|
إنه الداعية المتحرك في كل صوب ، المتقن لدعوته في كل ثوب ، إن كان في بيته
فنعم العائل والمربي ، فإن نزل الشارع وخالط الناس ، وسعهم بدعوته ، فإن ركب
وسيلة مواصلات تناثرت بركات دعوته على من حوله من الركب ، إذا دخل مصلحة لم
يخرج منها إلا بغنيمة دعوية ، نصيحة يسار بها موظفاً ، أو موعظة يسمعها
لسافرة ، أو كلمة معروف يذكر بها من يقف معه في الطابور ، إنه المبارك في حله
وترحاله ، كالغيث أينما وقع نفع :
فلا مزنه ودقت ودقها *** ولا أرضاً أبقلت أبقالها
قلب عامر وعقل يثابر ، تقي حفي ، نقي أبي ، نفعه متعد ، وخيره عام ، يتجذر
هداه في كل أرض أقام فيها ، تنداح جحافل وعظه كالسيل العرم ، تذهب بكل سد
منيع جاثم على قلوب الغافلين ، إذا قال أسمع ، وإذا وعظ أخضع ، دؤوب الخطو ،
بدهي التصرف ، إذا اعترضته العوائق نظر إليها شزراً ، وقال : أقبلي يا صعاب ،
أو لا تكوني ، محمدي الخلق ، صِدّيقيّ (1) الإيمان ،
عُمَريّ الشكيمة ، عثمانيّ الحياء ، علويّ الصلابة ، فَضليي العبرة ، حنبلي
الإمامة ، تيموي الثبات .
إن مظهره متناسق مع وظيفته السرمدية ، هندام نظيف ومتواضع ، وهيئة تقية ،
وإخبات غير متكلف ، إذا رآه الخلق ذكروا الله تعالى .
وهو داعية متعال على السفاسف ، إنه لا يساوم الباعة ويلح في خفض الأسعار ،
ولا يأنف من إماطة الأذى عن الطريق ، يبتسم في وجوه الناس أجمعين ، ويحفظ
حشمته من نزق الطائشين ، وسمود العابثين .
مستعد للدعوة في كل ميدان ، إذا فتشت حقيبته وجدتها مليئة بالحلوى والكتيبات
والهدايا الصغيرة غير المكلفة . يصطحب معه في سيره أشرطة الدعاة والخطباء
والوعاظ ، بل وأشرطة القرآن الكريم لمشاهير القراء . يحمل معه العطر والطيب
دوماً . إنها أسلحة الداعية الحي .
يستخدم الحلوى في التعارف ، والكتيبات في التأليف والوعظ والإرشاد ، والهدايا
مع دعوة لحضور محاضرة أو خطبة ، والأشرطة لتكون البديل عن شريط غناء أقنع
صاحبه بهجره ، والطيب لإزالة حزازات النفوس ، وتوجس الخائفين من مظهر الدعاة
.
فإذا ما رأيته أقبل بوجهه الضحوك ، وسلامه الرونق ( ألفيت كل تميمة لا تنفع )
لقد وقع القلب في شرك هذا الداعية ، واشتبكت القلوب المؤمنة وائتلفت
(2) ، والتقت العيون والمقل ، فإذا أدمعُ الخوف من الله
تتعرف على نفسها ، حتى إذا ما سكب ذلك الداعية الحي كلمات الود والمحبة في
الله ، والتقت إرادة الله بالهداية ، أبصرت الهوى صريعاً في ساحته ، والقلب
تتهاوى شهواته وغرائزه أمام هذا السيل الدافق من فيض الإيمان والتقى ، وكأنك
بالشيطان رابض ثمة ينادي بالويل والثبور : ويلي ويلي ، قد اختطفه فلان الصالح
مني !.
يعتمد الداعية الحيّ على كل الإمكانات المتاحة , ويستغل الظروف لصالحه . لا
يلعن الظلام , ولكنه يشارك في إيقاد شمعة , إذا قصرت به وسيلة نزل إلى التي
دونها , حتى لو لم يجد إلا لسانه أو الإشارة باليدين لا ستعملهما متوكلاً على
الله الهادي إلى صراطٍ مستقيم .
إن الداعية الحي يترقب الفرص , ويسعى إليها ولا ينتظر مجيئها إليه , يباغت
المواقف , ولا يكون هو رد فعل لها , لا يترك فرصة لما يسميه الناس الصدف أو
الفجأة , بل تراه بدهياً مستعداً لكل موقف بما يناسبه .
من سمات الداعية الحي : جدية أنه يعمل في صمت , ويؤثر العمل الدؤوب على
الثرثرة والتفيهق , ليس بالمنان ولا بالمعجب , شعاره بعد سماع الأمر من
القادة : علم وسينفذ إن شاء الله , وإذا سئل عن تكليف أنيط به, قال : التنفيذ
جارٍ بعون الله , فإذا أتم مهامه . أبلغ المسؤول في صمت : تم التنفيذ والحمد
لله ..إنها الجندية في أرقى صورها .
إن الداعية الحي متحرك لدينه , سواء كان مدرساً أو طالباً , مهندساً أو
طبيباً , عالماً أو متعلماً , سائقاً أو راكباً , حالاً أو مرتحلاً , أميراً
أو مأموراً , رئيساً أو مرؤوساً , زوجاً كان أو عزباً , فقيراً كان أو غنياً
, صحيحاً كان أو سقيماً , مبصراً كان أو أعمى , سليم الأعضاء أو معوقاً , في
الشارع أو في البيت أو في الجامعة أو في المدرسة أو في الدكان أو في الحافلة
أو في الشارع أو في أي مصلحة حكومية , بلسانه ويده ,بنفسه وماله بكله يتحرك
للدين وينافح عنه , لسان حاله : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ
أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162، 163) وشعاره {قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
(يوسف:108)
المصدر الدليل إلى الوسائل
والأفكار الدعوية .. إعداد مركز الدعوة والإرشاد بمكة
------------------
(1) نسبة إلى أبي بكر
الصديق
(2) قال صلى الله عليه وسلم : (( الأرواح جنود مجندة ، ما
تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف )).
وقال صلى الله عليه وسلم : (( المؤمن يألف ويُؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا
يُؤلف )).