|
هل تذكر حين ولجت هذه الأرض ؟ حين عانق صوتك هذا الفضاء الواسع ؟ أول وهلة تسقط
على تراب هذه الأرض هل تعلم أن صراخك ذلك اليوم كان شديداً ؟ تذكّر طول تلك
الرحلة بين قدومك أمس وليداً صغيراً ، وبين وجودك اليوم رجلاً كبيراً ... ودعني
أسائلك :
ماذا كتبت على جدار هذا الزمن ؟ أين آثارك التي تحتفل بها اليوم ذكريات جميلة
على جدار هذا الزمن الطويل ... ؟ عذراً لا أود أن أوجع ظهرك بسياط التأنيب ..
كلا ! وإنما أريد أن أرى آثارك واضحة لأحتفل بها ، وأخطو على أثرها ، وأكتب بها
شيئاً من ذكريات الأحبة من أمثالك . وجدت هذا العنوان ماذا ستكتب على جدار
الزمن ؟ وأنا أتصفح النت ، ووجدت بعضاً من الناس كتب تعليقاً عليه : يقول الأول
: سأكتب لو يعلمون ........!! وآخر كتب قائلاً : لن تجدونني .... حينها تذكروا
أن لي قلباً نبض حباً لكم لكنكم لم تنصفوه ... وثالث كتب : إن خير الزاد التقوى
... ورابع خط بقلمه فقال : حتى البكاء كان شحيحاً .. وكتبت أنا قائلاً : الحياة
فرصة واحدة فإما فلاح الراشدين وإما عثرات النائمين ... الحياة فرصة لا تحتمل
نوماً ثقيلاً ، ولا جلوساً طويلاً ، الحياة صفحة بيضاء فإما تاريخ الناجحين
وإما نوم الغافلين ! وإذا كانت النفوس كباراً .... تعبت في مرادها الأجساد .
ومن علامة كمال العقل علو الهمة ! والراضي بالدون دنيء . ولم أر في عيوب الناس
عيباً ... كنقص القادرين على التمام . يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
العامة تقول : قيمة كل امرئ ما يحسن ، والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب .
اهـ وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : وما تقف همة إلا لخساستها ، وإلا فمتى
علت الهمة فلا تقنع بالدون ، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي ،
وإنما تقتصر بعض الهمم في بعض الأوقات ، فإذا حُثّت سارت ، ومتى رأيت في نفسك
عجزاً فسل المنعم ، أو كسلاً فسل الموفّق فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، فمن الذي
أقبل عليه ولم ير كل مراد ؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة ؟ أو حظي بغرض من
أغراضه ؟ اهـ يظل العنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتاً ولا يقبل منّة الأم ،
والحية تطلب ما حُفر لها إذ طبعها الظلم ، والغراب يتبع الجيف ، والصقر لا يقع
إلا على الحيِّ ، والأسد لا يأكل البايت ، والخنفسا تُطرد فتعود . اجتمع عبد
الله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان في فناء
الكعبة فقال لهم مصعب تمنوا فقالوا : ابدأ أنت ، فقال : ولاية العراق ، وتزوّج
سكينة ، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمس مئة ألف
درهم وجهزها بمثلها . وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يُحمل عه الحديث فنال ذلك
، وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها ، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة وتلك همم
القوم ، وآمالهم . ولقد قال الأول :
وقائلة : لم غيرتك الهموم وأمرك ممتثل في الأمم
فقلت : ذريني على غصّتي فإن الهموم بقدر الهمم
قم يا أيها الحبيب واركل كل عثرة في الطريق ، واكتب للناس قول القائل :
ومن يتهيّب صعود الجبال يعش أبداً تحت الحفر
قم يا أيها الفاضل إلى الدنيا ، قم فاكتب على صفحاتها قول القائل :
قلت للصقر : وهو في الجو عالٍ اهبط الأرض فالهواء
جديب
قال لي الصقر : في جناحي وعزمي وعَنان السماء مرعىً خصيب
قم يا أيها الصادق إلى هذه الحياة الطويلة واكتب على صفحاتها ذكرياتك الجميلة .
قم إلى الحياة فخلّد فيها معاني النضال والحرية الحقيقية ، قم إليها مبتسماً
متفائلاً مقبلاً إقبال الهمام ولا يغرنّك ما فات منها فإنها لا زالت سانحة ،
وفي العمر بقية ، وصفحة الحياة لا زالت بيضاء ، والقلم لم يغمد بعد . قم ولا
تلتفت إلى كبوات الماضي فهي سلالم النجاح اليوم ، قم بشرط أن تكون متفائلاً ،
راضياً ، هماماً ، طموحاً . هذه الحياة أحوج ما تحتاج إلى همة عالية ، وابتسامة
صافية ، وتفاؤل عريض ، وقلب وفيٌّ حبيب ، وقبل ذلك وبعده صدق في الإقبال على
الله تعالى فما نيلت الفردوس الأعلى إلا بآمال الفالحين الصادقين . هذه كلمات
اجترتها تلك المقالة على صفحات الشبكة العنكبوتية .. وهي بعض ما أكتبه على جدار
الزمن . والله يتولاك برعايته .
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@hotmail.com