشرق الأوسط ) : العدد 11814 ،
الأحد 29ربيع الثاني 1432هـ=13إبريل 2011 .
(2)-أخرجه أحمد في :\"مسنده\"برقم 23304 ؛ وإسنادهُ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ .
(3)-أخرجه أحمد في :\"مسنده\" برقم 13297 ، وجوَّدَ إسناده الحافظ ابن حجرٍ ؛
كما في :\"فتح الباري\" : (20/131/رقم6588 ) ، وكذا الحافظ ابن كثير ؛ كما في
\"الفتن والملاحم\" : (1/57 ) .
(4)-انظر :\"لسان العرب\" : (11/236) مادة : (دجل)لابن منظور ، و\"معجم مقاييس
اللغة\" : (4/392)لابن فارس ، و\" غريب الحديث\" : (1/325)لابن الجوزي ،
و\"تهذيب الأسماء واللغات\": (1/258) للنووي .
(5)-انظر:\"الجواب الصحيح\" : (2/333) لابن تيمية .
(6)-أخرجه أبو داود بإسناد صحيح برقم 4321 .
(7)-انظر:\"\"تفسير ابن كثير\" : (7/415) ، و\"تفسير القرطبي\" : (17/33) .
(8)-أخرجه أحمد في :\"مسنده\" برقم 22235 ، وإسناده دائرٌ بين الحسنِ والصِّحةِ
.
(9)-أخرجه مسلم في صحيحه برقم 7564 .
(10)-أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6096 .
(11)-أخرجه مسلمٌ في :\"صحيحه\" برقم 1919.
(12)-أخرجه أبو داود في :\"سننه\"بإسنادٍ صحيحٍ برقم 4323.
(13)-أخرجه البخاريُّ في :\"صحيحه\" 3456 .