1- قارون من قوم موسى ، ولعله ابن عمه كما يروي المفسرون ، كان فقيراً
حين آمن بموسى لنه حين استغنى انتقل إلى صف الكفار المناهضين للدين
الجديد ، المعادين له .
2- " إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى " وهكذا نجد قارون يظلم قومه حين
كثرت الأموال بين يديه ، وهذا دليل تفاهة من يغره المال ، فيصرفه عن
وجوه الخير ، بل يشتط في الكبر والاستعلاء .
3- وظلم القريب قريبَه شديد ،مؤلم ، قاس لئيم .. أتدرون لماذا ؟
ا - يتوقع القريب من قريبه الوجيه الموسر القادر على المساعدة
الرحمة َ، ويتوقع العون ، وقد لا يتوقع من غيره أن يكون عطوفاً عليه
رحيماً به ، فإذا فوجئ منه بالظلم والنكران زاد ألمه ألماً ، وضيقه شدة
.
ب -إن القريب أو الصديق أعلم بمواطن الضعف عند الآخرين ، فإذا انقلب
عدواً كان أذاه أشد لمعرفته بدخائله ، وقد قال الشاعر مصوراً هذه
الحالة ومنبهاً من الانكشاف للآخرين ولو كانوا أهلاً وأصدقاء ، فالحفاظ
على الخصوصيات لا بد منها حتى عن القريب والحبيب:
احذر عـدوّك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديـ ق ، فكان أعلمَ بالمضرّة
ج - وقد يكون عند فقره حاسداً أهل الفضل من قومه يحمل الضغينة لهم ،
وهذا دأب كثير من الناس ، وعادة قد تكون متأصلة فيمن دينه ضعيف وقلبه
ضيق وعقله قاصر فإذا اغتنى بعد فقر أظهر الكشح وأعلن العداوة واالنقمة
، والتشفي . وتراه في صفوف أعداء الله يضرب بسيفهم ويواليهم على قومه
د - ومن هذا دأبه يجعله الغنى متكبراً يرى الآخرين دونه ، ويسعى إلى
إذلالهم .
4- وهنا نجد الدعاة من قومه ينصحونه - والمؤمن يريد الخير للجميع ويخص
قومه بخيره – ويجتهد في النصح لهم ، فهذه مهمته في الحياة ، وكانت
النصائح على التوالي :
أ - البعد عن البطر فهو من الآفات التي تقصم ظهر صاحبها ، وتهلكه ،
فالله تعالى أعلن ذلك حين قال في الحديث " الكبرياء ردائي ، والعظمة
إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما ، قذفته في النار " ( الدرر السنية )
ومن ادعى ذلك غضب الله عليه ، وكرهه " إن الله لا يحب الفرحين "
البطرين الذين لا يشكرون الله على إنعامه ويتكبرون بأموالهم على عباد
الله فما ينبغي لأحد أن يستكبر أو يتعالى .
ب - أن يطلب الدار الآخرة فيما أعطاه الله من الأموال ، " وابتغِ فيما
آتاك الله الدار الآخرة " فيتصدق وينفق على الطاعات ، فهذا من شكر الله
تعالى ، وسيجد في الآخرة – إن فعل ذلك – فضلاً من الله كبيرا .
جـ - كما أن للإنسان أن يتمتع بالخير الذي وهبه الله إياه في الدنيا
دون أن تكون الدنيا همه الأكبر أو الوحيد ، وهذا تنبيه واضح إلى أن
العاقل يجعل الآخرة الباقية نصب عينيه وهدفه الأول ، وله أن يتمتع
بدنياه " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟ " .
د – أن يحسن إلى الناس ، فالإحسان من التحدث بنعمة الله ،" وأما بنعمة
ربك فحدّثْ " وليس الحديث بالتفاخر والتباهي بما أنعم الله علينا فقط ،
فهذا إيذاء لمشاعر الناس وإساءة إليهم . ومن أحسن إلى الناس فقد استجلب
رضا الله تعالى عليه وحبه له ، ومن أحبه الله فاز وأفلح " الخلق عيال
الله ، واحبهم إلى الله أنفعهم لعياله " . وكما تدين تدان : فمن أحسن
إلى عباد الله أحسن الله إليه ، ومن احسن الله إليه أحسن إلى عباد الله
.
هـ - من الإساءة أن يكون الإنسان فاسداً ، وأشد منه أن يكون مفسداً .
والإفساد طرقه كثيرة ، منها : البغي في الأرض ، وكثرة المعاصي ، وصرف
المال فيما يغضب الله تعالى ... والبعد عن الإفساد والفساد من سمات
العاقل اللبيب ، وعكس ذلك من سمات اللئيم الذميم . والله تعالى يكره
هذا الصنف الذي يفسد في الأرض ، ومن كرهه الله تعالى كان من الخاسرين .
5- العاقل من اتعظ ، والجاهل من تنكب الطريق السويّ ، فأورده موارد
الهلاك . وكان قارون من الصنف الثاني الذي أرداه جبروته ، فادّعى ما
ليس له .... ادّعى أن ذكاءه وعبقريته كانا السبب في نجاحه هذا النجاح
الكبير ، وأن المال جمعه بجده ونشاطه ليس غير !! وهذا مقتل المتكبرين ،
وهلاك المتجبرين . هؤلاء الذين لا يتعلمون ممن غبر ، ولا يتعظون من
مصائر أمثالهم .
6- وقد يتساءل أحدهم : كيف " ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون " ؟ ألم يقل
الله تعالى " فوربك لنسألنّهم أجمعين عما كانوا يعملون " ؟ والأمر ليس
فيه تعارض البتة ، إنما هو تصوير لمصيرهم السيء ، والله تعالى لعلمه
بما فرّطوا وتجاوزوا لا يسألهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها تحقيراً لهم ،
وغضباً عليهم . وانظر معي إلى هذا التصوير المخيف في طريقة دخول هؤلاء
المجرمين النار – والعياذ بالله – " يُعرف المجرمون بسيماهم ، فيُؤخذ
بالنواصي والأقدام " ما أهونهم على الله حين يأمر بهم إلى النار ،
فتمسك الزبانية برؤوسهم وأرجلهم ، ويُقذفون بهذه الطريقة المهينة في
سواء جهنم !!
7- قارون وأمثاله – هؤلاء الذين طُمست بصائرهم ، فما عادوا يرون إلا
ذواتهم – يستعلون على عباد الله فيخرجون متعاظمين كما فعل قارون حين "
خرج على قومه في زينته " متباهياً مفتخراً بأكمل زينته ذات يوم ، يليه
أتباعه الكثيرون متحلين بملابس الذهب والحرير ، على خيول موشحة بالذهب
والعقيان ، ومعه الجواري والغلمان في موكب حافل باهر فيسبي قلوب أهل
الدنيا ، فيتمنون أن يكونوا مثله ، أو يكون لهم ما له ، ويعتقدون
مخطئين أنه ذو حظ عظيم .
8- أهل الإيمان الذين ينظرون بنور ربهم يعلمون زيف الدنيا وصغارها ، إن
الحياة الحقة هي الحياة الباقية ، أما الفانية الزائلة فلا تستهويهم .
إنهم قالوا حين سمعوا أهل الدنيا يتمنون هذا الزائل ناسين الآخرة
وخلودها :
" ثواب الله خير لمن آمن ،
وعمل صالحاً ،.......
ولا يُلقّاها إلا الصابرون "
فالإيمان بالله أولاً ، يليه العمل الصالح ثانياً ، يليه الصبر والرضا
بما قسم الله تعالى ثالثاً
ثوابُ الله الجزيل الذي يغمر العباد الصالحين .
9- العقوبة العاجلة للمتكبرين في الدنيا ، فقد خسف الله تعالى بقارون
الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، تضيق عليه ويحترق بنيرانها
جزاء وفاقاً هو ومن يسير في ركابه ، فماذا يقول هؤلاء الذين باعوا
آجلاً بعاجل ، ورضوا أن يكونوا في صفوف أعداء الله ، يحاربون أولياء
الله ؟؟؟!!! والمرء مع من أحب ،، أليس كذلك ؟!!