بسم الله الرحمن الرحيم
كنت وصاحبي نتكلم عن الدعاء وأنه أحد أسباب نصر المسلمين في كل زمان ومكان
، كما أنه من أسباب هلاك الظالمين ، كما أنه سبب لحصول أمور كثيرة ومنع
أمور أخرى ، وكيف أن الدعاء - كذلك - كان أحد الأسباب المهمة لحصول الخير
ودفع النقم .
ومن ذلك ما حصل لبعض الحكام الطغاة في عصرنا الحاضر فقد كان انهيارهم في
أوقات قصيرة فاجأت الجميع ، فلا شك أن للدعاء دورا كبيرا في حصول هذه
النهايات المتسارعة .
وأوردنا قصصا في هذا السياق ، منها :
ما تواتر عن رجل تميز أبناؤه خلقا وعلما وسلوكا ، حتى أن معلمي أبنائه
يتعجبون من حالهم ، مع أن والدهم من عامة الناس وليس من علمائهم ، فذهبوا
إليه يوما وسألوه عن طريقته في تربيتهم وتأديبهم ، فكان رده بأن نسب الفضل
إلى الله تعالى ، ثم أنه يسأل الله في كل صلاة : أن يصلح أبناءه وأبناء
المسلمين !! ، فتذكرت في نهاية سرد هذه القصة قوله صلى الله عليه وسلم :
الله أكثر .
لم يقتصر في دعائه على طلب الصلاح لأبنائه فقط بل كثر أعداد المطلوب صلاحهم
لتشمل أبناء المسلمين كلهم ، وما المانع ؟ فالله أكثر، وقد يعطي وقد يمنع (
فهو المحيط علما بأحوال العباد, فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم , وحكمته
البديعة , وليس لأحد تدبير في حكم ولا دليل ولا غاية ولا تعليل ) تفسير ابن
سعدي سورة يونس الآية20
(وهو سبحانه المحمود على كل حال لكمال علمه وكمال حكمته وعدله) ابن باز
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 4/152
وفي قصة هذا الرجل وغيرها مما شابهها أمور ، منها :
1. لقد أحسن الظن بالله ، ولعله تيقن (إن الله على كل شيء قدير) البقرة
الآية 20 ، و (إن الله يفعل ما يريد ) سورة الحج آية 14, (والله يحكم لا
معقب لحكمه ) الرعد الآية 41 ، (وربك يخلق ما يشاء ويختار ) القصص الآية 28
2. لعل الله آتاه بعض سؤله ، ومن طلب الله ودعاه ورجاه فإنه لا يخسر أبدا ،
بل هو رابح مع الله ، فهو - سبحانه وتعالى - إما أن :
- يعطي السائل بعضَ أو كلَ ما سأل ، أو خيراً منه .
- أو يؤجل - سبحانه - الإجابة فيراها السائل في الدنيا أو في الآخرة .
- أو يصرف - سبحانه - عن السائل شراً .
قال عليه الصلاة والسلام : ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه
الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ،
فقال رجل من القوم : إذا نكثر؟ ، قال : الله أكثر . ( رواه الترمذي وحسنه ،
وحسنه الألباني في صحيح الجامع 5636)
وقال عليه الصلاة والسلام : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة
رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها
له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا إذا نكثر ؟ قال :
الله أكثر . (صحيح الترغيب 1633)
قال المباركفوري : (صرف عنه من السوء) أي : البلاء النازل أو غيره في أمر
دينه أو دنياه أو بدنه ، (مثلها) أي : مثل تلك الدعوة كمية وكيفية إن لم
يقدر له ووقوعه في الدنيا ، (الله أكثر ) قال الطيبي : أي الله أكثر إجابة
من دعائكم ، وقيل : الله أكثر ثوابا وعطاء مما في نفوسكم ، فأكثروا ما شئتم
فإنه تعالى يقابل أدعيتكم بما هو أكثر منها وأجل . (تحفة الأحوذي )
وقال صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم ينصب وجهه لله عز وجل في مسألة إلا
أعطاها إياه إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له في الآخرة) (رواه أحمد ،
وصححه الألباني 1632 صحيح الترغيب)
وقال عليه الصلاة والسلام : يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما
لم يستعجل ، قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوت وقد
دعوت فلم أَرَ يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء . (صحيح مسلم
2735)
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : عليك إذا تأخرت الإجابة أن ترجع
إلى نفسك ، وأن تحاسبها ، فإن الله حكيم عليم ، قد يؤخر الإجابة لحكمة
بالغة ، ليكثر دعاء العبد لخالقه ، وانكساره إليه ، وذله لعظمته ، وإلحاحه
في طلب حاجته ، وكثرة تضرعه إليه ، وخشوعه بين يديه ، ليحصل له بهذا من
الخير العظيم ، والفوائد الكثيرة ، وصلاح القلب ، والإقبال على ربه ، ما هو
أعظم من حاجته ، وأنفع له منها .... فإذا تأجلت الحاجة فلا تلم ربك ، ولا
تقل لماذا؟ لماذا يا رب؟ بل عليك أن ترجع إلى نفسك ، .... ولعل هناك أمرا
آخر ، تأخرت الإجابة من أجله ، يكون خيرا لك ، فلا يجوز أن تتهم ربك بما لا
يليق به سبحانه ، ولكن عليك أن تتهم نفسك ، وتنظر في أعمالك وسيرتك ،....
وأن تعلم أن ربك حكيم عليم ، قد يؤجل الإجابة لحكمة ، وقد يعجلها لحكمة ،
وقد يعطيك بدلا من دعوتك خيرا منها .( بتصرف يسير من مجموع فتاوى ومقالات
متنوعة 5/303-305)
3. الله أكثر ، فعلينا أن نوسع دائرة المطالب التي نرجوها من الله -
بالضوابط المذكورة في الأحاديث أعلاه - ، وخذ هذا المثل على سعة فضل الله
وجزيل عطائه ، قال صلى الله عليه وسلم : من استغفر للمؤمنين و للمؤمنات كتب
الله له بكل مؤمن و مؤمنة حسنة . (حسنه الألباني في صحيح الجامع 10970)
وكذلك ما يحصل من قريب لي يصر على المصافحة في كل لقاء به ولو كان بين
اللقائين ساعات قليلة ، وكأنه لاحظ استغرابي على حرصه على ذلك ، فداهمني
بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم : إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما
كما يتحات ورق الشجر . صحيح ، انظر صحيح الترغيب والترهيب 2721 ، وفي
السلسلة 526
و قوله صلى الله عليه وسلم : إذا تصافح المسلمان لم تفرق أكفهما حتى يغفر
لهما . صحيح برقم 433 في صحيح الجامع
ولم لا ؟! فالله أكثر ، و ( الله يرزق من يشاء بغير حساب) آل عمران 37 ،
(وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا
) فاطر الآية 35
4. إذا (الله أكثر ) وينبغي أن لا نغفل عنها ، بل نتخذها شعارا لنا في
حياتنا ، والمهم هنا أن ندعوه وقلوبنا حاضرة موقنة بالإجابة ، قال صلى الله
عليه وسلم : ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا
يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ . (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 594)
علي بن سعيد بن دعجم
أبها
26/1/1433
|