|
أخي الكريم :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعلم - يا رعاك الله - أن الدعوة إلى
الله سبحانه وتعالى من أجل الأفعال،
وأعظم الأعمال التي يؤديها المسلم في دنياه ، و يحتسبها لأخرته ، ويضعها في
ميزان حسناته ، بل هي من الهموم التي تقعده وتقيمه ، ويفكر فيها ليل نهار ،
يبحث عن نوافذ للأمل ، ومخرج من الضيق ، فالدعاة إلى الله يقومون بمهمة بالغة
الشأن ، عظيمة الأهمية ، لا يعلم قدرها إلا من تعلق قلبه بها ، وجعلها محور
حياته ، كيف لا وهي مهمة الأنبياء والمرسلين ، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم
من المصلحين [ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ
] ( يوسف 108)
فالدعاة إلى الله
هم الشموع ، التي تحترق لتضيء للناس طريق الهدى والحق الضياء ، وهم وعي الأمة
المستنير و فكر الأمة الحر ، وهم قلب الأمة النابض ، وأطباء القلوب المريضة ،
والنفوس الجريحة ، بل هم قادة سفينة النجاة في وسط الرياح الهوجاء ، والأمواج
المتلاطمة .
فالدعاة إلى الله
لا يعيشون لأنفسهم ، ولا لملذاتهم ، ولا لشهواتهم ، لأن الذي يعيش لنفسه ، يعيش
صغيراً ، ويموت صغيراً ] قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا
أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) [ الأنعام 162)
أما الدعاة الصادقون المخلصون
، فإنهم يعيشون لدعوتهم ، لأمتهم ، لمجتمعهم ، فدعوتهم همهم بالليل والنهار وهي
فكرهم في النوم واليقظة ، و شغلهم الشاغل في السر والعلن ، يؤثرون من أجلها
التعب والنصب ، ويضحون في سبيلها بالوقت والجهد والمال ، بل وبالمهج والأرواح ،
ويستعذبون في سبيل نشرها وإبلاغها ، البلاء الشديد والعذاب الأليم .
مناي من الدنيا علوم أبثـها وأنشرها في
كل باد وحاضـر
دعاء إلى القرآن والسنن التي تناسى رجال ذكرها في المحاضر
قال تعالى : [ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من
المسلمين ] ( فصلت 33)
أخي الكريم :
إن من يحمل رسالة الأنبياء ، عليه أن يتحرى سلامة المنهج ، وحسن السير على
الطريق ، فيتأمل الماضي القريب ، ويعيش المستقبل المأمول ، ويساير الواقع
الحاضر بحكمة وروية ، يرى سير الدعوة بين قوتها وضعفها ، بين مدها وجزرها ، وما
تموج به الساحة من الآراء ، والمنازع ، ومن الخلل الذي قد يأتي من الجمود على
مفاهيم خاطئة ، وعدم المراجعة بين كل فترة وأخرى ، أو من ضعف شبكة العلاقات
الاجتماعية ، الناتج عن ضعف التربية ، وقلة الفقه بخفايا النفس البشرية ، أو من
الغفلة عن أصحاب المطامع والأهواء .
أيها الأحباب الكرام :
لقد كاد معين الدعاة الصادقين في كثير من البلاد ينضب ، فشاعت نتيجة لذلك
المنكرات وكثرت الجرائم ، وتجرأ الكثير من الناس على المجاهرة بها في وضح
النهار ، وعم الجهل وفشا ، وغُزي المسلمون في عقر دارهم بجحافل من المضللين
والمشككين والمفسدين . فتعين علينا حمل الرسالة ، وأداء الأمانة ، والنصح للأمة
، والمساهمة في كشف الغمة ، لندخل بذلك تحت (فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما
أفسد الناس من بعدي من سنتي ) رواه الترمذي .
أيها الأخ الحبيب :
والدعوة إلى الله عز وجل التي أهملها المسلمون
اليوم ، فريضة حملها رسل الله عليهم الصلاة والسلام ، كما حملها أتباعهم
الصادقون ، الذين اقتفوا آثرهم من بعدهم ، واقتدوا بهم في منهجهم ، وسلكوا
سبيلهم ، ولم يقعد بهم عن السير في هذا السبيل ما يعرفونه من المخاطر والمكاره
التي تحيط بهم ، ولكنه الواجب الذي لا خيار فيه ، وصدق الإيمان الذي يهون معه
كل بلاء ، والأمانة التي حملوها من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحملوا
تبعاتها ، وأصبحوا مسؤولين عنها أمام الله عز وجل ، وهي بلا شك مسؤولية لها
ضخامتها وجسامتها . [ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ] (الأحزاب 72)
والدعوة إلى الله عز وجل التي نعنيها ،
والتي يجب على المسلمين القيام بها ، أفراداً وجماعات هي الشاملة لـــ:
1.
تأسيس مجتمع إسلامي ، كدعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، التي كانت تبدأ - في
المجتمع الجاهلي - من دعوة الناس إلى دين الله سبحانه ، وتبليغهم وحيه ،
وتحذيرهم من الإشراك به .
2.
دعوة الإصلاح في المجتمعات المسلمة ، التي أصيبت بشيء من الانحراف ، وظهر فيها
بعض المنكرات ، وضيعت فيها بعض الواجبات .
3.
استمرار الدعوة في المجتمعات القائمة بالحق ، للحفاظ على سلامتها ، بالموعظة
الدائمة ، والتذكير المستمر ، والتربية والتعليم .
أخي الكريم :
اعلم أن الناس متباينون في طبائعهم ، مختلفون في مداركهم ، في العلم والفهم ،
في الأمزجة والمشاعر ، مختلفون في الميول والاتجاهات ، مما يدعو رجل العلم
والدعوة إلى تخير المدخل … بل المداخل المناسبة لتلك النفوس المختلفة ، والعقول
المتباينة .
نعم ، إن فيهم الغضوب والهادئ ، وفيهم المثقف والأمي ، وفيهم الوجيه ومن هو
دونه ، فعلى الداعية الحصيف أن يراعي هذه الفروقات فينزل الناس منازلهم ،
ويخاطب الناس بما يعقلون ، بل إن ثمت كلمة رائعة لعلي بن أبي طالب رضي الله
تعالى عنه ، يصف فيها القلوب ، كل القلوب بأنها وحشية تحتاج إلى تأليف وترويض
فيقول: القلوب وحشية فمن تألفها أقبلت عليه وصاحب الترويض الناجح هو الذي يحرص
على تلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ، ويقصد في شيء من العطف على أخطائهم
وغفلاتهم ، مقروناً ذلك ببعض العناية بهمومهم واهتماماتهم ، وسوف يصل إلى مصدر
النبع الخير في نفوسهم ، وحينئذ يمنحونه حبهم وثقتهم ، فـ" لأن يهدي الله بك
رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم" ( رواه البخاري )
أيها الأخ المبارك :
قبل أن أودعك أحب أن أذكرك بمسألة مهمة ، وهي
أن الكثير من الناس يظن أن الداعية لا يأمر إلا بالمعروف الذي يفعله ، ولا ينهى
إلا عن المنكر الذي يجتنبه ، وهذا غلط بين ، بل الصحيح الذي دلت عليه نصوص
لكتاب والسنة ، أن الإنسان يجب عليه أن يأمر بالمعروف ويدعوا إليه ، ولو كان
مقصراً فيه ، وأن ينهى عن المنكر ويحذر منه ولو كان واقعاً فيه .
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمد
أخي العزيز :
اعلم _ يا رعاك الله - إننا جميعاً دعاة إلى
الله سبحانه وتعالى ، كل بحسبه ، وقدرته ، كل بطاقته ، وإمكاناته ، وقد أمر
الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه ، الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته معه بالدعوة إلى سبيله بالحكمة ،
ومراعاة أحوال المدعوين ، ووعظهم بالتي هي أحسن ، وإن احتاجت الدعوة إلى مناظرة
علمية ، أو مناقشة جدلية، أو خصومة فكرية، فعليه أن يناقش بهدوء، ويجادل
بالحسنى ،فلا يغضب، ولا يتعجل، حتى يكسب الخصم ، حيث يقول سبحانه وتعالى [
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ] ( النحل 122 )