|
مدخل :
المقصود بالتفاعل التربوي هو حدوث
اقتناع وتجاوب نفسي بين طرفي العملية التربوية ( المربي والمتربي ) يؤدي
لاستجابة الطرف الثاني المعرفية والسلوكية للطرف الأول وللتأثر به .
ويمثل التفاعل التربوي عنصراً مهماً في العملية التربوية ، حيث يعكس العمق
والحيوية التي تكتسبها المعلومات والخبرات المنقولة للمتعلم ، ويعكس المدى
البعيد لأثر المتربي استيعاباً وتطبيقاً ، هذا إضافة إلى الإسراع في العملية
التربوية .
والمربون من آباء ومعلمين ودعاة وغيرهم يعانون – في كثير من الأحيان – من عدم
القدرة على التأثير في أولادهم أو طلابهم أو مدعويهم ومن عدم استجابتهم ، بل
إنهم – أحياناً – يعاندون ويعرضون ويحولون بين المربي والتأثير فيهم . ومن
أهم الركائز لمعالجة هذه الشكوى اختبار المربي لدى حرصه على التفاعل مع
المتربي ، واهتمامه لإقامة علاقة جيدة معه ، وهذه أول خطوة جوهرية في طريق
التأثير .
قواعد التفاعل :
أصَّل المنهج التربوي الإسلامي
المبني على الفقه الشامل لطبيعة النفس البشرية هذه القواعد مبكراً ، وأثراها
وخصوصاً في الجانب التطبيقي . ونشير هنا إلى بعض هذه القواعد :
قاعدة التبادل في العلاقات :
إن حسن التجاوب ، وحرارة الاتصال بين
طرفين والتفاعل بينهما يعتمد اعتماداً كبيراً على مفهوم "التبادل في
العلاقات" ، فعلى قدر ما يبذل كل طرف من جهده وماله ومشاعره نحو الطرف الآخر
، تقوم العلاقة وتتصاعد إلى أعلى .
وعلاقة المربين بالمتربين قائمة على ذلك ، فمثلاً : في علاقة الآباء بالأبناء
، بقدر ما يقدم الآباء للأبناء من عناية ورعاية ونفقة ويبذلون من رحمة وشفقة
، وبقدر ما يحيطون به أبناءهم من نصرة ومعونة وحماية ، بقدر ما يعيد هؤلاء
الأبناء هذا العطاء والبذل براً وطاعة ومعروفاً وخفضاً للجناح ، والعكس
بالعكس : فالشدة والقسوة والجفاء ، وعدم النفقة أو تقتيرها أو المن بها ،
وعدم العناية بالتربية والتعليم ، والسخرية والاستهزاء ، والإهمال والنبذ
والطرد ، والغفلة والبعد، كل ذلك يؤدي إلى الجفاء والشدة وعدم الاهتمام ،
ويورث النبذ والبعد والقسوة على الآباء من قبل الأبناء .
والمربي أو الداعية إذا كان بارد الأحاسيس، جاف المشاعر، رسمي المعاملة، ساخر
اللسان، الغافل أو المتغافل ، البعيد أو المتباعد ، قد يقابل من المتربين في
معاملتهم ومسالكهم ومشاعرهم بالرفض والكره والاشمئزاز .
ومما يدل على هذه القاعدة ، قوله تعالى : (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) [
الرحمن: 60 ] ، وقوله تعالى : (إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً) [
الإنسان : 22 ] ، وقوله تعالى : (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو
ردوها) [ النساء : 86 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (من استعاذ بالله
فأعيذوه ، ومن سأل بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع إليكم معروفاً
فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) [
سنن أبو داود : 1672 ] .
قاعدة الحقوق والواجبات :
هذه القاعدة تحكم العلاقات بين الناس
، فالحقوق لفرد معين في مجال معين هي واجبات الشريك الآخر "المقابل" ، والعكس
كذلك ، فحقوق المتربي هي واجبات المربي ، وحقوق المربي هي واجبات المتربي .
والرضا بين الطرفين المعنيين أمر ضروري لحدوث التداخل والتفاعل بينهما على
وجه مقبول ، ورضا أحد الطرفين وإقباله يعتمد على رضا الطرف الآخر وإقباله ،
وذلك وفق قيام كل منهما بواجباته تجاه الآخر .
وإذا مارس الفرد سلوكه بالطريقة التي تتفق مع ما يتوقعه الآخرون منه ( أي
بقيامه بواجباته تجاههم ) فإن الآخرين يحمدون له ذلك ويقومون بأداء ما يستحقه
أو ما يتوقعه هو منهم.
والعكس بالعكس ، فهو عندما يسلك بخلاف ما يتوقعه الآخرون منه ، يقطع على
الآخرين الطريق لتحقيق المتوقع منهم ، فيغضبون منه ويحجبون الثقة عنه .
وقيام المربي بواجباته تجاه المتربين من تعليمهم وتربيتهم ، وتفقد أحوالهم ،
وتشجيعهم بالسبل المختلفة ، ومعالجة الحالات الخاصة فردياً ، ومخاطبتهم على
قدر عقولهم مع تقديرهم ، كل ذلك يؤثر على مسالك المتربين تجاه المربي محبة أو
كرهاً ، طاعةً أو عناداً ، احتراماً أو احتقاراً ، صلةً أو قطيعةً .
ومن الأدلة على هذه القاعدة القصة التالية : " جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي
الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنَّبه على عقوقه لأبيه
ونسيانه لحقوقه ، فقال الولد : يا أمير المؤمنين : أليس للولد حقوق على أبيه
؟ قال : بلى . قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : أن ينتقي أمه ،
ويحسن اسمه ، ويعلمه الكتاب (أي: القرآن) . قال الولد : يا أمير المؤمنين ،
إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك ، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، وقد سماني
جَعَلاً (أي: خنفساء) ، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً . فالتفت عمر إلى
الرجل وقال له : جئت تشكو عقوق ابنك ، وقد عققته قبل أن يعقَّك ، وأسأت إليه
قبل أن يسيء إليك " .
قاعدة رأي المربي في المتربي له أثر
على شخصيته :
وهذه القاعدة تقول " إن فكرة الفرد عن
نفسه هي انعكاس مباشر لفكرة الآخرين عنه ، وأن الفرد يبني كثيراً من علاقاته
على أساس من الرأي السائد فيه " .
فالمتربي يتأثر بأقوال وآراء المربي عنه ، ويبني الآراء عن نفسه وفقاً لما
يقوله الآخرون عنه ، فإذا كان المتربي محلاً لثقة المربي ، ومعروفاً أو
مذكوراً عنده بالقدرة والنشاط والمبادرة ، وموكولاً إليه من المهمات والأعمال
ما يتطابق مع الرأي فيه ، وإذا كان يلقى من التشجيع والتأييد ومن التوجيه
والتكليف ما يمثل اتجاها ورأياً يتناسب مع قدراته وإمكاناته ، فإنه يسعى
لتأصيل ذلك في ذاته ، وجعله صفة من صفاته وسمة من سمات شخصيته ما أمكن .
وكذلك الصفات السلبية تتأصل من خلال مسالك وآراء المربي فيه .
وهكذا فالمتربي يقدم أو يحجم ، وينشط أو يجبن ، ويجتهد أو يكسل ، ويجرؤ أو
يسكت ، وفق ما يعلمه من رأي المربي فيه ، ووفق ما يقوم به من معاملة مبنية
على ذلك .
ومن الأمثلة على هذه القاعدة : أن المربي إذا كلف المتربي بمراقبة بعض
الأعمال ، أو إدارة عمل تربوي ، أو قيادة مجموعة معينة ، أو متابعة قضية
معينة ، فإنه يُكوِّن فكرة عملية عن ذاته ، وعن قدراته الإدارية والعلمية .
ومن الأمثلة عليها في الجوانب العبادية ، استثارة النبي صلى الله عليه وسلم
لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما لقيام الليل بناءً على رأيه فيه ، فعنه قال
: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصّها على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصّها على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا
هي مطوية كطي البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت
أقول : أعوذ بالله من النار ، قال : فلقينا ملك آخر ، فقال لي : لم تُرَعْ.
ومعنى "لم تُرَعْ": لا خوف عليك بعد هذا ولا ضرر.
فقصصتها على حفصة، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "
نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل" ، فكان بعد لا ينام من الليل إلا
قليلاً . [صحيح البخاري: 1122].
أساليب وأنواع التفاعل
يمكن أن نقسم الأساليب والإجراءات
التي تمهد أو تحدث التفاعل والاندماج بين المربي والمتربي إلى مجالين هما:
مجال المشاعر والمفاهيم ، ومجال السلوك والأعمال .
أولاً : مجال المشاعر والمفاهيم :
وهي أنواع وأساليب التفاعل
المتعلقة بمشاعر الإنسان وتوجهاته الداخلية ، وبرصيده من الوعي والمعرفة حول
مبادئ التفاعل وقواعده .
ويشمل هذا المجال الأعمال الآتية :
1) التوجه والسعي للحصول على محبة
الله ورضاه : فإن محبة الله للعبد
ورضاه عنه يورثان محبة الناس له ورضاهم عنه ، وقد ورد ذلك نصاً في خبر
المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه
الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"
[تحفة الأحوذي : 7 / 97].
وكذلك محبة الملأ الأعلى للعبد تنتج محبة الله العباد له ، ورغبتهم فيه
وإقبالهم عليه . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إن الله يحب فلاناً، فيحبه جبريل، فينادي
جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أ÷ل السماء ، ثم
يوضع له القبول في الأرض " [البخاري : 6640] .
فعلى العبد أن يتقرب إلى الله ويطيعه بأنواع الطاعات المفروضة والمستحبة ،
وسيجد لذلك أثراً واضحاً في اتجاه الناس إليه ، وقربهم منه ومحبتهم له ، وهذا
مرتكز أساس للتفاعل والاندماج في العملية التربوية .
2)
الإخلاص والصدق في العلاقة بالناس :
الإنسان الذي يريد أن يبني علاقة مؤثرة ومثمرة مع الآخرين لا بد أن يخلص في
هذه العلاقة، والإخلاص عمل قلبي ينبعث من قلب الإنسان ومشاعره تجاه الآخرين ،
حيث يحس بأهمية العلاقة وعمقها ، ويصدق في إقامتها من داخله أولاً ، ومن ثم
ينعكس هذا الإخلاص والصدق على أقواله وأعماله عند الاحتكاك بالآخرين ،
فيبادلونه الشعور ذاته ، ويتفاعلون معه .
وإذا كان المربي غير صادق أو كان إخلاصه للآخرين مشوب بدخن ، رأيت الناس
ينفرون منه ، ولا يثقون به ، وذلك من علامات ضعف التفاعل أو فقده في العملية
التربوية .
ومن نواتج الإخلاص المؤثرة في التفاعل التربوي تطابق أقوال المربي مع أفعاله
، فالناس تتفاعل مع المربي العامل ، وتبتعد عن المربي الذي يخالف قوله فعله .
ومن نواتج الإخلاص – أيضاً – المبادرة بالأعمال ، والسَّبق في الطاعات ،
والناس يتفاعلون مع من يسبقهم إلى الميدان ومع من يأخذ بزمام المبادرة .
3 )
الوعي بالقواعد التربوية التي تنشئ التفاعل :
في كل عمل تربوي يحتاج المرء إلى زاد فكري وقاعدة من المعلومات المتعلقة به ،
وللتفاعل التربوي نظريات وقواعد وأساليب ، لا بد أن يلم بها من كان حريصاً
على قيام تربية متفاعلة ومؤثرة.
وقد أشرنا إلى هذه القواعد في الحلقة الأولى ، ونضرب بعض الأمثلة على هذه
القواعد : التيسير مقابل التعسير ، الرحمة والشفقة مقابل القسوة والشدة ،
التأني مقابل العجلة ، التواضع والتبسُّط مقابل التكبر والتكلف.
ثانياً : مجال العمل والسلوك :
وهي أساليب التفاعل المتعلقة
بالسلوكيات التي يمكن أن يمارسها الفرد لإحداث الاندماج والتفاعل مع الآخرين
. وهذه السلوكيات التفاعلية كثيرة جداً ومتداخلة ، بل إنها في بعض الأحيان
متماسكة بحيث لا ينفك بعضها عن بعض ، إلا أننا سنتناول كل سلوك منفرداً ليسهل
توضيح وتحديد هذا المجال ، ولكي يكون المربي على علم جيد بجزئيات سلوكه –
مهما صغرت – وأثرها في عملية التفاعل والاندماج مع المتربي.
وفيما يلي بيان هذه الأنواع السلوكية :
1) السلوك اللغوي :
ويتعلق بلغة الفرد وطريقة تخاطبه مع الآخرين ، وأساليبه في السؤال والجواب
والحوار ، ونوع الكلمات المستخدمة . فالفرد كلما كان سليط اللسان ، أو كثير
الكلام ، أو متكلفاً متفيهقاً ، أو فظاً غليظاً ، أو متعصباً متنطعاً ، أو
مستخدماً للكلمات النابية والألفاظ القاسية كلَّما تدنى أو فقد تفاعله مع
الآخرين.
قال تعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) [آل عمران: 159].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً
ولا فحّاشاً ولا لعاناً ، كان يقول لأحدنا عند المعتبة : " ما له تربت جبينه
" [ البخاري : 6031 ] .
وكلما كان المرء لين الحديث ، بعيداً عن المراء ، غير جارح في حديثه وخطابه ،
ينتقي الكلمات اللطيفة والأجوبة الرفيقة ، كلما كان متفاعلاً محبوباً مقبولاً
لدى الآخرين .
2 )
سلوك السيما والهيئة : ويتعلق بهيئة
الفرد وملامح وجهه ، والطابع المميز لقسماته ، والسيما التي تغلب عليه عند
ملاقاة الآخرين، والفرد إما أن يعرف بأريحيته وطلاقة وجهه وانبساط أساريره ،
فيكسب الناس ويملك مشاعرهم ، وإما أن يكون مقطب الجبين ، عابس الوجه أو صلباً
جامداً غير متفاعل في هيئته ، فيعرض عنه الناس ويجتنبوه ، أو يتعاملوا معه
تعاملاً رسمياً وفق الحاجة ، أما التعامل التربوي المؤثر فلا بد فيه من
مراعاة سلوك الهئية والسيما واعتبار ملامح الإنسان وقسمات وجهه عنصراً مهماً
في التفاعل ، ورسالة لا غنى عنها للإذن بالاندماج أو عدمه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم لن
تسعوا الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق " [ أخرجه
البزار بسند حسن ، وانظر ابن حجر ، فتح الباري : 10 / 474 ] .
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تبسُّمك
في وجه أخيك صدقة" [ الترمذي : 2022 ] .
3)
السلوك التعاملي العادي : ويتعلق
بطريقة الفرد المعتادة في التعامل ، وأسلوبه المتبع عند الاحتكاك بالآخرين من
حيث الأمر والنهي ، والتوجيه والتكليف ، والنصح والتعليم ، ومن حيث مدى
مراعاة اختلاف الأحوال والقدرات والإمكانات .
فالفرد إذا اعتاد أن يكون سهلاً ميسراً ورفيقاً شفيقاً ، وإذا لمح فيه الناس
الميل إلى اليسر والسماحة ، وكان دائماً يختار الطريق الأرفق ، والبديل
الأحسن ولو على حساب نفسه ، أحبه الناس وتقربوا إليه وتفاعلوا معه وشاركوه
مشاعره ، بل ربما صار العدو ولياً حميماً بسبب هذا التعامل .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ، فقد اعتاد التيسير والسماحة ، وكان
رفيقاً شفيقاً سهلاً ليناً حسن التعامل ، يرأف بالناس ويبتغي التيسير عليهم ،
ويختار الأرفق بهم .
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
أمرين إلا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه
، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة
الله ، فينتقم بها لله" [ البخاري : 6126 ] .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لاتخاذ هذا الأسلوب والاعتياد عليه
في دعوة الناس وتربيتهم ومعالجة قضاياهم، وفي توجيههم والتعامل معهم .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يسروا
ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا " [ البخاري : 6125 ] .
4)
السلوك العلاجي : وهو السلوك الذي
تواجه به المشكلات المستجدة والمواقف المفاجئة ، ويتعلق بطبيعة معالجة المربي
لما يحدثه الناس من أمور غير متوقعة ، ولما يتخذونه من مواقف أو يقومون به من
أعمال تثير الغيظ وتوغر الصدر أو تحمل على التشفي وإيقاع العقاب ، ويدخل في
هذا ما يقع فيه المبتدئون والصغار والجهال من مخالفة للعرف أو تساهل بالنظام
أو عدم اكتراث بمقامات الناس .
والفرد كلما كان قادراً على مواجهة هذه المواقف والتعامل معها تعاملاً
مناسباً من الناحتين النفسية والموضوعية كلما نجح في إقامة العلاقة وبناء
الصداقة وتأليف الناس وكسبهم ومن ثم التأثير فيهم ، ومن ذلك القدرة على تقدير
ظروفهم وإنزالهم منازلهم ، ومخاطبتهم على قدر عقولهم ، واعتبار مستوياتهم
العمرية والثقافية والنفسية ، فليس المتربي الجديد كالقديم ، ولا المبتدئ
كالمتمكن ، ولا الصغير كالكبير ، ولا الهادئ كالغضوب والجاهل كالعالم وهكذا .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً بال في المسجد ، فثار إليه الناس
ليقعوا به ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوه وأهريقوا على
بوله ذَنوباً من ماء – أو سجلاً من ماء – فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا
معسرين" [البخاري: 6128].
5)
السلوك التعاوني : ويتعلق بطريقة
المربي في التعامل مع احتياجات الآخرين المادية والصحية والنفسية والاجتماعية
، وبمدى إيجابيته في مجالات البذل والصلة والتفقد ، وبمدى مبادرته وكفاءته في
أنشطة التكافل الاجتماعي ، فالفرد كلما كان عطوفاً متعاوناً بذولاً لماله
وجاهه ووقته وجهده ، كلما مالت إليه قلوب الناس ، وأقبلت عليه وأحبته .
والمجال التعاوني يعد من أهم وأوضح المجالات السلوكية المرتبطة بدعوة الناس
وتربيتهم ، والمؤثرة في تقبلهم وتفاعلهم مع المربي ، كثيرة هي الآيات
القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والنماذج، والسِّيَر التي تبين هذا وتحث عليه
. كما أن رجال التربية وعلم النفس والاجتماع أشاروا إلى دور السلوك التكافلي
في التربية .
ومن السلوكيات التعاونية التي عُني بها المنهج الإسلامي : الصدقة ، والهدية ،
والمكافأة ، والقرض الحسن ، والشفاعة ، والزيارة ، وعيادة المريض ومواساة
المصاب ، ونصرة المظلوم ، وقِرى الضيف ، وإجابة الدعوة ، والإيثار ، والسعي
في حاجات الآخرين ، وحسن الجوار ، والنصيحة والمشورة ، والدعاء في ظهر الغيب
، وغير ذلك من أنواع البر والإحسان .
وشواهد وأدلة الأنشطة التعاونية في الإسلام كثيرة جداً ، يعقد لها العلماء
فصولاً كبيرة في كتبهم تحت عنوان : الآداب أو الأخلاق أو البر والصلة أو
الفضائل .
6)
السلوك التكميلي ( الترفيه والدعابة والمزاح ) :
ويتعلق بكماليات السلوك وملطفاته ، حيث يُتخذ من أساليب الترفيه ، وأنواع
الترويح ما يُخَفف به ثقل التربية وجفافها وقسوة البيئة العلمية والعملية
وجديتها .
من ذلك الدعابة ، والممازحة بين الحين والحين ، والملاطفة والتورية في الحديث
على سبيل الإلغاز ، والمعاتبة ، والتعليق دون جرح للمشاعر ، والملاعبة بما لا
يذهب الهيبة ولا يغلب على المربي .
ولا بد من مراعاة الناس في هذا ومدى حاجتهم إليه ، فالحاجة إليه عند الحديث
إلى الصغار أكثر من الكبار ، وإلى العامة أكثر من الخاصة ، وإلى المبتدئين
أكثر من المتمكنين ، والكلّ يحتاج ذلك بقدر .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالوا : يا رسول الله : إنك تداعبنا ؟ قال :
"إني لا أقول إلا حقاً" [الترمذي: 2058].
المصدر : موقع المسلم