بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه أقوال مجموعة وكلمات نيرة، هي أجوبة لمن قيل له: كيف أصبحت؟ لها
دلالات ومعاني غزيرة، في الزهد والورع والتقوى نحن بأمس الحاجة لها في دنيا
الفتن والشهوات وانكباب الناس على الملذات.
1- عن دهثم العجلي، قَالَ: لقيت يزيد الرقاشي، فقلت له: كيف أصبحت
رحمك اللَّه؟ قَالَ: كيف يصبح من تعتد عليه أنفاسه، ويحصى لانقضاء أجله، لا
يدري عَلَى خير يقدم، أم عَلَى شر؟ قَالَ: ثم ذرفت عيناه.[1]
2- قال أبو سليمان الداراني: يا أم هارون كيف أصبحت؟ قالت: كيف أصبح
من قلبه في يد غيره.[2]
3- قال المروزي: دخلت يوما عَلَى أَحْمَد، فقلت: كيف أصبحت؟ فقال:
كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرض، ونبيه يطالبه بأداء السنة، والملكان
يطالبانه بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء، وملك
الموت يطالبه بقبض روحه، وعياله يطالبونه بنفقتهم؟[3]
4- عن عارم بن الفضل، قال : قلت لزهير البابي: كيف أصبحت يا أبا عبد
الرحمن؟ قال: أصبحت بعدك في مسير إلى الآخرة، منتقلا عن الدنيا بشدتها
ورخائها.[4]
5- عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الضُّرَيْسِ
عُمَارَةَ بْنَ حَرْبٍ، يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَبَا
الضُّرَيْسِ؟ فَيَقُولُ: إِنْ نَجَوْتُ مِنَ النَّارِ فَأَنَا بِخَيْرٍ.[5]
6- قيل للحسن: كيف أصبحت يا أبا سعيد كيف حالك؟ قال: بأشد حال، ما
حال من أمسى وأصبح ينتظر الموت لا يدري ما يفعل الله به[6].
7- قال رجل لميمون بن مهران: كيف أصبحت قال أصبحت مستوحشا كم من خلق
كريم وفعل جميل قد درس تحت التراب.[7]
8- عن أبي أمامة، أنه سمع رجلا يقول لرجل من المسلمين: كيف أصبحت يا
صلع؟ فقال: يا ابن أخي، لقد كنت عن لعنة الملائكة غنيا.[8]
9- كان أبو الدرداء إذا قيل له كيف أصبحت قال: أصبحت بخير إن نجوت
من النار.[9]
10- كان سفيان الثوري إذا قيل له كيف أصبحت يقول: أصبحت أشكر ذا إلى
ذا وأذم ذا إلى ذا وأفر من ذا إلى ذا.[10]
11- قيل لسًفْيان الثَّوْري: كيف أصبحتَ؟ قال: أصبحتُ في دار حارتْ
فيها الأدِلاء.[11]
12- قيل لمالك بن دينار كيف أصبحت؟ قال: أصبحت في عمر ينقص وذنوب
تزيد.[12]
13- قيل لبعض الحكماء كيف أصبحت؟ قال: أصبحت لا أرضى حياتي لمماتي
ولا نفسي لربي.[13]
14- قيل لحكيم كيف أصبحت؟ قال: أصبحت آكل رزق ربي وأطيع عدوه
إبليس.[14]
15- قيل لحامد اللفاف كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أشتهي عافية يوم إلى
الليل فقيل له: ألست في عافية في كل الأيام؟ فقال: العافية يوم لا أعصي
الله تعالى فيه.[15]
16- عن ابن عون، قال: مررت بعامر الشعبي وهو جالس بفنائه فقلت: كيف
أنت؟ فقال: كان شريح إذا قيل له: كيف أنت؟ قال: بنعمة ومد إصبعه السبابة
إلى السماء.[16]
17- عن جرير عن مغيرة قال: سمعت إبراهيم وسلم عليه فقال: وعليكم،
فقال: كيف أنت؟ قال: بنعمة من الله . [17]
18- وقيل لرجل وهو يجود بنفسه: ما حالك؟ فقال: وما حال من يريد سفرا
بعيدا بلا زاد،ويدخل قبرا موحشا بلا مؤنس، وينطلق إلى ملك عدل بلا حجة
!![18]
19- قيل لحسان بن أبي سنان: ما حالك؟ قال: ما حال من يموت ثم يبعث
ثم يحاسب !! [19]
20- قال ابن سيرين لرجل: كيف حالك؟ فقال: وما حال من عليه خمسمائة
درهم دينا وهو معيل، فدخل ابن سيرين منزله فأخرج له ألف درهم فدفعها إليه
وقال: خمسمائة اقض بها دينك، وخمسمائة عد بها على نفسك وعيالك ولم يكن عنده
غيرها.[20]
21- قيل للشعبي في نائبة كيف أصبحت ؟ قال: بين نعمتين: خير منشور
وشر مستور .[21]
22- قال الجنيد: دخلت على السري يوما فقلت له: كيف أصبحت؟ فأنشأ
يقول:
ما في النهار ولا في الليل لي فرج * فلا أبالي أطال الليل أم قصرا
ثم قال ليس عند ربكم ليل ولا نهار.[22]
23- وقيل لأحدهم كيف أصبحت؟ فقال: أصبحنا أضيافاً مُنيخين في
غُربةٍ, ننتظر متى نُدعَى فنجيب.[23]
24- قال بعضهم لأبي العيناء - ورآه ضعيفا من
الكبر - كيف أصبحت أبا العيناء؟ فقال أصبحت في الداء الذي يتمناه
الناس.[24]
25- أن بردة الصريمية كانت إذا قيل لها: كيف أصبحت؟ تقول: أصبحنا
أضيافا منتجعين، بأرض غربة، ننتظر إجابة الداعي.[25]
26- قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وأرى كلّ شيءٍ مني في
إدبارٍ وإدباري في إقبال.[26]
27- قيل لسعيد بن السائب: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أنتظر الموت على
غير عدة.[27]
28- قيل لأعرابيّ قد أَخذته كَبْرة السِّن: كيف أصبحتَ؟ فقال:
أصبحتُ تقيِّدني الشَّعرةُ، وأَعثُر بالبَعْرة، قد أقام الدهرُ صَعَرِي،
بعد أن أقمتُ صَعَره.[28]
29- قيل لبعض العارفين: كيف أصبحت؟ قال: أسفاً على أمسي، كارهاً
ليومي، مهناً لغدي.[29]
30- قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والدنيا غمي، والآخرة همي
.[30]
31- سئل الشاعر الأهوازي: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت والله أظرف الناس،
وأشعر الناس، وآدب الناس! فقال السائل: أسكت حتى يقول الناس ذلك! فقال: أنا
منذ ثلاثين سنة أنتظر الناس وليسوا يقولون.[31]
32- قال الربيع لأبي العتاهية: كيف أصبحت؟قال:
أصبحت والله في مضيقٍ * فهل سبيلٌ إلى طريق؟
أفٍ لدنيا تلاعبت بي * تلاعب الموج بالغريق[32]
33- قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحتسب على الله الحسنة، ولا
أحتسب على نفسي السيئة.[33]
34- قيل للحسن البصري: كيف أصبحت؟ فقال: كيف يصبحُ مَنْ هو غَرَضٌ
لثلاثةِ أسْهُمٍ: سهمُ رزيّةٍ، وسهمُ بليّةٍ، وسهمُ منيَّةٍ.[34]
35- قال رجل لإبراهيم النخعي: كيف أصبحت؟ فقال: إن كان من رأيك أن
تسد خلتي، وتقضي ديني، وتكسو عورتي أخبرتك، وإلا ليس المسؤول بأعجب من
السائل.[35]
36- قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وأرى غروب الشمس وطلوعها
يأخذان مني كل يوم جزءاً، وكم عسى أن يدوم عدد ليس له مدد حتى يبيد
وينفد.[36]
37- قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من يفنى ببقائه.[37]
38- قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت بين حاذف وقاذف، وبين ستوق
وزائف.[38]
39- وعن عتبة المعروف بالغلام - وسمي بذلك لكثرة خدمته- أنه كان
مقيماً بالجبانة، فبلغ خبره علي بن سلمان أمير العراق، فخرج حتى وقف عليه
فسلم فرفع رأسه فرد عليه فقال له الأمير: كيف أصبحت؟ قال: متفكراً في
القدوم على الله بخير أم بشر، ثم بكى وأطرق رأسه منكساً إلى الأرض، فقال:
الأمير قد أمرت لك بألف درهم فقال: قبلتها على أن تقضيني معها حاجة، فقال:
وقد سر بذلك وما هي؟ قال: تقبل مني ما وهبتني فقال قد فعلت وانصرف.[39]
40- قيل لعبد الله بن المبارك: كيف أصبحت؟ قال: إنك تسأل الهارب عن
باب ربه عن عافية صباحه، إنما العافية للثوري وأصحابه.[40]
41- قيل لإسماعيل بن صبيح وهو مريض: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت تحيرت
على الأطباء.[41]
42- قيل لناسك: كيف أصبحت؟ قال: بنعمة من الله، وثناء من الناس لم
يبلغه عملي.[42]
43- قال مسهر لعطية العوفي: كيف أصبحت؟ قال: في سلامة مشوبة بداء،
وعافية داعية إلى فناء.[43]
44- قال عبد العزيز المتكلم: رأيت بهلولاً يوماً باكراً فقلت: يا
بهلول كيف أصبحت؟ قال: بخير، أنتظر لقاء من يوجب الأجر، ويحط الوزر، ويشد
الأزر، ثم قال لي: يا عبد العزيز أحسن مجاورة النعم بالشكر عند الرخاء،
والصبر عند البلاء.[44]
أيمن
الشعبان
20/3/2013
---------------------------------
[1]تاريخ دمشق لابن عساكر.
[2]المصدر السابق.
[3]طبقات الحنابلة.
[4]الفرج بعد الشدة.
[5]الزهد الكبير للبيهقي.
[6]المصدر السابق.
[7]مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا.
[8]مساوئ الأخلاق للخرائطي.
[9]إحياء علوم الدين.
[10]المصدر السابق.
[11] العقد الفريد.
[12]المصدر السابق.
[13]المصدر السابق.
[14]المصدر السابق.
[15]المصدر السابق.
[16]مصنف ابن أبي شيبة.
[17]المصدر السابق.
[18]إحياء علوم الدين.
[19]المصدر السابق.
[20]المصدر السابق.
[21]أدب الدنيا والدين.
[22]مدارج السالكين، يشير إلى أنه غير متطلع إلى الأوقات بل هو مع الذي
يقدر الليل والنهار.
[23]مجالس العتيق الإسلامية.
[24]الآداب النافعة بالألفاظ المختارة الجامعة.
[25] صفة الصفوة.
[26] أخبار الظراف والمتماجنين لابن الجوزي.
[27] صفة الصفوة.
[28] العقد الفريد.
[29] الكشكول.
[30] المصدر السابق.
[31] محاضرات الأدباء.
[32] المصدر السابق.
[33] نثر الدر
[34] الذخائر والعبقريات.
[35] البصائر والذخائر.
[36] المصدر السابق.
[37] التذكرة الحمدونية.
[38] الصداقة والصديق.
[39] تزيين الأسواق في أخبار العشاق.
[40] ربيع الأبرار.
[41] المصدر السابق.
[42] المصدر السابق.
[43] عقلاء المجانين.
[44] غرر الخصائص الواضحة.
|