|
... قبل عدة أيام زار منطقة الخليج العربي الإعصار [ س] ، قادماُ من المحيط
الهندي ، مروراُ ببحر العرب ، وقد خلف العديد من الوفيات البشرية ، والأضرار
المادية ، غير أن بعض وسائل الإعلام ، كعادتها ، قامت بإشغال الناس عن [ أسباب
] هذه الآية العظيمة من آيات الله ، وكأن الأمر ظاهرة طبيعية مادية بحتة . مع
أن ماحصل هو بسبب ما كسبت أيدينا ، من تقصير ، وغفلة .
قال تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي
عملوا لعلهم يرجعون).
هذا وقد حفلت كتب التاريخ بذكر العديد من الآيات و النذر الربانية ، التي
أجراها الله سبحانه وتعالى، على الأمة المسلمة ، أذكرها في هذا المقام من باب (
إن الذكر ى تنفع المؤمنين ) ومن ذلك ماحصل قبيل الغزو المغولي وفي أثناء الغزو
المغولي ،- في القرن السابع الهجري- ؛ تنبيهاً للأمة بسبب غفلتها ، وتلبسها
بالمعاصي ، وأمنها من عقوبة الله سبحانه وتعالى.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك النذر :
1- ما وقع في سنة (سبع وتسعين وخمسمائة) من زلازل
عظيمة في الشام ومصر، وفي ذلك يقول المؤرخ سبط ابن الجوزي مبيناً علة ذلك : (
وما ظلم الله عباده بإهلاك النسل والناسل ، ولكنهم تعاموا عن الحق ، وتمادوا في
الباطل ، وأضاعوا الصلوات ، وعكفوا على الشهوات والشواغل ، وارتكبوا الفجور ،
وشربوا الخمور ، وأكلوا الربا ، والرشا ، وأموال اليتامى ).
2- ما وقع في سنة ( اثنتين وخمسين وستمائة ) من
خروج نار عظيمة بأرض عدن ، وفي ذلك يقول المؤرخ ابن دقماق : ( وفيها ظهرت نار
بأرض عدن في بعض جبالها ، بحيث يطير بها شرار إلى البحر في الليل ، ويصعد منها
دخان بالنهار ، فما شكوا أنها النار التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها
تظهر في آخر الزمان ، فتاب الناس وأقلعوا عما كانوا عليه من المظالم والمفاسد).
3- ما وقع في سنة ( أربع وخمسين وستمائة) من خروج
النار العظيمة بأرض الحجاز قرب المدينة النبوية ، وفي ذلك يقول المؤرخ أبو شامة
: ( ووقت ما ظهرت دخل أهل المدينة إلى مسجد نبيهم عليه الصلاة والسلام ،
مستغفرين تائبين إلى ربهم... وقد حصل بطريق هذه النار إقلاع عن المعاصي والتقرب
إلى الله تعالى بالطاعات ، وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة ).
وفي رسالة بعث بها قاضي المدينة إلى بعض أصحابه يخبره فيها عن خبر النار،
أوردها المؤرخ أبو شامة ، وفيما يلي مقتطفات منها : قال القاضي : ( وأشفقنا
منها ، وخفنا خوفاً عظيماً ، وطلعت إلى الأمير وكلمته وقلت له : قد أحاط بنا
العذاب ، ارجع إلى الله ، فأعتق كل مماليكه ، ورد على جماعة أموالهم... وقال
أيضاً : ( وبالله يا أخي إن عيشتنا اليوم مكدرة ، والمدينة قد تاب جميع أهلها ،
ولا بقي تسمع فيها رباب ، ولا دف ، ولا شرب).
4- وفي سنة ( اثنتين وسبعمائة) وبعد أن نصر الله
سبحانه وتعالى المسلمين في معركة مرج الصفر ضد المغول في الشام ، قابل المسلمون
ذلك النصر بالعودة إلى ما كانوا عليه من الذنوب والمعاصي وأصناف من الفرح غير
المشروع ، عند عودة الجيش إلى القاهرة.
وفي ذلك يقول المقريزي: ( وفيها كانت الزلزلة العظيمة ، وذلك أنه حصل بالقاهرة
ومصر في مدة نصب القلاع والزينة من الفساد في الحريم وشرب الخمور ما لا يمكن
وصفه ، من خامس شهر رمضان إلى أن قلعت في أواخر شوال.
فلما كان يوم الخميس ثالث عشر ذي الحجة عند صلاة الصبح اهتزت الأرض كلها ، وسمع
للحيطان قعقعة ، و للسقوف أصوات شديدة ، وصار الماشي يميل والراكب يسقط حتى
تخيل الناس أن السماء أطبقت على الأرض ، فخرجوا في الطرقات رجالاً ونساءً ، قد
أعجلهم الخوف والفزع عن ستر النساء وجوههن ، واشتد الصراخ ، وعظم الضجيج
والعويل ، وتساقطت الدور ، ووضع كثير من النساء الحوامل ما في بطونهن.
وبات الناس ليلة الجمعة بالجوامع والمساجد ، يدعون الله إلى وقت صلاة الجمعة ،
فكان في ذلك لطف من الله بعباده ، فإنهم رجعوا عن بعض ما كانوا عليه من اللهو
والفساد أيام الزينة ).
وعطفاً على ماتقدم ، فإن الإعصار [س ] ، جند من جندالله ، وقدر من أقدار الله ،
وقد يكون له إخوة في الطريق لاقدر الله ، مثل [ ص] و [ ع] ، لكن بتجديدنا العهد
مع الله ، ومحاسبة النفس ، بكل شفافية ، نستطيع أن نجعل الإعصار [ س] في ذاكرة
التاريخ .
هذا ، و الله أسأل أن أكون وإياكم ممن يتفكر في أسباب النذر الربانية في كل
زمان ومكان ، حتى نكون ممن خاطبهم الله سبحانه وتعالى قوله : ( إن في ذلك لذكرى
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).....
د.خالد الغيث
km750@islamway.net