{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} .. أما
بعد:
فإنَّ المتأمِّلَ في سيرةِ المصطفى ﷺ، يجدُ أنَّ التفاؤلَ وحُسنَ الظنِّ
بالله تعالى واضِحاً فيها كُلَّ الوضُوحِ، حتى ليكادُ أن يكونَ مَنهجاً
ثابتاً لهُ عليه الصلاةُ والسلام، خُصوصاً حينَ تَشتدُّ المحنُ وتتفاقَمُ
الشدَائِدُ .. فمع كلِّ خوفٍ وشِدةٍ نراهُ ﷺ يبُثُ الأملَ ويرفعُ
المعنويات، وكلَّما خيمَ اليأسُ والقُنوطُ على النفوس، ازدادَ عليه الصلاةُ
والسلامُ استبشاراً وتفاؤلاً ..
فحِينَ اشْتكَى بعضُ الصَحابةُ ما يَلقونَهُ من شِدّةً المشركِينَ أجَابهُم
ﷺ بقولِه: "لقدَ كانَ من قَبلَكُم ليُمشَطُ بأمشَاطِ الحديدِ ما دُونَ
عَظمهِ ولحمِهِ ما يَصرفُهُ ذلك عن دِينهِ .. وليُتمنَّ اللهُ هذا الأمرَ
حتى يَسيرَ الراكِبُ من صَنعاءَ إلى حَضرمَوت ما يخافُ إلا اللهَ والذِئبَ
على غَنمِه" .. وفي رِحلةِ الطائفِ الألِيمةِ، يُجِيبُ ﷺ مَلِك الجِبالِ
بقولهِ: "بل أتأنى بهم، لعلَ اللهَ أن يُخرجَ من أصلابِهم من يعبدُ اللهَ
لا يُشركُ به شيئاً" .. وفي أحداثِ الهِجرةِ المباركةِ، وقد وصلَ
المطارِدُونَ إلى بابِ الغارِ، فيقولُ ﷺ لصاحبه: "لا تحزن إنَّ اللهَ
مَعنا" .. وفي غَزوةِ الأحزابِ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ
أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، فيقول المتفائل ﷺ:
"اللهُ أكبرُ أُعطِيتُ مَفاتِيحَ كذا وكذا .. وغيرها من صُورِ الأمَلِ
والتَّفاؤلِ وحُسنِ الظنِّ بالله تعالى، وهي كثيرةٌ جِداً ..
تفاءَل أيُّها المسلِم: وأحسِن الظَنَّ برَبِك، فما منعكَ إلا
ليُعطِيك, ولا ابتلاكَ إلا ليُعافِيك, ولا امتحَنكَ إلا ليَصطفِيك ..
{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}
..
تفاءَل أيُّها المسلِم: فالروضُ سيُورِق، والفجرُ سيُشرِق، والحقُّ
سيعلو والباطِلُ سيزهَق، وإن بعد الجوعِ شبعاً، وبعْدَ الظَّمأ ريَّاً،
وبعْدَ المرض عافية .. وإن مع الدمعةِ بسْمة، ومع القسْوةِ رحمة، ومع
الفاقةِ نِعْمَة، وإنَّ مع العُسْرِ يُسْراً، و{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ..
تفاءَل أيُّها المسلِم: فمن المُحالِ دوامُ الحالِ، والأيامُ دُولٌ،
والدهرُ قُلّبٌ، والليالي حُبَالى، ومن ساعةٍ إلى ساعةٍ فَرَجٌ، وما بين
غمضةِ عينٍ وانتباهتِها .. يُغيرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ ..
تفاءَل أيُّها المسلِم: وكُنْ جميلاً تَرَى الوجودَ جميلاً:
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} .. والذي نفسهُ
بغير جمالٍ .. لا يَرى في الوجودِ شيئاً جميلاً ..
تفاءَل أيُّها المسلِم: فكلُّ من سارَ على الدَّربِ وصل، وكُلُّ من
جَدَّ وَجد، وكُلُّ من زَرعَ حَصد، و{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ}..